خبر جدل القدومي وعمان: جملة تكتيكية لتذكير عباس باللاعب الاردني

الساعة 05:42 ص|17 يوليو 2009

 فلسطين اليوم-القدس العربي

لا يتجاوز الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية الدكتور نبيل الشريف الحقيقة والواقع وهو ينفي اي صلة لحكومته بالتصريحات الاخيرة لفاروق القدومي فعمان بكل تاكيد ليست طرفا بشكل او بمضمون ما قاله القدومي، ولا يمكن ولا ينبغي لها ان تكون كذلك.

لكن عمان سياسيا ومن باب التحليل تحقق اغراضها من وراء العملية برمتها وهي لفت نظر الرئيس محمود عباس واطلاق عبارة في وجهه تقول.. نحن هنا وان كانت العبارة هذه المرة قاسية قليلا لاسباب ليست اردنية انما تتعلق بنوازع الخصومة الذاتية عند القدومي نفسه.

 

القول رسميا بان القدومي ضيف مرحب به دوما حتى بعد تصريحانه الاخيرة لا يعكس فقط الواقع الموضوعي، لكنه يكمل الجملة التكتيكية التي انطلقت كالصاعقة في وجه الجميع ومستوى حدتها لاحقا ما دفع الناطق الرسمي الاردني للخروج بتوضيحات وشروحات متاخرة اربعة ايام دفعة واحدة لحدث كان ينبغي انضاجه على نار اهدا.

 

وهذه الشروحات تضمنت بعد التنصل تماما من مضمون التصريحات الاتصال مباشرة بالقدومي ومطالبته بعدم الادلاء بتصريحات في عمان يمكن ان تسبب حرجا للموقف الرسمي الاردني.

وهذه الصياغة التي سربتها حكومة الرئيس نادر الذهبي عبر احدى وكالات الانباء تعني بوضوح ان القدومي يستطيع الادلاء بتصريحات من النوع الذي لا يسبب حرجا.

 

حصل ذلك مع رجل لم يمنع سابقا فقط من زيارة المخيمات في الاردن بل لم يحظ اطلاقا رغم مكانته في الهرم الفلسطيني والفتحاوي باي استقبال رسمي اردني طوال جولاته المكوكية التي كانت تبدا وتنتهي في عمان بعد العبور لدمشق وبيروت.

وحصل مع ان السلطات الاردنية لم تسمح في الماضي القريب للقدومي بفتح مكتب رسمي له في عمان وامتنعت مجاملة لعباس طوال سنين عن التعاون معه في اجتماعات التحضير العربية بصفته وزيرا للخارجية، ولم يسمح له بالمشاركة باي نشاط سياسي او نضالي او حتى فكري وثقافي خصوصا من طراز تلك النشاطات الاجتماعية- الاعلامية التي يتم تسهيلها لنخب من طراز جبريل الرجوب ومحمد دحلان ونبيل عمرو وغيرهم من الذين يكاكون في عمان ويبيضون في القاهرة على حد تعبير مسؤول اردني.

 

والشروحات الحكومية الاردنية قالت بان القدومي طرح اتهاماته الشهيرة على هامش لقائه مجموعة اشخاص في عمان والقصد من هذه العبارة واضح هنا وهو الاشارة الى ان الرجل لم يعقد مؤتمرا صحافيا والحكومة الاردنية لم تسمح له بذلك اصلا.

