قائمة الموقع

هل خسرت إسرائيل في هذه الحرب؟ قراءة موضوعية خارج حدود الوجع

2025-02-11T13:07:00+02:00
خسائر
فلسطين اليوم

بقلم: أيمن أبو عيشة 

لعل للوهلة الأولى، ينظر البعض إلى هذا السؤال معتقدًا أنه مجرد سؤال افتراضي أو في أحسن الأحوال سؤال دون إجابة. وربما من يعيش في غزة، ومن فقد الأهل والمال، ومعظم أهل غزة كذلك، وكاتب هذه السطور واحد منهم، من حقهم ألا يروا خسارة تعادل خسارتهم. وبعضهم لا يرى خسارة سوى خسارتهم. فما تعرضت له غزة من نيران وقنابل متفجرة فاقت ما تعرضت له أي بقعة أخرى بالعالم. لكن إجابة على السؤال السابق، فإن خسارة إسرائيل تتجلى في أكثر من موضع وأكثر من اتجاه.

 

أولًا: لقد خسرت إسرائيل صدارتها في المجتمع الدولي كدولة كانت قد نجحت في تسويق نفسها بأنها تمارس الديمقراطية كنظام حياة، وتنظر لهذا النظام، بل وتستعرض به كأهم مميزاتها التي تميزها عن غيرها من دول الإقليم والعالم، بعد أن سقط قناعها الذي ترتديه منذ نشأتها. ولو أن لومبروزو، الذي وضع نظرية علم الإجرام وتحدث عن صفات الشخص المجرم، ما زال على قيد الحياة، لكتب اليوم صفات الدولة المجرمة، إسرائيل، نموذجًا. 

 

ثانيًا: لقد خسرت إسرائيل سيمفونية مظلوميتها التي كانت دائمًا تعزف على أوتارها في المحافل الدولية، مذكرة العالم بما عانى منه اليهود من ويلات الهولوكوست، حيث نجحت في استعطاف العالم دولًا وجماعات وأفرادًا. لكن هذه المظلومية سقطت بعد أن شاهد العالم بالصوت والصورة مباشرة آلاف المجازر والمحارق للأطفال والنساء ولكل من هو فلسطيني أو يعزز وجود الفلسطيني على أرضه من مستشفيات ومدارس وجامعات ومساجد وكل مناحي الحياة. فما حققته إسرائيل من مكاسب في تسويق رواية الهولوكوست بالأقوال خسرته بأفعالها وسلوكها كدولة سادية مجرمة مع سبق الإصرار والترصد.

 

ثالثًا: لقد انتصرت السردية الفلسطينية بعد أن ألقى بها العالم في غياهب الجب. فأصبحت تمتلك عشرات الآلاف من الأدلة والبراهين التي توثق جرائم الاحتلال، ليتردد صداها بشكل مستمر في وعي شعوب العالم في كافة أرجاء المعمورة، ليشاهدوا وجه إسرائيل الحقيقي، الذي لن تستطيع كافة مساحيق وعمليات التجميل أن تخفيه مجددًا لتخدع به العالم مرة أخرى.

 

رابعًا: لم تخسر إسرائيل في حربها على غزة الدول المحايدة وشعوبها فحسب، بل ولأول مرة في تاريخ الصراع ومنذ بداية معركة طوفان الأقصى، رأينا كيف تحولت بعض الدول الصديقة والمساندة للعدو، وسارعت لاتخاذ إما موقف مغاير أو محايد. بريطانيا وفرنسا وفنلندا نموذجًا على الأقل في الموقف العلني. بل لقد كان للحرب على غزة آثار ارتدادية في انتخابات دول كبرى وأثرت على نتائج انتخاباتها صعودًا وهبوطًا بحسب الموقف من غزة. الأمر الذي لم يقتصر على تعاطف الملايين من شعوب العالم، سيما الدول المساندة لإسرائيل وخاصة أمريكا، بل أصبح هناك كيانات تجاوزت مرحلة التعاطف مع القضية الفلسطينية وأصبحت تتبنى الموقف الفلسطيني وتسوق له، وبعض هذه الكيانات أصبحت جزءًا من صناعة القرار في بلادها. وهنا نذكر بحزب العمال البريطاني واتحادات مجالس طلبة الجامعات بأمريكا نموذجا.

 

خامسًا: وجدت إسرائيل نفسها ولأول مرة منذ وجودها في قفص الاتهام كدولة مجرمة ومارقة، فلم تعد بإمكانها بعد اليوم أن تحصل على شهادة حسن سير وسلوك على المستوى الدولي. كما أن منظمات المجتمع الدولي نجحت في محاصرتها. فمجموع البيانات الصادرة عنها والتي تجرم إسرائيل لم تصدر سابقًا في حق أي دولة في العالم منذ تاريخ نشأة الأمم المتحدة وحتى تاريخه.

