في ظل اقتراب المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار على انتهاءها تتزايد التكهنات حول إمكانية صمود هذا الاتفاق بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية مع بقاء دفعتين من الأسرى الإسرائيليين ثم تنتهي المرحلة الأولى من الصفقة.
ومع هذا الواقع المعقد الذي يشهده وقف إطلاق النار وعدم التقدم في المفاوضات نحو تحقيق المرحلة الثانية التي كان من المفترض البدء فيها منذ اليوم الـ16 للاتفاق الحالي، يرى العديد من الكتاب والمحللين أن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة خياره الوحيد الصمود لأن الخيار الآخر مكلف جداً لإسرائيل.
الكاتب والمحلل السياسي د. إياد القرا اعتبر "أن التحدي الأكبر أمام نتنياهو هو الانقسامات الداخلية العميقة داخل حكومته في الوقت الحالي".
وأوضح القرا في مقال صحفي تابعته "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أنه يرفض المتطرفون في حكومة نتنياهو بشدة أي تقدم في الاتفاق، معتبرين أن المرحلة الثانية ستكون أسوأ من الأولى، خاصة بعد عام ونصف من الحرب التي لم تحقق أهدافها.
وقال القرا: "لا تزال حماس تحتفظ بقوتها العسكرية، والمساعدات تتدفق إلى القطاع، والأسرى الفلسطينيون يُفرج عنهم، وهي كلها عوامل تزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية التي باتت بين خيارين أحلاهما مر".
الخيار الأنسب
واعتقد المحلل السياسي أن "يكون الخيار الأنسب تمديد المرحلة الأولى وتعزيزها، بحيث تحقق إسرائيل بعض المكاسب دون الدخول في مواجهة جديدة قد تُفشل الاتفاق بالكامل".
وأوضح القرا أن "هذا السيناريو يمنح إسرائيل فرصة لإلقاء الملف في الحجر العربي، عبر دفع بعض الدول العربية إلى التدخل في إعادة الإعمار، وإدخال المساعدات، ومعالجة ملف حكم حماس بطريقة غير عسكرية".
وتوقع أن "تحاول إسرائيل الضغط على حماس اقتصاديًا وسياسيًا، وربط إعادة الإعمار والمساعدات بشروط تهدف إلى تحجيم نفوذ الحركة بشكل تدريجي، بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة.
وأوضح القرا أن هذا الخيار يمنح نتنياهو فرصة للتعامل مع الضغوط الدولية والأمريكية، والاستفادة من موقف ترامب الداعم لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا، مما قد يساعده على الخروج من الأزمة دون أن يظهر بمظهر المنهزم".
مخاطر محتملة
ونوه القرا إلى وجود عدة مخاطر لما سبق حيث وبالرغم من أن إسرائيل قد تجد في تمديد المرحلة الأولى مخرجًا سياسيًا مؤقتًا، إلا أن هذا الخيار يحمل في طياته مخاطر كبيرة، أبرزها:
1. تعزيز قوة المقاومة الفلسطينية عبر وسائل غير عسكرية، حيث قد تستفيد حماس من فترة الهدوء لإعادة ترتيب صفوفها واستئناف عمليات بناء القوة.
2. رفض المتطرفين الإسرائيليين لهذا المسار، إذ يعتبرونه استمرارًا للفشل في تحقيق أي إنجاز استراتيجي ضد المقاومة.
3. فقدان السيطرة على مسار الاتفاق، خاصة إذا وجدت إسرائيل نفسها مضطرة للقبول بوساطات عربية ودولية قد تعزز من بقاء حماس في الحكم، وهو ما يتعارض مع أهداف الحرب المعلنة.
ورأى الكاتب القرا أنه "في حال تعطيل الاتفاق أو انهياره، ستجد إسرائيل نفسها أمام خيار العودة إلى الحرب والمواجهة العسكرية، وهو ما قد يعرضها لمزيد من الفشل والخسائر، ويضعها في موضع المسؤولية عن انهيار الاتفاق".
ولفت إلى أن دخول مواجهة جديدة قد يُكلف "إسرائيل" مزيدًا من الخسائر البشرية والاقتصادية، ويؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية الداخلية، خاصة إذا لم تتمكن من تحقيق أي انتصار واضح.
وقف النار سيصمد
من جانبه رأى الكاتب عريب الرنتاوي، أنه لا يبدو أن سيناريو انهيار اتفاق وقف "إطلاق النار" بات مؤكداً، أو حتى أمراً مرجحاً، ولا سيما أن حماس وفصائل المقاومة، ستظل تحتفظ بعدد كبير نسبياً من الأسرى والمحتجزين لديها، مبيناً أن الإفراج عن هؤلاء، أولوية أولى بالنسبة إلى ترامب الذي تعهد مراراً وتكراراً بإطلاق سراحهم".
وقال الرنتاوي في مقال صحفي تابعته "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "السؤال الذي سيظل عالقاً، كيف يمكن "تحرير" هؤلاء من أسرهم، وما الذي سيقنع حماس بالإفراج عنهم، وما الثمن الذي يتعيّن على حكومة الفاشيين الجدد، أن تدفعه في المقابل؟".
صورة ضبابية
واعتقد الكاتب أن "الصورة غائمة وضبابية إلى حد كبير، موضحاً أن المرحلة الثانية من الاتفاق، أو بالأحرى المرحلتين الثانية والثالثة، لن تشتملا فقط على تبادل الأسرى وإتمام الانسحاب من غزة ووقف الحرب، لكنها من ضمن أشياء أخرى، ستتوقف مطولاً عند سؤال اليوم التالي، من سيحكم القطاع في المرحلة المقبلة، وما مصير حماس، بنيةً عسكرية وسلطوية سواء بسواء".
كما اعتبر الرنتاوي أن "هذا السؤال ازداد ضغطاً وإلحاحاً على عقل نتنياهو وحليفه في البيت الأبيض، سيما بعد الاستعراضات التي أجرتها حماس في مراسم تسليم أسرى العدو وتسلم أسرى الفلسطينيين المحررين من سجون الاحتلال".
واعتقد الكاتب السياسي أن صورة النصر المطلق التي وعد بها نتنياهو، تتمزق يوماً إثر آخر، ومع كل صفقة تبادل، مبيناً أن حماس تؤكد "أنها الطوفان وأنها اليوم التالي" فيما صورة نتنياهو ومكانته، تتآكلان صبيحة كل سبت منذ أن دخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وهذا ما يثير حفيظته، ويدفعه إلى التفكير في تدمير الاتفاق".
وكانت سلمت المقاومة، السبت، في اليوم الـ28 من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، 3 أسرى إسرائيليين، وذلك ضمن عملية التبادل السادسة من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت الأسير الإسرائيلي ساغي ديكل حن المفرج عنه: أطلب من الحكومة فعل كل شيء لاستمرار الصفقة، مقدماً شكره للقسام للمحافظة عليه في الأسر.
كما طالب كافة الأطراف المختلفة بمواصلة مراحل الاتفاق من خلال التفاوض.
من جانبه، المحتجز يائير هورن، طالب بإتمام الصفقة ارجاع كافة المحتجزين، قائلاً: "الوقت للعائلات ينفذ ويجب الاستمرار وانهاء الصفقة وإعادة كافة المحتجزين.
فيما قال الأسير الإسرائيلي المفرج عنه ساشا ألكسندر تروبنوف: "يجب ألا ننسى بقية المختطفين".
وفي 19 يناير، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، ويتم خلال الأولى التفاوض لبدء الثانية والثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
جدير ذكره ارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.