وهذه العبارة الرسمية كان يمكن ان تكون اكثر دقة لو فسر الناطق الرسمي الاردني صمته لاربعة ايام بعدما امتلات وكالات الانباء والشبكات والمحطات بالخبر الذي تقول مقدمته.. عقد القدومي مؤتمرا صحافيا في العاصمة الاردنية.. وكان يمكن ان تكون اكثر دقة لو لم تنشر مندوبة صحيفة 'الغد' الاردنية اليومية التي حضرت اللقاء تقريرا عن المضمون في الصحافة المحلية يشير لعقد مؤتمر صحافي. الجميع يفهم ان شخصية بحجم القدومي لا تستطيع لقاء ستة صحافيين سرا في عمان ورفاق القدومي نفسه يعلمون بانه حساس جدا لاغضاب عمان خصوصا بعدما حاصرته السلطات التونسية ومنعته من النشاط العلني وبعدما تقلص منتوج مناوراته في دمشق. وليس سرا بالنسبة لجميع المراقبين القول بان احدا يستطيع عقد حوار او مؤتمر صحافي في عمان خارج نطاق رصد السلطات الحكومية فهذه رواية لا يشتريها احد.

 

لكن ذلك لا يعني بكل الاحوال ان السلطات الاردنية طرف في الاشكال الذي اثاره القدومي او في مضمون مؤتمره الصحافي، لكن العالمين بالبواطن يشيرون الى ان مجرد التغاضي ولو لمرة واحدة عن نشاطات القدومي في زياراته المتكررة يحقق غرضا سياسيا مهما وهو لفت نظر عباس الى الانزعاج الاردني من تجاهله ورفاقه لمصالح عمان واخفاءه المعلومات ووضعه كل البيض في السلة المصرية وهو المفصل الاهم بالنسبة للاردنيين.

 

وهذا الغرض يتحقق ليس لان القدومي اصبح فجاة حليفا لعمان فهو من اكثر منتقديها ومتهميها ولكن لان عمان لا تريد الاستجابة لنداءات اقلامها الداخلية المتكررة التي تطالبها باحتضان حركة حماس لخلق مساحة توازن مع سلطة عباس وتجاهلاتها. بمعنى اخر لا تريد عمان مناكفة عباس بواسطة وضع تسهيلات امام حماس وما يكفيها سياسيا واعلاميا اشعار عباس ببعض القلق مؤقتا على الاكثر عبر التغاضي ولو لمرة واحدة عن ما يمكن ان يفعله او يقوله رجل بمواصفات القدومي، دون احتضان القدومي الذي لا يمكن بحال من الاحوال احتضانه اردنيا لأن المطلوب ببساطة شديدة تذكير عباس باللاعب الاردني وليس الانقلاب عليه.

 

وعليه يمكن القول ان الازمة بين الحكومة الاردنية والسلطة لا علاقة لها اطلاقا بما قاله القدومي او بالمكان الذي قاله فيه لانها ازمة في المستوى الاستراتيجي كما يؤكد لـ'القدس العربي' سياسي اردني بارز، وهي ازمة متصلة بالتكوين المصري في حركة عباس وباخفائه جملة الاتصالات السرية مع الاسرائيليين وباقاويله غير العلنية عن تنازلات مؤلمة يستطيع تقديمها واستعداده للتفاهم مع الاسرائيليون فقط وموقفه من مشروع قناة البحرين.. هذه المسائل تهدد المصالح الاستراتيجية للاردن.

 

ومن هنا تصبح وظيفة الجدل الذي خلقه القدومي وانحشار الحكومة الاردنية في وسطه هي قرع الجرس في راس سلطة عباس، وثمة قناعة بان الاردنيين لا يريدون اكثر من هذه الجرعة حتى يعتدل عباس معهم كما كان في الماضي عندما حملته عمان على اكتافها لفترة طويلة. باختصار.. هذه الجملة التكتيكية الاردنية لا يمكن ترتيبها عبر المستوى الحكومي الحالي وعبر وزراء يتيميزون بالبؤس في الاداء واغلب التقدير ان الناطق الرسمي باسم الحكومة لا يعرف عنها شيئا ولا يعرف عن وسطاء الخير الذين تنشطوا مؤخرا لبناء علاقة بين عمان والقدومي وهم اردنيون وفلسطينيون موثوقون في الاردن من خارج نادي السلطة.