خبر أبعاد تجميد أو عدم تجميد بناء المستوطنات ..مازن النجار

الساعة 06:57 ص|16 يوليو 2009

في ضوء صمت إدارة أوباما مؤخراً فيما يتعلق باستمرار الرفض الإسرائيلي لتجميد حركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية والقدس، ربما بسبب انشغال البيت الأبيض بالشأن الأيراني أو بسبب أن الإدارة بصدد إعادة تقييم الموقف على الأرض، بعد الحراك الإسرائيلي تجاه أوروبا وواشنطن وبعض العرب، تتبدى بعض أبعاد تجميد أو عدم تجميد بناء المستوطنات.

 

الكاتب والمعلق الأميركي وليم فاف لفت مؤخراً إلى طبيعة المسار الذي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ودلالاته. رأى فاف أن الطلب الأميركي بتجميد الاستيطان الإسرائيلي بدا اختباراً لرغبة نتنياهو في دخول مفاوضات جادة حول "تسوية" بالشرق الأوسط، لكنها انطوت على أبعاد لا يتخيلها كثيرون اليوم.

 

اعتمد نتنياهو بداية على نفوذ لوبيات الليكود والاستيطان في واشنطن لإزاحة الضغوط، كما فعلت دائماً في الماضي؛ وهي صيغة مخادعة تسمح باستمرار مشروعات الاستيطان في مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات، بينما ترعى الحكومة الأميركية مفاوضات "بلا معنى" أساساً مع الفلسطينيين.

 

منذ أسبوعين كان نتنياهو في أوروبا، وصرّح للإذاعة الإيطالية أنه أجاب بـ"لا" لإعلان الرئيس باراك أوباما في القاهرة أن بناء المستوطنات يجب أن يتوقف، لكنه قَبِل بما رفضه سابقاً، من حل الدولتين مع الفلسطينيين، إذا ما جرى تحت شروط محددة.

 

هذه الشروط من شأنها حرمان الدولة الفلسطينية المستقلة من السيادة الكاملة، والسيطرة على حدودها وأمنها، واقتصادها وتجارتها، ومجالها الجوي، ومياهها ومواردها الطبيعية الأخرى. ومن الواضح أن هذه الشروط لا يمكن قبولها، لأنها من المفترض أن لا تقبل.

 

شكلت مقترحات نتنياهو رسالة إلى الفلسطينيين بأن عليهم أن لا يتوقعوا شيئاً من حكومته، وإلى براك أوباما أن إسرائيل تتوقع أن لا تطالبها الولايات المتحدة بشيء، وأن تُستأنَف المفاوضات بلا معنى، كما مضت هكذا منذ أن حاول جورج بوش الأول وأخفق في مواجهة إسرائيل حول توسيع المستوطنات. ومضى نتنياهو قائلاً: "أعتقد أنه كلما قضينا وقتاً أكثر في الجدال بشأن المستوطنات، أضعنا الوقت بدلاً من التحرّك نحو السلام."

 

لدى قيامه مؤخراً بزيارة رسمية لفرنسا، كان نتنياهو يتوقع التهاني بشأن موافقته على قيام دولة فلسطينية. لكن بدلاً من ذلك، قال له الرئيس الفرنسي ساركوزي أن فرنسا "لم تعد تقبل الحيل الإسرائيلية المقصود بها تغطية بناء المستوطنات بدعوى النمو الطبيعي في المستوطنات".

 

هذا الموقف (الفرنسي) شخّصه وزير الخارجية الإسرائيلي أڤيغدور ليبرمان بأنه يجعل "من المستحيل على إسرائيل بناء معابد أو رياض أطفال، أو إضافة غرف للعائلات المتمددة في المستوطنات".

