"وجدته قالباً واحداً، يداه وقدماه مجمدتان، وجهه أزرق داكن، كذبت حدسي الذي وسوس لي أن روحه فارقته، هرعت برعب أيقظ والده، لعله يصنع معجزة وينجيه من برد يلتهمه، فزع الأخير من نومه، وذهب مُسرعاً ناظرًا في عيني صغيره، تخشب صوته كما جثة رضيعه وصاح "يوسف راح"، هكذا بدأ يوم الثالث من يناير الجاري، في خيمة الطفل يوسف كلوب (35 يومًا)، بحسب والدة الطفل "صفاء الرنتيسي".
ففي الساعة الرابعة فجراً في مواصي خانيونس، جنوب قطاع غزة، فقدت الأقمشة التي حاولت جاهدة أن تتماسك وتحمي هؤلاء الأطفال ووالديهم في الأمتار الأربعة، التي أقاموا عليها ما يشبه الخيمة، قدرتها على صد مياه الأمطار في يوم ماطر، عاصف كأنما ريحه كانت تنبئ بخطف حبيب على بساطها.
تصف آخر لحظاته حينما كان حيًا، تتأمل مكسورة تلك الزاوية التي رقد بها في “نومته الأخيرة"؛ كما وصفت، وبفطرة الأمومة تروي صفاء كيف أنها ألحفت يوسف بغطاء حراري، استطاعت بالكاد أن تحصل عليه، لحمايته من البرد، فقد كانت تتوقع أن جسده الهش لن يستطيع مقاومة الصقيع بملابسة الخفيفة جدًا، فقررت أن تلفه جيدًا باللحاف عله يكون سبب حماية لا صدمة الحكاية.
تقول الرنتيسي :" حينها ذهب في نوم عميق، ثم هطلت الأمطار، خرّت أقمشة السقف مياهًا علينا، وتسلل الماء إلى الخيمة، بللت أغطيته وملابسه، فابتل اللحاف تمامًا كما لو غُسل، لم أكن أتخيل أن يكون غطاءه، سيكون كفنه، وعندما اكتشفت ذلك نزعت ذاك اللحاف نزعًا واختارت أن تضع كل الأغطية فوق بعضها وينامون جميعًا تحتها عل يوسف وإخوته يحظون بشيء من الدفء".
الــرضـــيع الـثـامــن..؟
" وصباحًا اكتشفت أن البرد قد ألقى بيوسف في غياهب القبر، ليكون رقم 10 في عداد من قتلهم البرد في خيام النازحين"، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، ورقم 8 في قائمة الرضع المتجمدين، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر 2023.
وفي حين يمارس فصل الشتاء قسوته على النازحين فإن العدد مرشح للارتفاع، في ظل اهتراء أكثر 100 ألف خيمة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، وانعدام وسائل التدفئة، لذلك فقد انهارت أم يوسف باكية تنظر فيمن تبقى من أطفالها وبألم تخبر فريق فلسطين اليوم أنها تخاف من فقد البرد مجددًا، وتتساءل كيف هربت من موت متوقع لأبنائها من الحرب إلى موت البرد الغادر؟