خبر ليست حديقة من السوسن..هآرتس

الساعة 11:14 ص|17 يوليو 2009

بقلم: الوف بن

النكتة التالية تروى في مكتب رئيس الوزراء في القدس. ماذا يفعل امريكي يكتشف خرابا في بيته؟ المغسلة مسدودة؟ المرحاض فائض؟ بسيط جدا. يدعو براك اوباما الى القاء خطاب، فتحل المشكلة.

بعد نصف سنة من دخول اوباما البيت الابيض، وثلاثة اشهر ونصف الشهر بعد دخول بنيامين نتنياهو مكتب رئيس الوزراء، توجد علاقات اسرائيل والولايات المتحدة في درك اسفل عميق. من الجانب الاسرائيلي، يبدو اوباما كزعيم ضعيف، يخاف المواجهات مع الزعران والاشرار في كوريا الشمالية وايران ويحاول التغطية على ضعفه بخطابات مسقعة وبضغط غير نزيه على اسرائيل. من الجانب الامريكي، نتنياهو يبدو كرافض للسلام، يحاول التغطية على تطرفه باقوال غير ملزمة وبالتدخل في السياسة الداخلية الامريكية.

نتنياهو مقتنع بان اوباما سعى الى المواجهة معه، لارضاء العالم العربي في اظهار ابتعاد عن اسرائيل. في نظر رئيس الوزراء، مسؤول عن هذه السياسة المساعدان اليهوديان للرئيس، رام عمانويل ودافيد اكسلرود، اللذين حرضا اوباما ضده.  هذا يبدو كجنون اضطهاد، ولكن حتى لمجانين الاضطهاد يوجد اعداء. هناك أدلة على أنه حتى في اثناء الحملة تحدث مستشارو اوباما بينهم عن الابتعاد عن اسرائيل كاساس لعلاقات جديدة بين الولايات المتحدة والعرب والمسلمين. كما أن هذا ليس مفاجئا. كل زعيم يريد أن يظهر بانه يختلف عن سلفه، واذا كان جورج بوش اعتبر في الشرق الاوسط وفي اوروبا كمؤيد لاسرائيل بشدة، واضح لماذا اراد اوباما تبريد العلاقات مع اسرائيل. انتخاب زعيم اليمين نتنياهو ساعد اوباما ورجاله فقط ممن وجدوا هدفا مريحا للضغوط.

التعبير العلني عن هذه السياسة كان الطلب القاطع لادارة اوباما من اسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات، حتى آخر كوخ. كانت هذه مناورة مدروسة والضغط وجه بالضبط الى النقطة الاكثر حساسية. المستوطنات مكروهة في العالم والانتقاد عليها ليس له ثمن سياسي في الساحة الامريكية. فلن يقف أي عضو كونغرس او منظمة يهودية ليصرخ امام البيت الابيض "نعم للنمو الطبيعي في نوكاديم". من ناحية اوباما، الدعوى لتجميد المستوطنات كانت السبيل الاكثر راحة لحشر نتنياهو موبخا في الزاوية دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه وكذا تهديد بواقي ائتلافه، في حالة ان ينكسر ويستجيب للطلب. حالة كاملة الاوصاف.

بعد شهرين من لقاء نتنياهو واوباما في واشنطن، حيث انزل عليه مطلب تجميد المستوطنات، تكثر المؤشرات على أن ضغوط الادارة على رئيس الوزراء قد توقفت. اوباما لم يتراجع عن مواقفه، ولكنه وافق على أن تكون معالجة المستوطنات جزءا من رزمة دبلوماسية واسعة تتضمن ايضا بادرات طيبة من الدول العربية، موافقة فلسطينية على استئناف المفاوضات، وربما ايضا اعادة تحريك القناة السورية.

