خبر كيف أعطوه جائزة -هآرتس

الساعة 08:40 ص|15 يوليو 2009

بقلم: تسفي بارئيل

 (المضمون: الحكومة المصرية تتعامل مع المفكرين المصريين بازدواجية فتارة ترجح كفة المناهضين للتيار الديني وتارة تتغاضى عن التيار الديني - المصدر).

في كل عام تقوم وزارة الثقافة المصرية بتوزيع جوائز فخرية عالية القيمة للاكاديميين المتفوقين في كل المجالات. القائمة مكونة من خمسين عالما. في هذا العام تضمنت القائمة اسم الاختصاصي في علم الاجتماع والمفكر سيد القمني بين الحاصلين على الجائزة العليا في مجال العلوم الاجتماعية والتي تبلغ قيمتها 200 الف جنيه مصري. لجنة مكونة من ثمانية وعشرين شخصا من كبار العلماء المصريين تقوم باختيار الفائزين بالجوائز بمصادقة وزير الثقافة فاروق حسني الذي يسعى الان لتبوء منصب أمين عام اليونسكو التابعة للامم المتحدة بل وحصل على "ضوء اخصر" لاسرائيل.

عندما نشرت قائمة اسماء الفائزين انتصب رجال الدين من كل التيارات على أرجلهم. من رجال الدين في الازهر مرورا بالمفكرين الاسلاميين المستقلين والاخوان المسلمين وانتهاء بالمنظمات الاسلامية الراديكالية. كلهم كحد سواء طالبوا وزير الثقافة بحرمان القمني من الجائزة او الاستقالة. "لا يعقل ان تهدر اموال هذه الدولة الفقيرة على جوائز تعطى لمن يهاجمون الدين" هم يقولون. "هذا الرجل كافر" قال اخرون، "وعلى الدولة التي تقدس الشريعة الا تمنح شخصا كهذا جائزة باسمها".

القمني من كبار الباحثين المصريين في مجال العلوم الاجتماعية اعتاد مهاجمة النشطاء والمفكرين الاسلاميين مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعتبر احد المفكرين الهامين للتيار الديني الوسطي ومصدر صلاحيات دينية للاخوان المسلمين، او فهمي هويدي من الكتاب الاسلاميين الاكثر خصوبة في مصر والشرق الاوسط كله. هذا بالاضافة الى مهاجمة المنظمات العنيفة ببلاغة بيانية عالية.

بعد عمليات طابا في 2004 كتب القمني مقالة حادة تحت عنوان "هذه مصر يا كلاب جهنم" هاجم فيها بلا رحمة منفذي العمليات الذين يتحركون باسم الاسلام. ولكن ما اغضب رجال الدين بصورة خاصة كانت كتبه التي قال فيها على حد زعمهم ان الاسلام هو دين زائف وهو نابع في اخر المطاف من اصطفاف سياسي يهدف الى السيطرة على مدينة مكة. القمني رفض هذه الادعاءات واوضح في كتاباته بان الاسلام هو ظاهرة انسانية وليس الهية فقط وان القرآن يتضمن اسسا تاريخية وعقائدية ولذلك هناك واجب تمييز الجانب التاريخي من الاسلام بأدوات علمية ووفقا للمعايير المتبعة بصدد كل ظاهرة وعملية تاريخية.

امور كهذه لم ترض مسامع المعارضين. مجموعة اسلامية متطرفة أعلمته عبر الانترنت بأن "خمسة متطوعين قد سجلوا اسماءهم لتصفيته ان لم يتراجع عن التحريض الذي يبثه ضد الدين". القمني الذي نشرت فصول من كتبه ومقالاته القوية في مواقع الانترنت والذي اعتاد الكتابة في زاوية ثابتة في صحيفة "روزل يوسف" المصرية اصيب بالخوف وصرح بانه لن يتوقف فقط عن نشر آرائه وانما سيتراجع ايضا عن كل ما نشره حتى الان ضد رجال الدين والمنظمات الدينية. ومنذ ذلك القرار الذي اقدم عليه في 2005 لم تعد مقالاته تنشر وتنفست المنظمات الاسلامية الصعداء.

ولكن القمني لم يتسبب فقط باثارة غضب الاسلاميين وحدهم. هو اثار حفيظة مجموعة من المفكرين العلمانيين الذين اعتبروه ماركسيا يسعى لاظهار اسمه وعالما مريبا. كان هناك ايضا من ادعوا انه يختلق التهديدات التي توجه لحياته حتى يصبح مشهورا. الدولة من الناحية الاخرى اخذت التهديدات على محمل الجد ووضعت حارسا مرافقا له. ولكن في السنوات الاخيرة توقف خصومه عن الاهتمام به الى ان جاءت "عاصفة الجائزة" التي اندلعت في الاسبوع الماضي.

الدولة لم تستجب حتى الان لنداءات حرمانه من الجائزة. عندما يخوض النظام كفاحا سياسيا عنيدا ضد التيارات الدينية وخصوصا الاخوان المسلمين – فهي تفضل اطلاق رسالة واضحة لهم ومفادها ان عدوهم الفكري عزيز على قلبها. ولكن هذه اللفتة الثمينة لم تنجح في اخفاء معايير الدولة المزدوجة في تعاملها مع مفكريها. "فلتروا ما تفعله الدولة باصحاب الصفحات الخاصة على الانترنت عندما يعبرون عن ارائهم فقط، ولتروا كيف تلاحقهم اجهزتها بينهما تبدي اللامبالاة تجاه الشيوخ الذين يراقبون مخالفات الدين، اولئك الذين ينشرون العدمية والهوس الديني في اوساط الشبيبة" – كتب نبيل شرف الدين في صحيفة "المصري اليوم".