خبر التطبيع.. مقابل تشريع الاستيطان! ..صالح النعامي

الساعة 04:13 م|09 يوليو 2009

التطبيع.. مقابل تشريع الاستيطان! ..

صالح النعامي

حتى في أشد الكوابيس لم يكن للمرء أن يتوقع أن تتعامل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مع ما تسميها بـ "دول محور الاعتدال العربي" بهذه الدرجة من الاستغفال والاستخفاف. فبيْن عشية وضحاها غيَّر الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتجاه بوصلة إدارته بـ 180 درجة؛ فبعد أن أنذر إسرائيل في خطاب القاهرة بوجوب تجميد الاستيطان، فإنه بات حاليًا ينذر العرب بضرورة تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل ، في الوقت الذي يخرج قادة الكيان الصهيوني عن طورهم وهم يتشبَّثون بمواقفهم المتطرفة والمتغطرسة من قضايا الصراع. وقد وجدت توجهات إدارة أوباما ، المستهجَنة والغريبة ، ترجمتَها في البيان الختامي الذي صدر عن لقاء وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك والمبعوث الأمريكي جورج ميتشيل، حيث إنه في الوقت الذي لم يتعرض البيان المشترك للبناء في المستوطنات اليهودية، فإنه دعا الفلسطينيين لـ "محاربة الإرهاب"، أي المقاومة ضد الاحتلال، وحثِّ العرب على التطبيع مع إسرائيل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أوباما أرسل رسالة لملك المغرب محمد السادس طالبه فيها بالعمل على التطبيع مع إسرائيل. والمفارقة المذهلة هنا تكمن في حقيقة أن واشنطن وتل أبيب تطالبان العرب بمكافأة إسرائيل ، ليس فقط بالتطبيع، بل وبإضفاء شرعية على الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. وقد ورد هذا الطلب بشكل صريح في مسودة مشروع تم تداوُله مؤخرًا في واشنطن ولندن بين مسئولين أمريكيين وإسرائيليين، بحيث إنه مقابل التزام إسرائيل بوقف الاستيطان بشكل مؤقت ولمدة ثلاثة أشهر، فإن الدول العربية تشرع فورًا في التطبيع مع إسرائيل. والذي يتفحص ما جاء في الاقتراح يتبين له بسرعة أن الحديث لا يدور عمليًّا عن وقف للبناء في المستوطنات، بل على العكس تمامًا؛ فحسب نص المشروع فإنه خلال فترة الثلاثة أشهر يتم استكمال بناء  2000 وحدة سكنية، تعتبر حاليًا في طور البناء. وهذا المشروع يمثِّل تضليلًا فجًّا للعرب، حيث إن استكمال بناء 2000 وحدة سكنية في المستوطنات يعني إضافة 2000 عائلة يهودية للمستوطنين في الضفة الغربية، وهذا يعني أن عشرين ألف مستوطن جديد على الأقل سينضمُّون لليهود الذين يغتصبون الضفة الغربية والقدس.

 

فموافقة العرب على هذا المشروع يعني الموافقة على أمر بالغ الخطورة، وهو: إضفاء شرعية على البناء في المستوطنات الذي أُنجز حتى الآن في الضفة الغربية، وكذلك موافقة العرب على البناء في المستوطنات بعد انتهاء فترة الأشهر الثلاثة.

 

ويفترض المشروع أن العرب سيواصلون التطبيع مع إسرائيل حتى بعد انتهاء فترة الثلاثة أشهر، أي في الوقت الذي تعود فيه إسرائيل للبناء في المستوطنات بدون أي قيود. وإعمالًا في الاستخفاف بالعرب وبوعيهم فقد أوضح باراك أن مدى التزام إسرائيل بوقف الاستيطان بشكل مؤقت يعتمد على حجم "بوادر حُسن النية" التي سيقدمها العرب لإسرائيل. وكما يرى المعلّقون في إسرائيل فإن "بوادر حسن النية" التي أشار إليها باراك لا تنحصر في التطبيع فقط، بل تتعداه إلى مدى استعداد العرب لتقديم مساعدات لإسرائيل في مجال محاربة الحركات الإسلامية أو ما يسميه باراك بـ "قوى الجهاد العالمي"، وتقديم يد العون لتل أبيب لتحسين قدراتها على استهداف البرنامج النووي الإيراني.

