خبر بين استقالتي وزيري الثقافة والقدس في زمن « القدس عاصمة الثقافة العربية » .. أيوب عثمان

الساعة 07:53 ص|15 يوليو 2009

بقلم: أيوب عثمان*

باستقالته من منصب وزير شؤون القدس في حكومة سلام فياض برام الله، والتي قدمها بعد أربعين يوماً من استيزاره فيها، فجر حاتم عبد القادر وضعاً تنهمر من خلاله أسئلة كثيرة تشير إلى مخاطر جمة وخطيرة، كما تنهال منه على رأس السلطة وحكومتها انتقادات متزايدة واتهامات مباشرة وصريحة حول مدينة القدس وفي شأن التعامل الرسمي مع ملفها الذي خصصت له السلطة والحكومة في رام الله حقيبة وزارية يضطلع بها وزير يحمل وزرها ويدافع عنها ويحمي عروبتها وإسلاميتها.

باستقالة وزير شؤون مدينة القدس التي أرادوا اعتبارها عاصمةً للثقافة العربية للعام 2009، بعد انقضاء أكثر من عام على استقالة وزير الثقافة التي تزامنت مع تدشين اللجنة التحضيرية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، يعيد حاتم عبد القادر إلى الذهنية الوطنية الفلسطينية، التي باتت  طافحة بالنكد والأوجاع والمخاطر، تلك الاستقالة التي كان وزير الثقافة الدكتور/ إبراهيم أبراش قد تقدم بها، والتي كانت أسبابها – مع الفارق بين الوزيرين والوزارتين واختصاصاتهما – هي الأسباب ذاتها التي دفعت وزير  القدس، حاتم عبد القادر، إلى تقديم استقالته. فعلى الرغم من أن المسافة الزمنية الفاصلة بين الاستقالتين تزيد عن العام، إلا أن أسباب استقالة وزير القدس لا تختلف – إلا في الموضوع من حيث اسمه لا مضمونه – عن أسباب استقالة وزير الثقافة، الأمر الذي يعني، بكل الوضوح والمباشرة، أن أصحاب القرار، في السلطة وفي الحكومة، لا يريدون أن يفهموا أو يتفكروا في معنى الاستقالة وما يمكن أن يكون لها من استحقاقات وتبعات وطنية ينبغي لهم أن يضطلعوا  بها.

ما أشبه الليلة بالبارحة! في استقالته من منصب وزير القدس، هذه الأيام، صرح حاتم عبد القادر، قائلاً: "لم نأخذ موافقة على مقر للوزارة، ولا توجد موازنات، وهناك تعطيل لكل المعاملات، لا يوجد شيء. أنا أرى بأنه لا توجد إدارة حقيقية للعمل في القدس من خلال الحكومة ولن أكون شاهد زور". أما أبراش، فقد قال في كتاب استقالته من منصب وزير الثقافة، قبل أكثر من عام: " بعد ثمانية أشهر  كاملة من وجودي على رأس الوزارة، وأنا الذي كنت أراهن على أن أصلح بالثقافة ما أفسدته السياسة، وجدت أنه لا توجد موازنات لاستنهاض الحالة الثقافية وتعزيز الثقافة الوطنية التي هي اليوم مهددة بالتلاشي أو التشويه... الثقافة الوطنية ليست على سلم اهتمامات السلطة والحكومة. وكأنه أمر مقصود نحو تحويل الشعب لمجرد جموع بشرية أقصى ما لديها من طموح هو المأكل والمشرب ومتطلبات الحياة اليومية دون ناظم يحفظ لها هويتها وانتماءها وهو الثقافة الوطنية".

وإن كان لدى وزير القدس المستقيل احتجاجاً، حاتم عبد القادر، أمل – وقت استيزاره – في "خلق واقع جديد من خلال وضع استراتيجية جديدة للعمل تُغير من الاستراتيجية السابقة للسلطة الوطنية التي تعاملت مع القدس وكأنه لا احتلال فيها في حين أن هذا الاحتلال يرسخ أقدامه فيها ويغير كل يوم من طابعها"، فإن وزير الثقافة المستقيل احتجاجاً هو الآخر، الدكتور/ إبراهيم أبراش، كان لديه "نوع من المراهنة أو الأمل في أنها مرحلة انتقالية لن تدوم أكثر من شهر أو اثنين لتعود الأمور مجدداً لحكومة وحدة وطنية"... فهو ينوي "توظيف وجوده وزيراً في رام الله للتقريب بين الحالتين المتصارعتين في غزة ورام الله إلى حوار ينتهي بمصالحة وطنية"، وهو ما كان قد قاله للبعض... وأنه انطلق من "نيته الصادقة في خدمة المشروع الوطني واستنهاض الحالة الثقافية الفلسطينية، إيماناً منه بأن ما جرى  لمشروعنا الوطني هو اختراق لثقافتنا الوطنية التي لم تكن محصنة".