المستوطنات لم تجمد حاليا. جورج ميتشيل، مبعوث الرئيس، بحث مع وزير الدفاع ايهود باراك في صيغة لتجميد جزئي، وبلورة "قاعدة بيانات مشتركة"، وهو غطاء مكشوف لاضاعة الوقت.

في لقائه مع زعماء الطائفة اليهودية يوم الاثنين من هذا الاسبوع، والذي كان يرمي الى الاشارة الى انتهاء الازمة في موقفه من اسرائيل، حاول اوباما الاقناع بانه يضغط ايضا على الفلسطينيين والدول العربية وان الخلاف مع اسرائيل هو "داخل الاسرة". من التقارير عن اللقاء يتبين أن اوباما حاول تقزيم الخصام على المستوطنات، ولكنه اصر على ان تقدم مسيرة السلام واقامة الدولة الفلسطينية سيساهمان لمصالح اسرائيل وانه لن يتنازل عنهما.

ابتلاع الكبرياء

حسب كل التقارير التي تصل من واشنطن، لن ينشر اوباما قريبا خطة سلام مفصلة. تخوف نتنياهو من أن تطالبه امريكا بالانسحاب من كل المناطق وتقسيم القدس لن يتحقق قريبا. الادارة تميز بين "المادة والمسيرة"، بين الجوهر والاجراءات، وستركز الان فقط على خلق قطار للمفاوضات وعلى ما يبدو ايضا عرض مواعيد هدف للطرفين. مع هذا نتنياهو وائتلافه يمكنهما ان يناما بهدوء.

نتنياهو انتصر ظاهرا في هذه الجولة: المستوطنات تواصل الازدهار والقرارات الحاسمة القاسية في "مسائل اللباب" للحدود، القدس واللاجئين تأجلت. ولكن ليس لديه ما يدعوه الى الفرح. فحتى في التقدير الاكثر تفاؤلا والاكثر ثناءا على نتنياهو فان انزال الايادي انتهى بتفوق طفيف لاوباما. قبل كل شيء، في محاولة انزال اوباما عن ظهره، اضطر نتنياهو الى قبول فكرة "الدولتين للشعبين". ثانيا، اوباما لوح بطلب نتنياهو في أن يسبق وقف النووي الايراني أي خطوة سياسية. ثالثا، والاهم، نتنياهو فشل في خلق ثقة وحميمية مع الرئيس والادارة. ليس لديه أي قناة كتومة الى البيت الابيض، أي تفاهم هادىء على السياسة. في مكتب نتنياهو يتحدثون بحسد عن التنسيق التام بين ايهود اولمرت وادارة بوش.

في اللقاء مع الزعماء اليهود، تحدث اوباما بمحبة تجاه اسرائيل، ولكن حسب التقارير التي صدرت من هناك، لم يقل ولو كلمة طيبة واحدة عن نتنياهو. اوباما يفصل بين اسرائيل ورئيس وزرائها. من ناحية نتنياهو، هذا مدخل لمشاكل عسيرة في المستقبل. في نهاية اليوم، اسرائيل تحتاج الى الولايات المتحدة اكثر بكثير مما هو العكس. اسحق شمير هو الاخر وقف ببطولة في وجه ضغوط بوش الاب ضد المستوطنات الى أن سقطت الصواريخ على تل أبيب في حرب الخليج. امريكا حمت اسرائيل، وجبت الثمن حين جرت شمير الى مؤتمر مدريد وساعدت في اسقاطه من الحكم.

ومع ذلك يبدو أن اوباما سار بعيدا جدا في مطلبه التجميد المطلق للمستوطنات وسيتعين عليه أن يبتلع على الاقل جزءا من كبريائه. فقد دخل في مواجهة مع نتنياهو بيدين شاغرتين، دون عصا تهديد صريحة على اسرائيل ودون جزرة الهدايا وخطوات التطبيع من جانب الدول العربية. في اللحظة التي اوضحت فيها الادارة بان امن اسرائيل هو قيمة مقدسة، عرف نتنياهو انهم لن يهددوه بتأخير قطع الغيار لطائرات سلاح الجو – مثلما فعلت الادارة السابقة، حين ارادت معاقبة اسرائيل على بيع السلاح للصين وطالبت اقالة رؤساء وزارة الدفاع. كما قدر نتنياهو على نحو سليم بان السعوديين سيكونون بخلاء في البادرات الطيبة، وان رفض الفلسطينيين استئناف المفاوضات سيساعده. ليس هناك افضل من الرفض العربي للتخفيف عن اسرائيل.

