خبر النوم بالبيجاما ..رشاد أبوشاور

الساعة 05:54 ص|15 يوليو 2009

 

الحمد لله: أنا أنام بالبيجاما!

هذا ما زفّه لي زميلي أيّام مطلع الشباب الفلسطيني، عندما التقيته في فندق (هيلتون) فيّنا، بمناسبة المؤتمر الأوّل للجمعيّات والجاليات الفلسطينيّة في أوربا.

عرفته قبل خمسين سنة في بلدة (جوبي) في الغوطة الشرقيّة، وهي تابعة لدمشق العاصمة، وجارة لزملكا وحرستا، ولحّي القصّاع العريق.

كنّا آنذاك في المرحلة الإعداديّة، نرى بعضنا فنتبادل التحايا، ويمضي كل منّا في حال سبيله.

بعد سنوات التقينا في بيروت، فتبادلنا الأسئلة عن الحال والأحوال، وعن ابن عمّه الذي هو صديق فتوّة، وعشق مبكّر للأدب والكتابة، والذي أخذته الحياة وشؤونها، والأسرة وهمومها، فأقلع عن خيار الكتابة ولحق برغيف خبز الأسرة.

لم أسأله مع أي فصيل هو، ولا هو سألني، ولكنني قدّرت أنه في فتح، على اعتبار أن أغلبية الفلسطينيين المنتظمين ينضوون تحت شعار: غلاّبة يا فتح يا ثورتنا غلاّبة.

سنوات والتقينا في تونس. عرفت أنه يعمل في الترجمة في إطار وكالة (وفا)، وفي مرافقة بعض الوفود التي تزور الثورة الفلسطينيّة، التي باتت تقيم في تونس بعد ترحيلها من بيروت عام 82.

ونحن نغادر تونس، كان كل واحد منّا يختار طريقه، فمنّا من اختار العودة ( للوطن)، ورفض مجرّد التساؤل عن هذه العودة، ومنّا من اختار العودة إلى سوريّة، أو الأردن، أي إلى حيث يتاح له أن يعود، لعدم قناعته بهكذا عودة لا تطمئن، بل ويرى أن الأمر ذهاب (بالرجلين) إلى كمين قاتل.

ثمّ، فجأة يظهر أمامي في قاعة فندق هيلتون فيّنا، وهنا كان لا بدّ أن أسأله عن سّر تواجده في النمسا.

أخبرني أنه كان ينتمي لحزب التحرير الإسلامي، وأنه ترك الحزب قبل سنوات، وحين حاول العودة إلى البلد الذي يحمل وثيقته الفلسطينيّة رُفض طلبه، ولأن العائدين إلى وطن السلطة لم يصطحبوه معهم فقد ضاع لسنوات، إلى أن حطّ الرحال في النمسا، حيث حصل على الإقامة، وتمّ منحه وأسرته 1200 يورو، غير مصروفات الأبناء التي تساعدهم على نفقات دراستهم الجامعية.

الآن عرفت لماذا كان يميل الزميل العتيق للصمت، وقلّة الأخذ والعطاء في الكلام ، فهو كان في المقاومة اضطرارا، ولم يكن معها في أطروحاتها السياسيّة، ووضعه كان أشبه بلاجئ سياسي ليس إلاّ، ولذا لم يحرص أحد على عودته مع المنتصرين العائدين، واصطحابه إلى الوطن!

لم أسأله عن كيفيّة حصوله على الإقامة، ومن ثمّ على تهنئة رئيس بلدية فيّنا له كونه صار موطنا فيناويّا، ولكنني سألته: ألا ترى أن هؤلاء القوم ليسوا مسلمين، ولا عربا، ومع ذلك فهم يعتنون بك وبأسرتك؟!

تنهد الزميل القديم، وعلّق:

ـ هل تعرف إلى أي حّد أنا أنام حاليّا بطمأنينة ؟ أنا أنام بالبيجاما لأول مرّة منذ سنوات طويلة، لأنني كنت أتوقّع أن يُداهم البيت في أي وقت من الليل لانتزاعي من نومي، ومن بين أبنائي الذين كبروا في الخوف والتشرّد!

ذكّرني هذا بما جرى لصديقي الشاعر الكبير خالد أبوخالد، عندما اختطف من بيته في حّي ركن الدين في دمشق، ليزّج به في مغارة، في سجن (الهامة) الفتحاوي عام 71، بتهمة كلام يدعو لثورة في الثورة باح به للكاتب العالمي جان جينيه، والذي أعلن أمام (أبو عمّار) عن سعادته بوجود هكذا مثقفين ثوريين يدعون لثورة في الثورة ، فما كان من أبي عمّار إلاّ أن كافأ خالدا بزجّه في مغارة، وتهديده بالحكم بالإعدام رميا بالرصاص لأنه يدعو للتمرّد على الحركة!