 

سادسًا: فقد المواطن الإسرائيلي والمستثمر الأجنبي عنصر الأمان الاقتصادي كأحد أهم عناصر مقومات استقطاب رأس المال المحلي والأجنبي، فلا ضمانات استراتيجية من حيث المدة الزمنية لأي مشروع أو حتى مرحلية، مما لا يضمن تحقيق ما يمكن أن نسميه فترة الاسترداد. مما سيؤدي لهجرة معاكسة للمستثمرين ورؤوس الأموال داخل الكيان. فلم يعد التهديد الذي يجابه محدودًا جغرافيًا بغزة والضفة فحسب، بل تجاوز ذلك ليشمل لبنان والعراق وبعض العمليات المنفردة من الأردن. ولربما جبهة اليمن كانت الأصعب على الكيان بما تشمله من عقيدة قتالية راسخة عند اليمني من جهة، والمميزات الجغرافية التي تتمتع بها اليمن واطباقها الحصار على المنافذ البحرية لمنع التدفق التجاري وصولًا إلى صواريخ الفرط صوتي. فأصبح الجميع داخل هذا الكيان يعلمون أن الفاصل الزمني لضرب أي هدف لديهم لا يتجاوز السبع دقائق، وكل ذلك بحسب ما وصلت إليه المرحلة الخامسة من جبهة إسناد غزة. وبمرور الزمن يعني وجود تطوير للمرحلة السادسة والسابعة والعاشرة، ولا يعلم مدى تأثيرها إلا الله عز وجل.

 

سابعًا: لقد شكل نجاح المقاومة في إدارة المعركة إعلاميًا، وحرصها على التصوير الميداني، وتفوقها في توثيق آلاف العمليات ضد آليات العدو وجنوده، صدمة حقيقية لجمهورها، الذي وصل لحقيقة راسخة باتجاهين. الأول، مدى جبن الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح ووسائل التكنولوجيا. وفي الاتجاه الثاني، بسالة المقاوم الفلسطيني الذي كان بمثابة طائر العنقاء الذي لا يموت، فيخرج من بين الركام ليواصل القتال دون انقطاع. نجاح المقاومة في التقاط هذه الصور هو جزء من كل، أما الصورة المكتملة، فكانت بالميدان، رآها مئات الآلاف من جنود العدو وجهًا لوجه، وستكون بمثابة كابوس يلاحقهم في يقظتهم ومنامهم.

 

ثامنًا: في هذه الحرب غابت صورة الجندي المرعبة التي زرعتها إسرائيل في عقول المجتمعات العربية والمسلمة ودول العالم قاطبة، والتي كان عنوانها "الجندي الإسرائيلي لا يقهر". لقد سقط هذا الشعار الزائف بعد أن كانت دولة الاحتلال تتغنى به لعشرات السنوات. كما سقطت المنتجات الحربية للعدو، وساءت سمعتها، والتي كان يتفاخر بها، وتهرول الدول لعقد صفقات لشرائها. بعد أن فشلت أمام وسائل قتالية متعددة صنعت في غزة المحاصرة. تمامًا كما سقطت منظومات الدفاع الجوية لديهم أمام الطائرات المسيرة والصواريخ التي أُطلقت من لبنان والعراق واليمن.

 

تاسعًا: لقد عززت هذه الحرب زيادة الشرخ والانقسام بين مكونات المشهد السياسي بشكل جلي وواضح، وفي نفس الوقت اتسعت الفجوة بين شرائح المجتمع الإسرائيلي. فعلى المستوى السياسي، بات واضحًا مما لا مجال فيه للشك أن هذه الحرب من ضمن أهدافها الرئيسية هو الصراع والتنافس بين الأحزاب من جهة، وبين قيادة بعض هذه الأحزاب من جهة أخرى. وهذا أدى إلى انعكاسات سلبية على إسرائيل كدولة. لقد باتت جماهير العدو مقتنعة وأكثر من أي وقت مضى أن اليمين المتطرف المتمثل في بن غفير وسموتريش، بالتحالف مع نيتنياهو، قد هدموا ما بناه قادة إسرائيل في مراحلها السابقة، حتى أصبح الإسرائيلي منبوذًا على مستوى العالم، كفرد وكدولة. وعلى المستوى المجتمعي، لم يعد التمييز العنصري ينفذه الاحتلال بشكل سري، بل أصبح بشكل علني، بل هناك من يدعو له بشكل واضح من على منبر الكنيست. لعل المرحلة القادمة ستتسع بها الفجوات بين كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي.

 

عاشرًا: بخصوص أهداف إسرائيل المعلنة للحرب، لم يتحقق أي هدف من هذه الأهداف. لقد زرعت هذه الحرب نار الثأر الشخصي في كل بيت فلسطيني، سيحمل هذا الثأر ويتوارثه مئات الآلاف من الفلسطينيين، وسيكبر هذا الثأر مع مرور الزمن. فالعدو لم ينتصر، ولكن كما قال سماحة السيد حسن نصر الله في بداية هذه الحرب: "منع إسرائيل من الانتصار هو هزيمة لها".

اخبار ذات صلة