خبر مشروع مبادرة لإنهاء الانقسام../ هاني المصري

الساعة 08:08 ص|15 يوليو 2009

مشروع مبادرة لإنهاء الانقسام هاني المصري

شهد الأسبوع الماضي قيام وفد مصري بزيارة إلى دمشق ورام الله التقى فيها الرئيس أبو مازن وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وممثلي كافة الأحزاب والفصائل والشخصيات الوطنية المستقلة.

 

إن مصر تحاول من خلال الاتصال بالجميع وعلى أعلى المستويات تذليل الخلافات التي لا تزال متبقية وتحول دون الاتفاق، وذلك قبل حلول موعد الجولة القادمة من الحوار، والمفترض أن يكون في الخامس والعشرين من الشهر الجاري لكي يتم توقيع الاتفاق في الثامن والعشرين منه، ومن المحتمل أن يتم تأجيله الى ما بعد عقد مؤتمر فتح المقرر عقده في الرابع من آب، لان قادة وكوادر حركة فتح سيكونون منشغلين بالتحضير لهذا المؤتمر المصيري، مع ان من الافضل لـ "فتح" ان يتم توقيع الاتفاق قبل المؤتمر لان هذا يضاعف من فرص عقده ونجاحه.

 

إن الوفد المصري يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، وحمل رسالة واضحة للجميع بأن مصر مصممة على الاتفاق، واذا لم يكن ممكناً طواعية، ستقوم في نهاية الامر بفرضه. ومصر مصممة كذلك على توقيع اتفاق قابل للتطبيق. فتوقيع اتفاق لا ينفذ او ينهار بعد فترة قصيرة، كما حدث بعد توقيع اتفاق مكة، لا ينهي الانقسام وانما يعمقه ويحوله من انقسام مؤقت الى انفصال دائم.

 

كعب اخيل التحرك الحالي الرامي لانهاء الانقسام، أنه انتقل بسرعه من البحث في تشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية الى التركيز على تشكيل لجنة فصائلية مشتركة، على خلفية الخلاف على البرنامج السياسي. فالرئيس و"فتح" يصران على ضرورة ان تلتزم الحكومة بالتزامات المنظمة حتى تكون قادرة على فك الحصار عن غزة وعدم فرضه على الضفة. وحماس تصر على كلمة احترام الاتفاقيات وترفض كلمة التزام، ما حال دون الاتفاق، مع ان هناك إمكانية لبلورة صيغة للبرنامج السياسي للحكومة بصورة تكون فيها الحكومه قادرة على الإقلاع من خلال تجسيدها الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية، وبشرط ان يكون برنامجها يستند الى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى ان تسعى بعد ذلك بدعم من الكل الوطني ومن العرب، لإنهاء الحصار، عن غزة وعدم فرضه على الضفة والحكومة.

 

إن مضمون ومفهوم ودور اللجنة الفصائلية، غير واضح حتى الان، وبالتالي من السهل ان تكون لجنة لادارة الصراع الداخلي وليس إنهاءه، أي لجنة تكرس الانقسام وتعطيه الشرعية من الجميع، وهذا الأمر يفتح أبواب جهنم ولا يقود الى إجراء الانتخابات.

 

ومهما حاولنا أن نقلل من الأضرار الناجمة عن تشكيل لجنة فصائلية بدلا من حكومة وفاق وطني، فإن ذلك لا يلغي حقيقة انها تكرس الانقسام، وتتعايش معه وتمنحه الشرعية. فلا يكفي السعي لتقليل أضرار تشكيل مثل هذه اللجنة من خلال الاتفاق على أن تكون لجنة مؤقتة ومهماتها محددة وأنها للتنسيق بين المؤسسات، بدلا من استخدام صيغة أنها للتنسيق بين الحكومتين أو بين الوزارات، أو انها لجنه في الضفة الغربية وغزة وليست بين الضفة وغزة، أو أن الرئيس مرجعيتها، وليس الحكومة، فإننا لا نستطيع من خلال استخدام كلمات تغيير الحقيقة الماثلة بأنها لجنة ستعمل وسط استمرار حكومتين، واحدة بالضفة والثانية في القطاع.

 

إننا لا نقدم حلاً من خلال تجاهل الواقع وتجنب مواجهة المشكلة، وإنما نتعايش مع الانقسام مع إننا بحاجة ماسة الى إنهائه. فما دام تشكيل اللجنة الفصائلية يتم في ظل وجود حكومتين.

 

إضافة الى كل ما تقدم فإن هناك شكوكاً كبيرة تصل الى حد اليقين بأن تكون اللجنة الفصائلية قادرة على إنهاء الحصار وتحقيق التهدئة المتبادلة وإعادة إعمار قطاع غزة، والتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها الدستوري.

 

إن تشكيل لجنة فصائلية يعني عملياً، ومهما كانت الكلمات، أننا قررنا إدارة الصراع الداخلي والتعايش معه، أي استمرار الانقسام، وفي ظل استمرار الانقسام من الصعب ان لم اقل من المستحيل أن يتم التحضير لإجراء الانتخابات، كما من المشكوك فيه ان تشتري الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ومن ورائها المجتمع الدولي البضاعة الفلسطينية المعروضة عليهم من خلال اللجنة، بل يمكن ان يقولوا ان تشكيل اللجنة محاولة التفافية وخداع من الفلسطينيين، وبالتالي نشكل اللجنة ولا يحدث مع ذلك أي تقدم على صعيد رفع الحصار والتهدئة وإعادة الاعمار.

 

قد يقول قائل إن هذا ظلم دولي. نعم هو كذلك، ولكن السياسة هي "فن أفضل الممكنات"، وليست فن إسقاط الرغبات والتمنيات على الواقع. فلا مفر من التعامل مع الواقع، كما هو، وليس كما نتمنى، ويمكن ويجب أن نعمل من اجل تغييره. فالتعامل مع الواقع قد يكون لتكريسه أو لتغييره، ولكن لا مفر من التعامل مع الواقع في كل الأحوال.

ولا يمكن القفز عن الصعوبة البالغة التي تحول دون التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني، ولا تجاوز الآثار السلبية الكبيرة لتشكيل لجنة فصائلية من خلال الدعوة لإجراء الانتخابات. فالانتخابات إذا لم تكن ناجمة عن توافق وطني على مرجعية واحدة وقواعد لعبة متفق عليها، ستكون أداة لتكريس الانقسام سواء إذا جرت الانتخابات أو لم تجر.

 

إن الانتخابات بدون وفاق وطني لن تجري وإذا جرت فستجري في الضفة الغربية فقط، أو في قطاع غزة فقط أو سنشهد انتخابات منفصلة في كل منطقة على حدة.

تأسيساً على ما سبق لا بديل عن الوفاق الوطني، على كافة الملفات أو على أجراء الانتخابات فقط، وخاصة أن الأساس السياسي للاتفاق الوطني أصبح متوفرا بصورة اكبر، بعد الخطاب السياسي الذي ألقاه خالد مشعل مؤخرا، والذي التقى فيه جوهريا، وبصورة لم تحدث من قبل، مع برنامج منظمة التحرير الفلسطينية.

 

إن الوفاق الوطني المطلوب والممكن يقوم على الأسس والنقاط التالية:

 

أولاً: إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، على أساس أن الوحدة هي الطريق الوحيد لإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني الذي يعتبر الضحية الاولى والغائب الأكبر في ظل الانقسام.

 

ثانياً: الانطلاق من كل عناصر الاتفاق التي تم التوصل إليها في الحوار الوطني الشامل في شهر آذار الماضي، وفي الاتفاق الذي حدث حول (م.ت.ف) بين حركتي فتح وحماس، ومواصلة الحوار الوطني الشامل من النقطة التي وصل إليها من اجل التوصل الى الاتفاق على القضايا الرئيسية الثلاث المتبقية وهي:

 

أ. حكومة الوفاق الوطني، وقد اشرنا الى ضرورة تحرك كل الفرقاء لصالح القواسم المشتركة، وبما يغلب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الخاصه، وبما يسهل الاتفاق على البرنامج السياسي للحكومة، وهناك صيغة تقع في المسافة بين الموقفين ما بين الالتزام والاحترام تقوم في جوهرها على تشكيل حكومة تنسجم مع الشرعية الدولية.

 

ب. الأجهزة الأمنية، العمل من اجل التوصل لاتفاق يقضي بإصلاح وتوحيد وتفعيل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أسس مهنية ووطنية وبما يحقق المصلحة الوطنية الفلسطينية وبحيث تكون بعيدة كليا عن الحزبية وخاضعة كليا لسيادة القانون.

 

ج. الاتفاق على قانون الانتخابات، وذلك على أساس التمثيل النسبي الكامل، أو على ما يتم التوافق الوطني عليه، لان هذه النقطة على أهميتها البالغة، لا يمكن أن تمنع التوصل الى اتفاق. فإنهاء الانقسام أهم وأولى من قانون الانتخابات وكيف يكون.

 

ثالثاً: إن أي اتفاق يجب أن يتضمن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإجراء انتخابات المجلس الوطني في موعد اقصاه 25/01/2010 ولكن هذا الأمر حتى يتحول الى هدف ممكن التحقيق يجب توفير كل الضمانات لكي تكون انتخابات حرة ونزيهة، واهم الضمانات المطلوبة هي:

 

- ضمان حرية مشاركة الجميع في الانتخابات بدون وضع شروط على المرشحين أفرادا أو قوائم، مثل ان يوافقوا على الاتفاقيات التي أبرمتها (م.ت.ف) مع إسرائيل أو على شروط اللجنة الرباعية الدولية. فالديمقراطية تحترم حرية كل الآراء شرط احترام حق الأغلبية بأن تحكم وحق الأقلية أن تعارض.

 

- التعهد باحترام نتائج الانتخابات مهما تكن، وتطبيق مبدأ تداول السلطة مع التأكيد على ضرورة التوافق الوطني في كل الأحوال لان فلسطين تحت الاحتلال وهناك الكثير مما يوحد الفلسطينيين رغم كل خلافاتهم.

 

- التعهد بتوفير شبكة أمان ملزمة ومقرة بقانون وظيفتها حماية النواب ودورهم وحق كتلهم في الاحتفاظ بمقاعدهم في حال تم اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال.

 

- توفير إشراف ورعاية عربية ودولية للانتخابات حتى لا تتعرض للتزوير.

 

- الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وتبييض السجون في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل ثلاثة اشهر على الأقل من موعد إجراء الانتخابات، وعدم اعتقال احد على خلفية انتمائه السياسي والحزبي، وعند توجيه اتهامات لاي كان يجب ان يكون بشكل قانوني، ولكل من يرتكب جرائم ضد القانون، مع ضمان تمكينه من المثول أمام المحاكم المدنية، فكل متهم بريء حتى تثبت إدانته.

 

- تحييد الأجهزة الأمنية وسحبها للتمركز في ثكناتها لحين إجراء الانتخابات.

 

- وقف حملات الاعلام التحريضية وكل اشكال التخوين والتكفير والاقصاء التي تسمم الاجواء ولا تجعل اجراء الانتخابات امراً ممكناً بل مخاطرة كبرى.