حّق النوم بالبيجاما!

أرى أنه يمكن أن يُرفع كشعار عربي في كُل بلاد العرب مشرقا ومغربا:

من حقنا أن ننام بالبيجامات

يولد الناس عراة، ولكنهم ينامون بالبيجامات عندما يكبرون في أوطانهم الحرّة ...

البيجامات أولاً...

بل وأدعو إلى حزب عربي له فروع في كل الأقطار العربيّة، مهما اختلفت هويات الأنظمة، وهو حزب البيجامات العربي!

وشعاره : البيجاما تجمعنا، وتقرّب بيننا!

من لا بيجاما له لا وطن له

نموت نموت ولا نتنازل عن البيجامات

طبعا الخشية كبيرة من الانقسامات التي ستزرعها نظم الحكم وأجهزتها في صفوف الحزب العربي البيجامي، من لون البيجامات إلى حجمها، إلى قماشها، وهل يحق شرعا أن تلبس النساء بيجامات؟ وهل لبس الزوجة لبيجامة زوجها حلال أم حرام؟! وهل بيجامة الزوجة ببنطلون أم يفترض أن تكون ثوب نوم شرعيا!

طبعا هذه الاجتهادات يمكن أن تناقش في جلسات علنية وسريّة بين المؤسسين، واقترح أن لا يكون للحزب رئيس، ولا أمين عام، لأنني أخشى أن يحتكرا المناصب، ويورثوها لزوجاتهم، وأبنائهم، وأصهارهم، ومن يندسسن في أفرشتهم بلا بيجامات!

تكفي لجنة مركزيّة واحدة، بصلاحيات محدودة، وأن تضّم خياطين، وصانعي أقمشة ـ لا مستوردين فحزبنا قومي يشجع الصناعات الوطنية ـ ومحامين موثوق بهم مهمتهم الدفاع عن لابسي البيجامات الذين يرفضون انتزاعهم من نومهم في الفجر من قبل أجهزة كارهة للنوم العميق بالبيجامات، تعمل بدأب على أن يكون المواطن قلقا، خائفا، مستنفرا، ينّط من فراشه حتى لو كان في وضع حميم مع حرمه، أو زوجه ـ وهي صحيحة للمؤنّث ـ حتى لو لعبت الريح في نافذة من نوافذ البيت، أو بالباب، فالبيوت تؤتى من أي ثقب فيها في بلاد العرب السعيدة، وصفة السعيدة هذه لم تعد وقفا على اليمن السعيد جدّا.

أتوقع أنه مع الوقت يمكن أن يتحوّل المواطن العربي إلى مواطن تيوبلس، منّو فيه، يعني يتوارث جينيّا ألوان البيجامات، وما هيى إلاّ سنوات حتى نصير كلنا في بلاد العرب مخططين، يعني تماما كالحمير الوحشيّة، التي هي وحشية كونها تعيش في الغاب، وليس لأنها متوحشة، فكل وحوش الغابة تأكلها، بما في ذلك بنات آوى ..أليس هذا حالنا كعرب؟

لقد حمّرتنا الأنظمة من كثرة ما حمّرت عيونها علينا، وجعلت حياتنا حمراء، باستثناء البطيخ الذي صار أبيض (أقرع) في بلاد العرب، فهو مثلنا بطيخ بلا لون، ولا طعم، وحلاوته من حلاوة العيش في بلدان (هم) والتي نحن غرباء فيها، لا نجرؤ على النوم بالبيجامات إلاّ بعد الحصول على اللجوء إلى بلدان (الكفرة) الذين تحكم بلدانهم العلمانية!...

زميلي القديم انتظر الخلافة، وعاش ستين عاما بكامل ملابسه، ينام فيها ويسرح إلى وظيفته، ثمّ لم يجد عدالة على الأرض سوى في بلد لم يكن يخطر على باله أن يحمل جنسيته هو وأفراد أسرته.

انتمى صاحبنا إلى حزب التحرير الذي لا يميل للعنف، والذي يميل للجدل بالتي هي أحسن، ولكنه هرب بالتي هي أسوأ...

زميلي هذا نصحني: تعال، هات أسرتك وتعال هنا، و..نم بالبيجاما يا رجل.. النوم بالبيجاما نعمة يا رجل!

هنا ساد صمت، وتفطنت إلى أنني ومنذ سنوات لا أنام بالبيجاما، حتى إنني لا أحمل بيجاما معي إلى أي بلد أوربي.

قلت له: يا صاح..لقد أدمنت النوم بملابس رياضيّة لزوم الركض إلى المُستقبل العربي البعيد.. وهو خيار لا نُحسد عليه!