قائمة الموقع

قلمٌ لم ينكسر.. أحمد منصور شهيد الكلمة تحت النار

2025-04-11T13:54:00+03:00
استشهاد الصحفي أحمد منصور.jpeg
فلسطين اليوم

لم يكن الصحفي أحمد منصور (36 عامًا) يعلم أن نيران الطيران الحربي الإسرائيلي ستختار خيمته الصغيرة في “مخيم الصحفيين” الملاصق لمستشفى ناصر في خانيونس لتكون محطته الأخيرة.

الخيمة التي حوّلها هو وزملاؤه إلى غرفة أخبار بدائية لنقل معاناة الغزيين تحت القصف، تحوّلت إلى شعلة نار التهمت جسده، ليرحل شهيدًا، هو الثالث في الهجوم ذاته، لكنه الأبدي في سجل الصحافة الفلسطينية المقاومة.

اللي كاتبه ربنا بصير”.. آخر ما تمسّك به قبل الرحيل.

قبل ساعات من استشهاده، كان أحمد يردّد جملته التي صارت وصيةً لزملائه: “محدّش حيموت من الجوع.. اللي كاتبه ربنا بصير”، بينما يوزّع قطعة خبز نادرة على أطفال المخيم.

زوجته ظلت تردد وهي تودع جثمانه: “كان يخبّئ قوت أطفالنا ليُطعم أطفال الجيران.. كان يعرف أن الجوع هو سلاح الاحتلال الجديد..

لكن جوع أحمد لم يكن جسديًا فقط، بل كان جوعًا للحقيقة.

حصل على دبلوم في الصحافة الإلكترونية من جامعة الأقصى، وعمل محررًا في وكالة فلسطين اليوم، لكنه فضّل أن يكون في الميدان، رغم المخاطر.

في اليوم الأخير، كان يروي أحمد لزملائه: “إذا مات الصحفي وهو يختبئ، من سينقل الصورة؟!”

بعد دقائق، سقطت القذيفة على الخيمة، واحترق جسده بنيران الفوسفور الأبيض، بينما احترق قلبه قبلها بنيران الحصار والظلم.

وفي حديثه لمركز حماية الصحفيين الفلسطينيين (PJPC)، قال شقيقه: “أحمد كان مؤمنًا إيمانًا عميقًا بربه وبواجبه في فضح جرائم الاحتلال، مهما كلّفه الأمر حتى لو كانت حياته هي الثمن. أحمد لم يتقاعس يومًا عن نقل معاناة الناس تحت القصف.”

وأضاف: “في أيامه الأخيرة، كان شديد المرح، وكأنه يودّعنا. كان يضحك رغم أزمة الغذاء الخانقة، ويكرر عبارته الشهيرة: ‘اللي كاتبه ربنا بصير، ومحدّش حيموت من الجوع.'”

ترك أحمد وراءه زوجةً وثلاثة أطفال (ابنتان وصبي)، كان أكبرهم يُلقَّب بـ”الصحفي الصغير” لأنه كان يقلّد أباه في الكتابة على أوراق مبعثرة.

ابنته البكر تسأل الآن: “بابا راح يجيبلي قلم أزرق من السماء؟”، دون أن تدري أن السماء نفسها كانت تقصف خيمتهم.

استشهاد أحمد لم يكن حدثًا منفردًا، بل حلقة في سلسلة تصفية الصحفيين الفلسطينيين: 211 صحفيًا استُشهدوا منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023.

اليوم، وبعد تدمير مكاتب ومقرات الصحفيين، صارت مخيمات الإعلاميين “أهدافًا مشروعة” للطيران الحربي الإسرائيلي، الذي يُلقي القنابل بلا هوادة على القطاع الساحلي المكتظ بـ2.3 مليون إنسان.

ورغم مرور 18 شهرًا على الحرب، لا يزال القانون الدولي يُنتهك يوميًا تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، بينما يُقتل الصحفيون لأنهم يوثّقون الإرهاب الحقيقي.

أحمد منصور لم يمت، بل صار رقمًا جديدًا في ملف جرائم الحرب، وشاهدًا على عنصرية القانون الدولي الذي يحمي بعض الأقلام ويتجاهل أخرى.

اخبار ذات صلة