 

ليبرمان الذي هاجر إلى إسرائيل من جمهورية مولدوڤا، يود لو أن مواطني إسرائيل العرب، الذين بقوا من السكان العرب الأصليين لما هي الآن إسرائيل، يُعطَوْن وثائق هوية خاصة، ويشجعون على مغادرة إسرائيل. يمكن للمرء أن يفكر أنهم إذا فعلوا ذلك سيتركون عقارات شاغرة تستوعب أسر المستوطنين اليهودية المتمددة.

 

كان مقرراً لنتنياهو أن يلتقي في باريس السناتور الأميركي السابق جورج ميتشل، مبعوث الرئيس أوباما الخاص لشؤون الشرق الأوسط، لكن اللقاء ألغي من قبل الجانب الأميركي، بحسب تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت، وبقي ميتشل في واشنطن. وأذاع البيت الأبيض بشكل غير رسمي أنه لن تكون هناك لقاءات مع نتنياهو حتى يتحقق تجميد فعلي للاستيطان. (الإنكار الإسرائيلي لتقرير يديعوت أحرونوت، وبيان واشنطن بأن الإلغاء كان متبادلاً، شكّلا معاً سخفاً واضحاً.)

 

كل هذا الآن حسن جداً، فهو من حيث المبدأ استعادة لعدالة وواقعية، طال انتظارهما، للسياسة الأميركية حول إسرائيل وفلسطين. ولكن ماذا بعد؟ هل سيتم فرض الموقف الأميركي بشأن تجميد الاستيطان بعقوبات مالية وسياسية إذا رفضت حكومة نتنياهو الامتثال؟

 

يعتقد فاف أن نتنياهو انتخب لكي يعاند الولايات المتحدة بشأن المستوطنات والدولة الفلسطينية. ولكن لأن القليل من "العقلاء" في إسرائيل يرغبون في استعداء واشنطن، يمكن إسقاط حكومة نتنياهو من حيث المبدأ أيضاً، بواسطة العقوبات الأميركية.

 

ماذا بعد إذن؟ حركة الاستيطان المتواصلة منذ أربعة عقود أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التصوّر الإسرائيلي للمصير القومي والأمن القومي. يقترب عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية الآن من نصف مليون مستوطناً. تسيطر المستوطنات بطرقها الالتفافية ومنشآتها التحتية والأمنية من حواجز ونقاط تفتيش، على حوالي 40 بالمائة من الأراضي بالضفة الغربية.

 

جيفري أرونسون من مؤسسة سلام الشرق الأوسط في واشنطن، ومتعاطف مع الفلسطينيين، كتب مؤخراً بالعدد الأخير من دورية أخبار المؤسسة أن مجرد تجميد إنشاء المستوطنات يتطلب من إسرائيل "تفكيك نظام عمل تتضافر خلاله المؤسسة العسكرية والتشريعية والأذرع التنفيذية للدولة، والمستوطنون، والمنظمات الخاصة والعامة والمجتمعية والقومية للتعاون على تشجيع وتوسيع المستوطنات". كذلك، سيكون من المحتم تفكيك عناصر رئيسة بإدارة الدولة، وقوات الدفاع، ووكالات التخطيط والموازنة، وبرامج وممارسات أمنية، إضافة إلى حوافز للأفراد ومؤسسات الأعمال لتطوير وتنمية المستوطنات.

 

يخلص أرونسون إلى أن التجميد الحقيقي (للاستيطان) يمثل "مهمة بالغة التعقيد ويتطلب قراراً سياسياً إسرائيلياً بالغ العمق لدرجة أن لا تتخذه أي حكومة إلا نتيجة لقرار أوسع بإنهاء كامل احتلال الأراضي الفلسطينية. وهذا مستحيل تماماً، بدون إعادة بناء ضخمة ومضمونة دولياً لكافة العلاقات الأمنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين والدول العربية المحيطة، وهذا أمر لا يمكن تصوره.

 

لكن فاف يسأل: ما هو الممكن تصوره إذن؟ الاستمرار في الحالة الراهنة كما هي الآن؟

 

لا بد إذن لإدارة أوباما من توضيح لسياستها.