خبر غورباتشوف في القدس .. هآرتس

الساعة 12:52 م|10 يوليو 2009

بقلم: الوف بن

أحد الامور الجديدة التي ادخلها ارئيل شارون الى عمل رئيس الوزراء كان التصريح لوسائل الاعلام في بداية الجلسة الاسبوعية. دقيقتان من الزمن الاعلامي النوعي وحيدا امام الكاميرات والميكرفونات بدون مراسلين يثقلون عليه بالاسئلة ومحللين يهزأون به. فقط كلام الزعيم الى الامة، فيما يجلس حوله الوزراء صامتين وكأنهم في فيلم، يخشون ان تلتقطهم الكاميرا في زاوية غير لطيفة. خلفاء شارون تبنوا هذه العادة بحماس: من هو السياسي الذي سيتخلى عن الحق في أن يسمع نفسه فقط.

في يوم الاحد من هذا الاسبوع استغل بنيامين نتنياهو هذه المنصة، كي يطلق التصريح الاكثر بعد أثر له حتى اليوم: "حققنا اجماعا وطنيا على مفهوم الدولتين للشعبين". في خطاب بار ايلان، ثلاثة اسابيع قبل ذلك، نتنياهو وافق على دولة فلسطينية، ولكنه كان حذرا في صياغاته وتحدث بانعدام حماسة ظاهر. هذا الاسبوع بدا مغايرا تماما، حين تبنى شعار اليسار القديم، بل ووصف كذلك بانه الانجاز الاهم لحكومته في المائة يوم الاولى. هذا ليس كل شيء: سياسيو الليكود غابوا عن خطاب بار ايلان، ولكن في جلسة الحكومة انصتوا لنتنياهو وصمتوا باجماع. بيني بيغن، موشيه يعلون، اسرائيل كاتس، ليمور لفنات، أي منهم لم يسارع الى الميكروفون صارخا. أي منهم أيضا لم يتفوه ضد نتنياهو بعد الجلسة.

كما أن نتنياهو اسند الشعار بخطوات على الارض، بتعاون وزير الدفاع ايهود باراك. العديد من الحواجز رفعت، وبات اكثر سهولة وراحة على الفلسطينيين السفر على طرقات الضفة الغربية. التعاون الامني بين اسرائيل والسلطة اجتاز منذ الان الذرى من عهد اوسلو، حسب شهادة مسؤولين فلسطينيين كبار. للطرفين مصلحة في التواضع في ذلك، كل جانب لاسبابه السياسية، ولكن ينبغي القول في صالح نتنياهو انه ينفذ على الارض ما وعد به قبل الانتخابات.

كل هذا يثير السؤال: هل في دار الحكومة يختبىء غورباتشوف الجديد؟ هل نتنياهو، الذي بنى حياته السياسية على معارضته لاتفاقات اوسلو هو الذي سيكون الدافن الاكبر لمشروع الاستيطان؟ المحقق لمشروع التقسيم؟ حتى غورباتشوف لم يفكر بان اصلاحاته ستدفع الاتحاد السوفييتي الى الانهيار، وأمل فقط في تعزيز شعبية ونجاعة النظام الشيوعي. ولكن ما أن ظهر الشرخ في السور، حتى انتهت القصة.

خصوم نتنياهو، وعلى رأسهم زعيمة المعارضة تسيبي لفني مقتنعون بان رئيس الوزراء "ليس هناك بعد". وانه يقول دولتين، ولكنه لا يقصد ذلك. لفني ترى في الدولة الفلسطينية مصلحة اسرائيلية ونتنياهو، برأيها يحاول التملص من القرار الحاسم فقط.

ومع ذلك، لا يمكن استبعاد تصريحات نتنياهو وكأنها اقوال عابثة. فهو لا يمكنه ان يتراجع عن "الدولتين للشعبين". وله مصلحة سياسية واضحة في السير في هذا المسار الذي يضعه في موقع الزعيم الوطني ذي المواقف في قلب الاجماع.

وهاكم تلميح آخر في أن نتنياهو يستعد لمسيرة سياسية بعيدة الاثر. في خطاب بار ايلان تحدث عن الضمانات الامنية التي سيطلبها من الاسرة الدولية، والولايات المتحدة على رأسها. وهذا يعني ان نتنياهو تبنى "وثيقة النقاط الثمانية" التي طرحها سلفه ايهود اولمرت على ادارة بوش. النقاط ذاتها تافهة جدا: التجريد المطلق للدولة الفلسطينية، المراقبين الاجانب في الحدود مع الاردن، معبر رفح باشراف اوروبي، سيطرة اسرائيلية في المجال الجوي وفي تخصيص موجات البث. باراك طرح مطالب مشابه في كامب ديفيد قبل تسع سنوات، واولمرت اعاد صياغتها، وحسب شهادة رجاله، نال عليها موافقة أمريكية. نتنياهو يريد أن يتلقى من اوباما هذه الضمانات خطيا كي يضمن بان تتمتع اسرائيل بشرعية دولية لمخاوفها الامنية من اقامة الدولة الفلسطينية.

