خبر في غزة: متخصصون في التزوير يتجاوزون حدود القطاع ويلعبون ضمن حدود بلاد أخرى

الساعة 05:36 ص|15 يوليو 2009

فلسطين اليوم : كتب/ حسن جبر

عند الساعة الخامسة من مساء أحد الأيام تلقى الشاب (م. أ) البالغ عمره 35 عاماً، من مدينة غزة، مكالمة هاتفية تطلب منه الذهاب إلى مدينة رفح لاجتياز الحدود إلى مصر بعد اكتمال إجراءات "الهرب".حمل الشاب الذي دفع مسبقا 1500 دولار لأشخاص لقاء تهريبه، حقيبة صغيرة من الملابس وجواز سفره الممهور بتوقيع مزيف يفيد أنه دخل مصر بطريقة شرعية.

ودع هذا الشاب أطفاله الأربعة وانضم إلى ثلاثة رجال آخرين كانوا يحملون جوازات سفر مشابهة وانطلقوا في رحلة هجرة مجهولة.

بعد ساعات، كما يؤكد الشاب اجتاز الشبان الأربعة الحدود عبر أحد الأنفاق المقامة بين مدينتي رفح ومصر وتوجهوا إلى مدينة العريش المصرية، حيث تناولوا وجبة من السمك الطازج وباتوا يتحركون بحرية داخل مصر كونهم يحملون جوازات سفر مختومة.

هروب.. إلى ليبيا

بعد أيام كان الشبان الأربعة يقودهم أكاديمي يحمل شهادة عليا يجتازون الحدود الليبية المصرية بمساعدة أفراد عصابة من المهربين تلقوا نصيبهم من المال قبل أن يختفوا في جوف الصحراء.

واصل الشبان طريقهم داخل الأراضي الليبية بمساعدة أدلاء آخرين من المنطقة، عاقدين العزم على التوجه إلى إيطاليا عبر سفن المهربين، ومنها إلى أوروبا، حيث حلم آلاف الشبان الغزيين بالمال والثراء بعيدا عن الهم والقرف اليومي.

كيف يخرجون؟!

قصة الشاب (م. أ) الذي عاد إلى غزة بعد ضغوط عائلية منعته من ركوب السفينة إلى إيطاليا، تشبه حلم آلاف الشبان في غزة الذين يواصلون التفكير في كيفية الخروج من المستقبل المجهول الذي يعيشون.

شواهد ومصادر كثيرة تؤكد أن الكثيرين نجحوا بالفعل بواسطة إحدى الحيل في ترك غزة والعيش في أي مكان في العالم، وهذا الأمر لم يعد سراً على أحد.

إذن كيف يخرجون؟ وماذا يستخدمون من طرق لكسر قبضة الحصار المشدد على غزة؟ ومن الذي يخرجهم من غزة؟ وكم من المال يدفعون؟ هذه الأسئلة أثارت ابتسامة خفيفة على وجه الشاب (ي) من مدينة غزة الذي يرفض الاعتراف بأنه ممن يقدمون خدمات سفر مشابهة، ويصر على أنه من العارفين ببواطن الأمور بفعل سعيه الدائم للخروج من غزة.

وبعد أن أراح جسده على المقعد وسرح بخياله بعيداً، قال: هناك انتشار كبير للتأشيرات المزيفة "المضروبة"، ومئات الشبان يحملون أشياء مشابهة وينتظرون الخروج من غزة.

وتابع: بعضهم نجح بالفعل وسافر إلى أوروبا أو إلى دول عربية أخرى، وبدأوا حياة جديدة.

ويؤكد هذا الشاب أن استصدار "فيزا" أو تأشيرة "مضروبة" سهل للغاية في قطاع غزة، حيث يقوم أشخاص محترفون بنسخ التأشيرة المطلوبة من أخرى صحيحة مستخدمين الناسخ الضوئي "سكانر"، ليتم بعدها وضع الاسم والمعلومات للشخص طالب الهجرة.

ويقول: تكون النسخة المقلدة مطابقة تماماً للنسخة الأصلية، الأمر الذي يصعب اكتشافه إلا بواسطة فحص خاص وليس فحصاً يدوياً كما يجري في أغلب الحالات.

وأردف: أعرف صديقا قام بنفس العمل والآن يعيش في أوروبا وراسلني عارضاً أن أكرر نفس العمل للخروج من غزة.

غالباً.. الهدف أوروبا

الهروب من غزة غالبا ما يتم بواسطة دول أخرى تكون بمثابة مرور مؤقت لدولة أخرى تكون في معظم الأحيان أوروبية.

ووفقا للشهادات فإن الشبان يختارون السفر إلى ماليزيا التي لا تطلب تأشيرات خاصة لدخولها من المواطنين الفلسطينيين، ويعيش الشبان هناك قبل أن يسافروا إلى كوبا ومن هناك إلى السويد أو النرويج.

عالم التأشيرات

تتنوع التأشيرات وأسعارها تبعا للبلد المنوي الهجرة إليه، وأحياناً يصل سعرها إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف دولار أميركي يدفعها طالب التأشيرة قبل أن يتسلم التأشيرة التي لا تكون مضمونة بأي حال من الأحوال.

وفي حال لم يتمكن طالب التأشيرة "المضروبة" من السفر لأي سبب من الأسباب فإنه لا يستطيع المطالبة بأمواله التي دفعها، الأمر الذي يجعل من القضية بمثابة مضاربة مكشوفة.

