خبر تباين الآراء حول مصير « فتح » بين الوحدة والانشقاق و« أبو اللطف » بين الإقالة أو الاستقالة

الساعة 02:14 م|16 يوليو 2009

فلسطين اليوم – قسم المتابعة

فجرت التصريحات الأخيرة لأمين سر حركة "فتح" ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، لفاروق القدومي، لغماً كبيراً، لا زالت شظاياه تشتعل في الأوساط الفلسطينية بشكل عام، والفتحاوية بشكل خاص، ولا أحد يعرف كيف سينتهي الأمر لاسيما في الوسط الفتحاوي المقدم على منعطفات تاريخية.

 

وكان القدومي أكد أن بحوزته محاضر جلسات جمعت رئيس السلطة محمود عباس "المنتهية ولاية"، ومحمد دحلان القيادي في حركة "فتح" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرائيل شارون، تؤكد اتهاماته لعباس ودحلان بـ"الضلوع" مع إسرائيل في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، وشخصيات فلسطينية أخرى.

 

وقال القدومي إنه يعتقد أن هذه الوثيقة "صحيحة"، وأن مجريات الأحداث منذ عام 2004 إلى اليوم تثبت ذلك، وفق قوله، مشيراً إلى أنه أخبر بعض الدول العربية بما لديه من معلومات.

 

إلى أي حد يمكن أن تشعل هذه التصريحات جذوة الخلافات الداخلية في أوساط حركة "فتح" من جديد، والتي باتت على أبواب انعقاد مؤتمرها السادس في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، وهل يصطدم المؤتمر بهذه التصريحات الجديدة أم أنها ستشكل له دفعة حقيقية للوقوف على الأخطار التي تتعرض لها الحركة وقياداتها؟

 

فقد لفت الأكاديمي الفلسطيني الدكتور أسعد أبو شرخ، إلى أن اغتيال الرئيس عرفات كان ولا يزال الشغل الشاغل للشعب الفلسطيني بأكمله، ومازال أبناء "فتح" يريدوا أن يعرفوا من قتل عرفات، لأنهم يشعرون أن هناك تلكؤ وعدم جدية من قبل منظمة التحرير والمسؤولين فيها، ويتساءل الفلسطينيون فيما بينهم لماذا تهتم كل لبنان بمن قتل الرئيس رفيق الحريري ويشكلوا محكمة دولية ليعرفوا من وراء القاتل، بينما عرفات الذي قاد الثورة لـ40 عاما لم يتم التعامل مع مقتله بهذه الجدية.

 

واستدرك "لكن حين جاء القدومي وفجّر لغماً من العيار الثقيل في أوساط الشعب أعاد الاهتمام بالقضية حتى يتم كشف من تآمر، ومعروف أن إسرائيل هي من قتلت عرفات لكن السؤال الملح، كيف تم إدخال السم له في المقاطعة".

 

ونوّه أبو شرخ في تصريحات صحفية إلى أن القدومي ليس شخصا عاديا في "فتح"، فهو أحد المؤسسين التاريخيين، له مصداقيته وعلاقاته القوية مع العديد من الأطراف العربية والدولية، وله تيار كامل في فتح محسوب عليه، الأمر الذي يؤكد خطورة تصريحاته"، حسب تقديره.

 

ولفت المتحدث إلى أن تصريحات القدومي المعتمدة على وثيقة رسمية سلمه إياها الرئيس عرفات جعلت العالم كله يهتم ويريد أن يحقق، منوها إلى أن هذه القضية ستؤثر حتما على المؤتمر السادس للحركة وقد تكون القضية الأولى والأكبر، وسيتم خلاله سؤال أبو مازن لماذا لم يحقق ولماذا هناك تلكؤ في قضية اغتيال عرفات".

 

كما أكد على أن القضية سيكون لها تأثيرها بعيد المدى على حركة "فتح" من الداخل، متوقعا أن يكون هناك فرز خلال المؤتمر المزمع بين "فتح" التي تريد القتال والحفاظ على الثوابت والمبادئ الأساسية، وبين "فتح" الأخرى المختطفة بمقاييس وموازين لا تمت لفتح بصلة، وأنه سيحدث شرخ وانشقاق كبير داخل الحركة"، حسب تعبيره.