 

ومن المفارقة أن الكشف عن مقترح مقايضة التطبيع بالوقف المؤقت للاستيطان يأتي بعد يوم فقط على مصادقة باراك على بناء 1450 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة يهودية تقع بالقرب من الخليل، أقصى جنوب الضفة الغربية؛ وبعد يومين على قراره بالمصادقة على ضم 139 ألف دونم من الأملاك الفلسطينية التي تقع في منطقة البحر الميت لمستوطنة "معاليه أدوميم"، التي تقع شمال شرق مدينة القدس، وذلك من أجل استغلالها في إقامة مناطقَ صناعيةٍ ومواقع سياحية. وقد كشفت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية الحالية خصصت مبلغ مليار شيكل للبناء في المستوطنات في الضفة الغربية في موازنة العام 2009-2010. وأكدت الحركة في تقرير صادر عنها أن هذا الرقم يشمل فقط البنود التي وردت في الميزانية وتتعلق ، بوضوح ، بالاستيطان ، ولا تشمل العناصر الأخرى التي لا تتحدث عن موضوع الاستيطان صراحة. وأوضحت الحركة أن إسرائيل خصصت مساعدات لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية  توازي 9% من نسبة المبالغ التي تحوِّلها للمجالس البلدية في بقية أرجاء إسرائيل، مع العلم أن المستوطنين يشكِّلون 4% من إجمالي عدد السكان. وأكدت المنظمة أن الحكومات الإسرائيلية تتعمد التضليل في كل ما يتعلق بالمواقع الاستيطانية التي بُنيت بدون إذن الحكومة ، والتي تدَّعي الحكومات الإسرائيلية أنها تتعامل معها على أساس أنها غيرُ قانونية. وأشارت إلى أنَّ هناك أدلةً على أن الحكومات الإسرائيلية تقدِّم الدعم لهذه المواقع.

 

بكلمات أخرى فإنَّ حكومة نتنياهو حسمت أمرها في كل ما يتعلق بالاستيطان لجهة مواصلته وتطويره عبر تخصيص موازنة ضخمة له.

 

واللافت للأنظار أن إدارة أوباما تضغط على العرب للتطبيع مع إسرائيل ، في الوقت الذي يكرر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروطه التعجيزية للموافقة على قيام دولة فلسطينية. فقد شدد نتنياهو مجددًا على أنه يجب على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي والموافقة على أن يتم حل مشكلة اللاجئين خارج حدود إسرائيل ، وأن تبقى إسرائيل عاصمة إسرائيل الموحدة، إلى جانب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، فضلًا عن حق إسرائيل في امتلاك حدود يمكن الدفاع عنها في أي تسوية سياسية للصراع.

 

آن الأوان للتخلص من حالة "الإيفوريا" التي وقع تحتها العالم العربي بعد إلقاء أوباما خطابه في القاهرة، فما لم يُلقِ له بالًا العربُ هو أنه ليس في حكم الوارد لدى إدارة أوباما ممارسة أي ضغط حقيقي على إسرائيل، ليس فقط بسبب الطابع الإستراتيجي للعلاقة بينهما، بل أيضًا لأن الانتخابات الجزئية لمجلسيْ النواب والشيوخ على الأبواب، وأوباما معنيٌّ بتحسين فرص نجاح الديمقراطيين في هذه الانتخابات عبر استئناف مغازلة إسرائيل، بحيث يدفع العرب فاتورة هذا الغزل.