عالم التأشيرات المضروبة غامض لغالبية الجهات والمواطنين، وما يرشح عنه لا يقارن بما يحيطه من سرية تامة وكبيرة.

وحسب المعلومات فإن غالبية طالبي التأشيرات "المضروبة" من الشبان الذين ربما أنهوا دراستهم الجامعية أو فقدوا أعمالهم بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة. وخلافا لما هو شائع، فهم لا ينتمون إلى تنظيم سياسي محدد.

وازداد اللجوء إلى التأشيرات "المضروبة" خلال السنوات الأخيرة بشكل متزامن مع تشديد الحصار على القطاع.

ولا تسمح مصر للأشخاص الذين يحملون تأشيرات "مضروبة" بالعبور عبر أراضيها إلى بلاد أخرى، ما يضيف عقبات أخرى أمام حاملي هذه التأشيرات.

لا إحصاءات معروفة.. ومعتقلون يعترفون

لا تملك أية جهة إحصاءات رسمية عن عدد أولئك الذين حصلوا على تأشيرات "مضروبة"، بسبب سرية العمل واحتمال تعرض مرتكبيه للملاحقة من السلطات القضائية.

وبالفعل، استطاعت الشرطة في غزة ضبط عدد محدود ممن يتعاملون بهذه القضايا.

وأكد إسلام شهوان، المتحدث باسم شرطة حكومة غزة، أن الأخيرة اعتقلت بعد الحرب بشهر مجموعة تقوم بتزوير التأشيرات الخاصة بالهجرة إلى جانب تزوير العملات النقدية.

وقال: اعتقلنا بعد الحرب مجموعة من المواطنين من قطاع غزة يقومون بتزوير التأشيرات والعملات، وضبطت الشرطة بحوزتهم أختاما مختلفة لعدة دول وأجهزة تزوير متطورة للوثائق الرسمية.

وعثرت الشرطة بحوزة المتهمين، كما يؤكد شهوان، على أختام وتأشيرات خاصة بالصين ودول أخرى معظمها أوروبية، لافتاً إلى أن الغرض منها كما اعترف المتهمون كان تسهيل الهجرة إلى بلاد أجنبية.

ووفقاً لاعترافات المتهمين، فإنهم كانوا يتقاضون نحو 300 دولار أميركي عن كل وثيقة مزورة كانوا يقومون بها.

وأشار شهوان إلى أن عدداً من المتورطين في القضية أصلاً كانوا مطلوبين للعدالة بتهم أمنية وجرى تحويلهم إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.

وكانت الشرطة اعتقلت كذلك مجموعة من مزوري التأشيرات والتحويلات الطبية للمرضى.

وضمت الشبكة التي جرى اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها في ذلك الوقت نحو خمسة أطباء وعددا من المعاونين.

تزييف عابر للدول

عالم التزييف لم يقتصر على غزة، فقد تجاوز المزيفون حدود قطاع غزة وباتوا يلعبون ضمن حدود بلاد أخرى، إذ اشتكى أبناء الجاليات الفلسطينية في أوروبا سابقا من إقبال متزايد على تزوير بطاقات الهوية الفلسطينية الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال أدهم حرارة، أحد مسؤولي الجالية الفلسطينية في ألمانيا، في تصريحات سابقة :"إن هناك عددا كبيرا من المجرمين والهاربين من بلدان عربية مختلفة أصبحوا يحملون بطاقات هوية فلسطينية من غزة تمهيداً للحصول على حق اللجوء السياسي في بلدان عربية مختلفة!

تزوير بطاقات هوية شهداء ومعاقين

وأكد حرارة في اتصال هاتفي أن عمليات التزوير تتركز بشكل كبير على بطاقات الهوية الخاصة بالشهداء أو المعاقين، خاصة من قطاع غزة، مشيرا إلى أن الحصول على هذه البطاقة يتم أحيانا بطريقة الخداع مثل إعطاء وعود لأهالي غزة بتوقيع عقد عمل في دول عربية، أو عبر مزورين محترفين.

وقال إنه يتم استخدام الناسخ "سكانر" في الحصول على صورة طبق الأصل من بطاقة الهوية ما يسهل إجراءات الحصول على الجنسية، لافتا إلى أنهم باتوا كل يوم يسمعون ويقرأون في الصحف والمجلات عن لصوص ومجرمين يتم ضبطهم وكأنهم فلسطينيون، وهم في حقيقة الأمر غير ذلك.

وقدر حرارة أن ما يزيد على 20 ألف شخص يحملون بطاقات هوية فلسطينية مزورة وهم من بلدان عربية مختلفة، مشيراً إلى احتمال أن يتفاجأ عدد من المواطنين بأن أسماءهم موجودة في بلدان أوروبية لأشخاص آخرين.

وقال: يمكن أن يجد الإنسان نفسه مطلوبا بجريمة في بلد معين وهو لم يدخله من قبل، كاشفا النقاب عن تقديم الجالية الفلسطينية في هامبورغ بألمانيا طلباً إلى المحكمة العليا هناك تطالب فيها السلطات بالتحقيق في حالات التزوير.

وأضاف: نريد أن نعرف من يقوم بعمليات التزوير ومن يقف خلفها لأنها تسيء إلى الشعب الفلسطيني وقضيته.