توقفت عقارب الزمن في قلوب النازحين في جنوب قطاع غزة، والذين يحدقون باتجاه محور نيتساريم، كأنهم يبحثون عن بصيص أمل خلف حاجز الموت الذي يحتله الجيش المهزوم، هنا بين خيام النازحين المهترئة والأراضي الرملية، يختبئ الشوق خلف العيون المتلهفة للعودة إلى عتبات بيوتهم المدمرة وأراضيهم التي تحولت بالنسبة لهم إلى ذكريات في شمال القطاع.
كل صوت بين الخيام هنا يحمل انتظارًا، كل وجه يخفي قصة من وجع الفقد وحنين العودة، يترقبون على أحر من الجمر كل خبر عن انسحاب جيش الاحتلال، بوصفه: "ساعة ميلاد جديدة تُعيدهم إلى ما تبقى من الوطن من ركام وأنقاض".
نازحون في مدينة خان يونس قابلتهم "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، يؤكدون أنهم سيمكثون في أقرب نقطة جغرافية في الليلة التي تسبق توقيت العودة إلى شمال القطاع، استعداد للعودة بمجرد السماح لهم المرور على ما يسمى محور "نتساريم ".
ودخل وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، أمس الأحد 19/1/2025 في تمام الساعة الـ11:15، ليتأخر نحو ساعتين ونصف، بزعم الاحتلال "الإسرائيلي" عدم تنفيذه قبل عملية تسليم قائمة الأسيرات المقرر إطلاق سراحهن.
بداية من جديد
الأرملة أم سلمى، التي فقدت زوجها في بداية الحرب شمال قطاع غزة، تقول إنها تنتظر بلهفة اليوم الذي تغادر فيه مخيم النزوح مع أطفالها الأربعة تتابع بحرقة: " بعد استشهاد زوجي أريد فقط أن أشعر بالاستقرار مرة أخرى، البيت، ولو كان خرابًا، يبقى بيتنا، تقول وهي تمسح دموعها "الحرب أنهكتنا، والأن يمكننا البدء من جديد".
ورغم الدمار الجزئي الذي أصاب منزل "أم سلمى" في منطقة التوام شمالًا، تخطط للعودة والعمل على تنظيف المكان وترميم ما يمكن إصلاحه بمساعدة الأقارب، تردد وهي تحتضن ابنتها: " أمامنا الكثير كي نتخطى ألم الفقد، لكن قلوبنا لا تزال قادرة على التغلب على أثار الحرب.
عودة للأنقاض
يقول "أبو خالد الشنباري"، الذي نزح مع أبناءه وأحفاده من بيت لاهيا مطلع حرب الإبادة، ، إنه لا يستطيع الانتظار حتى دخول الهدنة حيز التنفيذ ليتمكن من تفكيك خيمته والعودة إلى منزله، رغم أنه قد دمر بالكامل، ويكمل: "حتى لو كانت العودة إلى أنقاض، فإن ذلك أفضل من حياة النزوح، سأبدأ من الصفر لإعادة بناء منزلي وحياتي".
يضيف الشنباري من أحد مدارس النزوح غربي خان يونس، والذي كان يعمل نجارًا قبل اندلاع الحرب لـ" وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "سأعيد فتح ورشتي الصغيرة التي كانت مصدر رزقي الوحيد، لم أعد أهتم بما فقدته، المهم الآن هو أن أعود من جديد مع عائلتي".
وبحسب آخر تقييم للأضرار أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية "يونوسات"، فإنه حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول تضرر أو دمّر ما يقرب من 69% من مباني القطاع، أي ما مجموعه 170 ألفا و812 مبنى.
سأزرع من الصفر
أبو ياسين، المزارع الخمسيني، يقول أبو ياسين، مزارع في الخمسين من عمره، إن شغفه بالزراعة لم يتغير رغم شهور الحرب بعيدًا عن أرضه، فكل ما أريده هو العودة لحراثة أرضي وزرعها من جديد، لقد أمضيت عمري هناك، والآن حان الوقت لاستعادة حياتي الطبيعية".
أبو ياسين الذي نزح مع أسرته مشيًا من شمال غزة إلى جنوب القطاع، وترك وراءه أرضًا زراعية كانت مصدر رزقه الأساسي، يتابع: "رغم الأضرار وتجريف الاحتلال لها ، إلا أنه يؤكد: "الأرض مثل الأم، حتى لو جُرحت، ستظل دائمًا الحضن الذي نعود إليه".
معلمة تاريخ
النازحة ليلى ذات الـ19 ربيعًا تصف فرحتها بالكبيرة تعبّر عن مشاعرها بالهدنة: "لن نسمع صوت القصف مرة أخرى لن تتناثر أشلاء عائلتي أمام عيني، لكن الفرحة الأكبر تتمثل في عودتنا إلى منازلنا في شمال قطاع غزة".
تحلم ليلى، الطالبة الجامعية التي اضطرت لترك دراستها بعد النزوح، بالعودة إلى شمال غزة واستئناف تعليمها: "رغم كل شيء، أريد أن أكمل حلمي في أن أصبح معلمة في التاريخ، أريد أن أروي للأجيال القادمة ما مررنا به خلال الحرب على قطاع غزة.
ليلى لم تتمكن من إخفاء حماستها للعودة إلى منزلها الذي تضرر بشكل كبير، تضيف: "الأهم أن أكون هناك برفقة عائلتي وسأستأنف دراستي مهما كانت الصعوبات، وتتابع بثقة: "نتجهز لتفكيك الخيمة فور السماح لنا بالعودة إلى شمال القطاع".
الجدير بالذكر، أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة دخل حيز التنفيذ، يوم الأحد 19/1/2025 في تمام الساعة الـ11:15، ليتأخر نحو ساعتين ونصف، بزعم الاحتلال "الإسرائيلي" عدم تنفيذه قبل عملية تسليم قائمة الأسيرات المقرر إطلاق سراحهن.
وتسببت حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة بارتقاء أكثر من 46913 مواطنًا، بينهم 17581 طفلًا، ونحو 12048 من النساء، فيما جرح نحو110750 آخرين، فيما يقبع 11 ألف مفقود تحت الأنقاض، ناهيك عن الدمار الهائل في البنية التحتية والسكنية والتجارية.