اوباما اخطأ حين تجاهل الرأي العام الاسرائيلي، وسمح لنتنياهو بان يبلور خلفه اجماعا سياسيا ضد تجميد الاستيطان وعرض الرئيس بانه غير ودي يتزلف للعرب. يبدو أن اوباما يجد صعوبة في أن يميز بين الاسرائيليين ويهود أمريكا. زيارته  الى معسكر الابادة بوخنفيلد، فور خطاب القاهرة، يرمي الى توازن الانطباع لمد اليد للعرب والمسلمين، بخطوة موازية تجاه اليهود. هكذا نظر الى الامر من جانب اليهود الامريكيين، ولكن في اسرائيل فهموا هذا كاهانة. الرواية الاسرائيلية تولي اقامة الدولة للصلة التاريخية منذ عهد التوراة، للكفاح الصهيوني وللانتصار في حرب الاستقلال. رسالة اوباما في القاهرة بان اسرائيل اقيمت كتعويض عن الكارثة، اعتبر هنا كتبنٍ للنهج المناهض للصهيونية من محمود احمدي نجاد. اوباما فوت الفرصة، ومستشاره رام عمانويل لم يشرح له لماذا.

ولكن ما حسم كان السياسة الداخلية. اللوبي الامريكي من اجل اسرائيل ، ايباك، أثبت بان كل من أبنه بعد انتخاب اوباما اخطأ. ايباك لم يحاول الدفاع عن توسيع المستوطنات، او الوقوف علنا في سبيل نتنياهو. لا يمكن بيع هذه البضاعة في واشنطن. اللوبي اتخذ خطوة هادئة، يكاد يكون بدون نشر، بوسائل مدروسة ومعروفة لديه: تجنيد الكونغرس كي يلمح للرئيس بان يدع اسرائيل.

في يوم زيارة نتنياهو الى البيت الابيض، وضعت في صندوق البريد الوافد لاوباما رسالة من 73 سناتورا صيغت بطريقة مذهلة. لا يوجد هناك كلمة عن المستوطنات. فقط تأييد حماسي للمسيرة السلمية، دعوة ناعمة لاستيضاح الخلافات مع اسرائيل انطلاقا من القرب والود وقائمة مطالب من الفلسطينيين. بين الموقعين كانت ايضا اغلبية اعضاء كتلة الرئيس. كان هذا تكرارا للانجاز الهائل الذي حققه ايباك في 1975 حين نجح اللوبي في احباط سياسة "اعادة التقويم" لهنري كيسنجر في رسالة 76 سناتورا الى الرئيس فورد. يمكن التخمين، بان هذه المرة ايضا لم يكتفِ اللوبي بالرسالة وأسندها بعمل مرتب. مرت بضعة اسابيع، والرسالة استوعبت في البيت الابيض: مسموح الاختلاف مع موقف اسرائيل، ولكن غير مسموح صفعها علنا. حتى المرة التالية.