 

وأثارت تصريحات القدومي جملة من ردود الأفعال الغاضبة في الساحة الفلسطينية حينا والمطالبة بمحاسبة المتورطين الذين تم الكشف عنهم في الوثيقة، وأخرى رافضة للتصريحات ومعتبرة إياها عارية عن الصحة وتأتي في إطار المناكفات الشخصية.

 

بدوره أكد القيادي في حركة "فتح" ونائب المفوض العام للإعلام والتعبئة الفكرية في الحركة، يحيى رباح أن هذا التوقيت له علاقة كبيرة جدا بالمؤتمر العام السادس للحركة، خاصة بعد أن تم اتخاذ القرار النهائي لعقد المؤتمر في بيت لحم وليس في الخارج كما يريد القدومي.

 

وقال رباح لـ"قدس برس" "إن "أبو اللطف" (فاروق القدومي) شعر بأن شعبيته تتضاءل، وهو منذ فترة يعاني من هذه الحالة، ومعروف أنه بين الفترة والأخرى يعبّر عن خلافات شخصية بينه وبين أطراف مختلفة، ويلقي بقنابل صوتية من هذا النوع، ولكني أعتقد أن الأخ "أبو اللطف" بفعلته هذه كمن أطلق الرصاص على رأسه".

 

وتساءل "إذا كان لديه وثائق لماذا انتظر خمس سنوات كاملة، ما طرحه من نقاط هي متناقضة وهشة، ولا يليق برجل على هذا المستوى، أن يتحدث بثرثرة غير مقبولة"، حسب تعبيره.

 

أما فيما يتعلق بتأثير هذه التصريحات على الحركة، قال إن "حركة فتح ليست حزبا أيديولوجيا، مؤسسو حركة فتح جاءوا من الإخوان المسلمين والبعثيين والقوميين والشيوعيين وغيرهم، وفتح معتادة على إعلان خلافاتها، ومعروف أنه في السنوات الأربعين الماضية حدثت 6 انشقاقات في حركة فتح، ولكن دائما يبقى تيار الأغلبية الرئيسي صامدا، بينما النقاط الاعتراضية والهامشية التي تحدث في أعقاب كل سؤال كبير أو محطة كبيرة تحدث هذه الخلافات التي يعلن عنها بشكل كبير جدا".

 

وأضاف المتحدث "نحن حركة تعودنا أن نعلن خلافاتنا وفي النهاية يبقى التيار الرئيسي الذي يقرر الاتجاه العام".

 

وبخصوص المؤتمر لعام السادس، قال "أعتقد أننا ذاهبون للمؤتمر وكل اللجان أنهت عملها، والأغلبية من أعضاء الحركة سيذهبوا، التصريحات سببت نوعا من الإزعاج لكنها لن تؤثر قط على المؤتمر، بل أعطت المؤتمر دفعة جديدة؛ لأن حجم الخلافات والتقيح داخل الكركة لا يحسمه إلا المؤتمر".

 

وعن توقعاته فيما إذا كانت الحركة ستتخذ أية إجراءات ضد القدومي قبل انعقاد المؤتمر، عبّر رباح عن اعتقاده بأن الحركة تراخت كثيرا في اتخاذ قرارات ضد "أبو اللطف" وضد آخرين، لاسيما أولئك الذين رشحوا أنفسهم في الانتخابات الأخيرة خارج إرادة وقرارات الحركة، وأولئك الذين يتغيبون عن اجتماعات اللجنة المركزية والذين لا ينضبطون بالأطر الرسمية، والذين تأخرت الحركة في إصدار أحكام بحقهم بحكم الزمن الصعب الذي نعيش فيه، حسب قوله.

 

وأكد القيادي الفتحاوي أن حركته مطالبة بشكل عاجل ورسمي أن تتخذ قرارا تنظيمياً واضحاً ضد "أبو اللطف"، قائلا "إنه أفضل لأبي اللطف أن يتخذ ضده قرار قبل انعقاد المؤتمر أفضل مما يُتخذ خلال المؤتمر"، حسب رأيه.