اعظم من بن غوريون

والان للتحليل. اذا تبنى نتنياهو البنود الامنية في التسوية الدائمة التي خطط لها باراك واولمرت في كامب ديفيد وفي انابوليس فلا يمكنه أن يتنكر ايضا لبنود اخرى فيها – وعلى رأسها الانسحاب من الغالبية العظمى من الضفة الغربية واخلاء معظم المستوطنات. ومن كنتنياهو يعرف انه في الحياة السياسية الدولة لا توجد وجبات بالمجان. فهو الذي خلق شعار "اذا اعطوا سيأخذون". من يريد أن يتلقى ضمانات امنية، ينبغي له أن يعطي مناطق. الكثير من المناطق.

من ناحية نتنياهو، تبني فكرة الدولتين استبعد معنى وجود كديما في المعارضة. الجهد الاساس له في المائة يوم التالية سيكون تحطيم حزب لفني وسحب شاؤول موفاز ومؤيديه منه. واذا ما ابعدنا في الخيال، يمكن تصور خطوة اكثر جرأة، "الانفجار المعاكس": اعادة توحيد كديما والليكود، مضاف اليه بضع نواب من اسرائيل بيتنا الذي مشكوك في مستقبله. وهكذا يمكن خلق حزب اغلبية من 62 – 63 نائبا، والحل بضربة واحدة مشاكل "الحكم والظهور بمظهر اعظم من بن غوريون. في اللحظة التي يؤيد فيها الليكود دولة فلسطينية، لا يوجد سبب ايديولوجي حقيقي يمنع مثل هذا الاتحاد، فقط شخصي. في محيط نتنياهو يقولون انه لا توجد له خطط كهذه.

افيغدور ليبرمان ألمح هذا الاسبوع بان ايامه في وزارة الخارجية معدودة، في المؤتمر الصحفي الذي شرح فيه بانه بصفته مستوطنات لا يمكنه أن يعنى بالمفاوضات على المستوطنات بسبب "تضارب المصالح". إذن من اجل ماذا يجلس هناك؟ والاحرى ان ليبران فهم بان نتنياهو وجه له ركلة عندما اعطى اسنادا هادئا لانتقاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على ليبرمان، وحين اطلق الى المهمات السياسية الهامة باراك وشمعون بيرس. امكانية أن ترفع قريبا لائحة اتهام ضد ليبرمان وحزبه يخرج في اعقابه من الحكومة، زادت التخمينات في أن لفني وكديما في الطريق الى الحلول محله.

لفني تصر على أن ليس هناك شيء كهذا ولا سبب لهذا، كونها لا تؤمن بجدية نتنياهو. وهي تؤمن بان فقط بسبب عنادها البقاء في الخارج، اضطر نتنياهو لقبول الدولتين بدل أن يختبىء وراءها. ولكن يمكن التقدير بانه اذا ما خرج اسرائيل بيتنا من الائتلاف، فان لفني ايضا ستعيد النظر في معارضتها.

على "نتنياهو الجديد يثقل قلقه من وسائل الاعلام. من الصعب التصديق ولكن الزعيم الشجاع الذي يرى نفسه مثل تشرتشل، يفقد ما تبقى له من ثقة بالنفس حين يكتب احد ما ضده في صحيفة. تماما مثل اولمرت الذين هاجم "زرازير القلم" في خطابه الوداعي. تصريحه في الحكومة هذا الاسبوع بدأه نتنياهو بالشكوى من وسائل الاعلام التي لا تثني عليه. وبلغ هذا ذروته في الاستعراض الهاذي لمساعديه، الذين اطلقوا على عجل لصد انتقاد كديما وعرض "انجازات المائة يوم الاولى". وقد نجحوا في أن يظهروا فقط التشوش، الحرج والنزاعات في المكتب.

ينبغي القول لنتنياهو، اهدأ. اذكر الدرس الاول في التسويق. لا تتهم المشترين الذين لا يحبون المنتج، بل حسن المنتج. لا يمكن الدفاع في وسائل الاعلام عن سلوك متناثر وعديم الادارة. محظور ايضا اخفاء المعلومات عن المساعدين والناطقين وزرع الشقاق بينهم. اذا قمت بخطوات كبيرة، سيدعموك. اذا انشغلت بالهراء، فستتلقى النقد. لاولمرت كان المكتب الاكثر تنظيما وولاءا، قدوة في السلوك الطيب، وهذا لم يساعده في أن يكون شعبيا او ان يجلب السلام.