باسم الآباء

على الحائط في غرفة عمل الجنرال عبد الرزاق اليحيى في رام الله معلقة صورة قرية مولده، الطنطورة. صورة جوية، تظهر الجزر الصغيرة القريبة من الشاطىء وقارب متحرك يجر وراءه زبدا أبيض. يحيى ولد في الطنطورة قبل 80 سنة. تماما في تلك السنة التي ولدت فيها تل أبيب. لم يكن بوسعي الامتناع عن التشبيه: عندما تجند أبي في صفوف البلماخ، تجند اليحيى في "جيش الانقاذ" بقيادة فوزي القاوقجي. ويحتمل أن يكونا قد شاركا في ذات المعركة في حرب الاستقلال. ولكن منذئذ دحرجتهما الحياة الى اماكن مختلفة تماما. اللاجىء اليحيى تقدم في الجهاز الامني لـ م.ت.ف واصبح رئيس اركان جيش التحرير الفلسطيني ووزير الداخلية في السلطة. والان يعمل كمستشار لشؤون الامن لدى رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض.

زرت أول أمس اليحيى، الذي يلقب بأبو أنس. الى جانب وفاء عمرو الصحافية التي تغطي منذ سنين انباء السلطة الفلسطينية والمسيرة السياسية. ذكرته متى التقينا لاول مرة في طابا، في المحادثات الاولية على تطبيق اتفاقات اوسلو في 1993. آفي بينهو اصدر صورة: الجنرال الفلسطيني يسير على الشاطىء مع نظيره الاسرائيلي، عوزي دايان. "نعم، حاولنا في حينه تحقيق السلام من خلال الامن"، يتذكر اليحيى. "هذا نجح في البداية، ولكن عندها رفضت اسرائيل التحديد الزمني للفترة الانتقالية. رئيس الوزراء رابين قال انه لا توجد مواعيد مقدسة، وهذا أفشل الامر".

اليحيى، الذي لم يكن في أي يوم عضوا في فتح بل تقدم في الصفوف كمستقل، قاد الاصلاحات الامنية في السلطة. وهو يروي بانه بعد سيطرة حماس على غزة، قبل سنتين، كان قلق كبير في أن تسقط الضفة الغربية في اعقابها في ايدي العصابات المسلحة التي تحمل السلاح وتهدد الشارع برعبها. واقترح نهجا مغايرا لمعالجتها: اسلافه في وزارة الداخلية ارادوا البدء باعادة تنظيم قوات الامن. اما اليحيى ففضل العمل في الميدان، من الاسفل الى الاعلى، وقبل كل شيء التصدي للقوة لـ "العصابات".  لا تنشغلوا بالاسرائيليين، قال لرجاله، الان يجب ترتيب البيت.

المواجهة نجحت. المسلحون سلموا اسلحتهم أو خبأوها. شرطة السلطة وقفوا في زوايا الشارع و "صفينا الجريمة ايضا"، يقول. التواجد الشرطي واضح في شوارع رام الله، وفي الاسابيع الاخيرة بدأوا يفرضون في المدينة حتى قوانين ايقاف السيارات، وتحرير مخالفات للسواقين (خمسين شيكل للمخالفة) وجر سيارات تقف عند الاحمر – ابيض. اليحيى تفرغ لخطة اعادة تنظيم قوات الامن.

نتنياهو التقاه اليحيى في 1996، مع جبريل الرجوب ومحمد دحلان. وقد اقترح على حد قوله فتح الطريق المسدود في محادثات على اتفاق الخليل. التصريحات الراهنة لرئيس الوزراء والتي تطالب الفلسطينيين بالاعتراف باسرائيل كدولة الشعب اليهودي، تثير غضبه. وهو يقول: "ابائي واجدادي كانوا هنا منذ آدم وحواء. ابي وجدي وجد جدي ولدوا في الطنطورة. ابو وجد نتنياهو لم يكونا هنا".

- في عصر اوباما هل يوجد امل لمسيرة سياسية جديدة؟

+ اوباما تحدث على نحو جميل في البداية، ولكن في حينه بدأ الامريكيون يتحدثون مع اسرائيل عن المستوطنات. ماذا حصل ان تقرر اسرائيل وامريكا أي مستوطنات تبقى في ارضنا؟ على هذا الامر ينبغي أن نُسأل نحن.