 

يشار إلى أنه يوجد 17 إقليما لحركة "فتح" في الضفة الغربية، إضافة لخمسة أقاليم في كل من قطاع غزة والأردن ولبنان، كما يوجد ثلاثة أقاليم للحركة في سوريا، وإقليمان في مصر، إضافة لعشرات الأقاليم في بقية الدول العربية ودول العالم ومنها الولايات المتحدة، تستعد كلها لمؤتمر الحركة السادس الذي تقرر عقده في مدينة بيت لحم خلال الفترة القادمة.

 

من جهته لم يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة الدكتور ناجي شراب، مع سابقيه في كثير من النقاط، وقال: "بكل موضوعية هذه التصريحات غير مقبولة، وأنا أتساءل، لماذا الآن، مسألة اغتيال الرئيس عرفات مسألة وطنية فلسطينية عليا، من له مصلحة في اغتيال الرئيس؟ لماذا هذه التصريحات في هذا التوقيت بالذات؟ لماذا بهذه الآلية؟ السيد القدومي لم يعقد مؤتمرا صحفيا للكشف عن ذلك، بل جمع عددا من الصحفيين المعروفين لديه من أجل ذلك وأعلن عن القضية".

 

وانتقد توقيت الإعلان عن هذه التصريحات، لافتا إلى أنها تأتي في وقت تعاني فيه الساحة الفلسطينية من انقسام فلسطيني فلسطيني، وهذه التصريحات لن تزيد الانقسام الفتحاوي بل ستزيد من الخلافات الداخلية الفلسطينية، وفق تقديره.

 

وتابع "الوثيقة لم يقرأها أحد، والمعروف عن عرفات أنه لا يسكت على مثل هذه الأمور، ولو كان الكلام صحيحا لفجّر الموضوع من يومها، كل هؤلاء الموجودين الآن كانوا ضعفاء جدا في أيام عرفات حتى وهو مريض".

 

ولفت النظر إلى أنه ليس من المصلحة الإعلان عن ذلك، فالمسألة، وفق رأيه، ترقى إلى مستوى المصلحة الوطنية العليا، فلماذا يتم إخفاؤها طول هذه الفترة؟ ولو كان الكلام صحيحا فإن القدومي يتحمل مسؤولية إخفاء الوثيقة طيلة هذه المدة، والمهم هل هذه الوثيقة صحيحة أم غير صحيحة، لأنه إذا ثبتت صحتها فإنها تصبح مسؤولية وطنية فلسطينية كاملة على الجميع التثبت والتحقق منها".

 

ودعا شراب إلى تشكيل لجنة فلسطينية وطنية عليا على مستوى المجلس التشريعي من شخصيات موثوق بها، تلتقي القدومي وتقرأ الوثائق وتعطي رأيها حتى تكون الصورة واضحة.

 

أما إذا كان الكلام غير صحيح وهو الأرجح، وفق شراب، فعلى القدومي أن يتحمل مسؤولية ذلك، فمسألة الخلافات الشخصية تبقى شخصية، ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه العليا، ويكفي الشعب معاناة الحصار والانقسام.

 

ومضى يقول "القدومي لم يكن موفقا في هذه التصريحات، بالعكس، هي وحدت حركة "فتح" من الداخل بشكل قوي، ودفعت في اتجاه عقد المؤتمر السادس، وتماسك الداخل الفتحاوي في مواجهة هذه التصريحات، التي قد ترقى إلى محاكمة القدومي".

 

وعلى المستوى الفلسطيني قال "هذه التصريحات لم ترتقِ إلى مستوى القبول لدى المواطن الفلسطيني، ومع ذلك أقول إن القدومي ليس إنسانا عاديا، بل هو قائد وطني له تاريخه السياسي، ونظرا لأن القضية وطنية وفيها مساس بالمصلحة ينبغي ألا يقف الأمر عند حد تحقيق فتح في هذه الاتهامات، بل ينبغي التحقيق على مستوى المؤسسات الرسمية الفلسطينية"، حسب تقديره.