وفيما كانت نية عبد القادر، وزير القدس، أن يرتب أمور وزارته للعمل على ثلاثة محاور وهي: دعم صمود المواطنين المقدسيين، ومحاصرة إجراءات الاحتلال في القدس، وتشديد قبضة السلطة الوطنية على المدينة المقدسة، فقد كانت نية أبراش، وزير الثقافة، هي: خدمة المشروع الوطني، واستنهاض الحالة الثقافية الفلسطينية، إيماناً منه بأن ما جرى لمشروعنا الوطني هو اختراق لثقافتنا الوطنية التي وصفها بأنها "لم تكن محصنة".

 

وإذا كان وزير القدس المستقيل احتجاجاً، حاتم عبد القادر، قد وصل – من خلال التجربة الميدانية المباشرة – إلى القناعة بـ:

1)         أن وزارة المالية في حكومة فياض لم تتحمل مسؤولياتها، ولم تفِ بالتزاماتها، تجاه مدينة القدس، ذلك أنه لم تتم الاستجابة للعديد من البرامج التي قام بتقديمها للدفاع عن القدس، كما قال.

2)         وأنه لا يستطيع أن يكون شاهد زور على تهويد المدينة.

3)         وأنه بعد أن وصل إلى "طريق مسدود"، أراد أن يبرئ ذمته فقال: "أنا بدي أطلع البلد من ذمتي... هذه مرحلة حساسة لن أكون فيها شاهد زور على تهويد القدس"

4)         وأنه لن يتحمل مسؤولية هدم المنازل لأن وزارة مالية فياض ترفض تقديم الدعم لصمود المواطنين المقدسيين، وصمود المؤسسات المقدسية، ولتغطية مصاريف الجوانب القانونية الخاصة فيما يتصل بمسألة هدم المنازل المقدسية.

5)         وأن القدس هي مسؤولية الرئيس الذي يجب عليه أن يرفض الوضع القائم.

 

فإن وزير الثقافة المستقيل احتجاجاً هو الآخر، الدكتور/ إبراهيم أبراش كان قد وصل – من خلال التجربة الميدانية المباشرة والممتدة إلى قرابة ثمانية أشهر – إلى القناعة بأن الأمور جرت على عكس ما كان يتمنى، ومن أسباب ذلك وشواهده:

1)         أن حكومة فياض تعمل "دون استراتيجية عمل وطني".

2)         أن السلطة والحكومة لا تضعان الثقافة الوطنية على سلم أولوياتهما.

3)         أن السلطة والحكومة ليس لديهما خطة لمواجهة استمرار الاحتلال في الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية ومواجهة السعار الاستيطاني في الضفة الغربية وفي مدينة القدس على وجه الخصوص.

4)         أن السلطة تزداد ابتعاداً عن آفاق التسوية المشرفة، لاسيما وإنها مستمرة فيما "أسماه مفاوضاتها العبثية مع الاحتلال".

 

وبعد، فإذا كان للبعض أن يُغمض العين عن الاستقالة التي قدمها وزير الثقافة الدكتور/ إبراهيم أبراش قبل أكثر من عام، والتي لم تحرك السلطة أو الحكومة في شأنها ساكناً، فإن الاستقالة المسببة التي قدمها مؤخراً وزير القدس، حاتم عبد القادر لا ينبغي التجاوز عنها، كما لا ينبغي السكوت عن أسبابها في أي حال، لاسيما إذا كانت أسباب الاستقالتين هي أسباب احتجاجية على نهج السلطة والحكومة معاً، حيث وُصف ذلك النهج بأنه نهج لا يستند إلى استراتيجية عمل وطني إحدى علاماته الرئيسية في  رأي الوزيرين المستقيلين أنَّ كلاهما يتهم السلطة والحكومة بعدم وضع مدينة القدس أو الثقافة الوطنية الفلسطينية على سلم أولوياتهما!!!

أما آخر الكلام، فكيف يمكن للسلطة أو الحكومة في رام الله أن تتنصل من مسؤوليتها (الوطنية!) تجاه استقالتين مسببتين تقدم بهما – احتجاجاً – وزير الثقافة قبل أكثر من عام، ثم وزير القدس مؤخراً، دون أدنى اهتمام أو انتباه إلى أن هاتين الاستقالتين الاحتجاجيتين من منصب وزير الثقافة ومنصب وزير القدس تسقطان على رأس السلطة والحكومة معاً في زمن "القدس عاصمة الثقافة العربية"!!!.

كاتب وأكاديمي فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة*