روت طبيبتان جزءاً من مهمتهما الأخيرة في غزة التي كانت مختلفة تماماً عن كل التجارب التي خاضتاها في مهنة الطب، إذ واجهتا آلام الجرحى في مستشفيات مدمرة ومن دون أغراض طبية.
كانت الطبيبتان تكافحان مع أطباء غزة بما هو متاح لخدمة أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني.
الطبيبة رزان المتخصصة في طب الطوارئ، تقول إنها كرّست حياتها على مدار الثماني سنوات والنصف الماضية، لتوفير الرعاية المنقذة للحياة، والعمل في مراكز الصدمات من المستوى الأول للمستويات الريفية الصغيرة، ذات الموظفين والموارد المحدودة، مستدركة: "لكن لا شيء يمكن أن يصف الدمار الذي شاهدته خلال مهتمي الأخيرة إلى غزة".
وأضافت الطبية رزان: "في نوفمبر الماضي عدت من مهمة طبية بعد قضاء فترة 5 أسابيع، حيث عملت في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، كان المستشفى يخدم في الأصل 250 ألف نسمة، لكنه الآن يكافح لخدمة مليون ونصف مواطن، من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال النازحين".
وتابعت: "هؤلاء المواطنون أجبروا على النزوح من 6- 7 مرات، وسكنوا في خيام مؤقتة بدون ميه نظيفة وكهرباء، ولا صرف صحي ولا خصوصية، ولا تغذية كافية، والأدوية ناقصة لإنقاذ الحياة، والمواطنين محرومون من أبسط حقوقهم واحتياجاتهم الإنسانية.
وتزيد بالقول: "خلال الأيام الأولى من بقائي في غزة، حاولت الاحتفاظ بسجل المرضى الذين عالجتهم، وقد فعلت ذلك، لكن سرعان ما فقدت المسار، إذ كان تدفق المرضى مستمراً مع موارد محدودة، وهو وضع صعب ومستحيل، إذ يموت مرضى السكري؛ لأنه لا يمكنهم الحصول على الأنسولين، تتدهور حالات مرضى السرطان؛ لأنهم دون علاج، تفقد النساء الحوامل حياتهن بسبب نقص الرعاية قبل الولادة، يموت مرضى الكلى دون الحصول على غسيل للكلى، كل وفاة هي مأساة يمكن الوقاية منها، نتيجة للحرمان المنهجي المدروس من قبل (إسرائيل) بهدف محو السكان".
وقالت طبيبة عادت من غزة إلى أمريكا مؤخراً: "شعرت في البداية وكأن صوتاً منخفضاً في عظامي، كان اهتزازاً خافتاً للغاية، وكان نبض قلبي يتسارع بشكل كبير، بسبب الخوف من شدة ما يحصل، كنت بعد شهر واحد فقط من صفتي كطبيبة، استنشق رائحة الأمل التي تنبعث من المعاطف البيضاء، والشهادات الجديدة عندما تسللت الحرب إلى عالمنا مثل روح انتقامية، بين عشية وضحاها، وبسبب التحديات، بدأت في التدريب على إصلاح الأطراف المكسورة ومساعدة الناس من حرب هدمت كل شيء، لا يمكن قياس المهارة الطبية وتفوقها على قسوة القنابل، إذ حولت الانفجارات الأحياء المألوفة إلى أنقاض".
وتضيف الطبيبة: "بدأنا إجراء العمليات الجراحية بالارتجال وبأدوات وتقنيات بسيطة جداً، كان طلاب الطب مجبرين على اتخاذ قرارات لم يتم دراستها، في أي كتاب جامعي نتيجة نفاد الامدادات".
"الضمادات شبه غائبة، والأجهزة الإشعاعية معطلة، وزجاجات الدواء باتت مثل التحف نادرة؛ بسبب النقص الحاصل، أنا وزملائي زودنا أنفسنا بالغلوكوز الوريدي، للحفاظ على توازننا للبقاء على أهبة الاستعداد لمعالجة المرضى لأطول فترة ممكنة"، تروي الطبيبة".
وتتابع: "ثم جاء قصف المستشفى لدرجة أنه بدا، وكأنه يمزق فكرة الملاذ الآمن، هذا الطاقم والمرضى المصابون، تعكس أعينهم رعباً لا يمكن وصفه بالكلمات، أذكر في ذلك اليوم قمت بعملية جراحية لتسكير جرح في رأس وجفن فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات، لم ترتجف يداي من قلة الخبرات، ولكن بسبب غياب مسكنات الألم والمطهرات، أصبحت عمليات البتر ضرورات قاتمة يتم إجراؤها على أرضيات المستشفى".
وتواصل قوات الاحتلال عدوانها برا وبحرا وجوا على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 45,854 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 109,139 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا محاصرين تحت أنقاض المنازل المدمرة.