خبر حقيقة كل خلاف في مساره.. إيران ..منير شفيق

الساعة 01:08 م|07 يوليو 2009

 

ـ العرب القطرية 7/7/2009

عندما ينشأ صراع سياسي أو فكري أو تنظيمي داخل حزب أو حركة أو دولة أو منظمة أو جماعة موحدة، لا يعبر في مقولاته الأولى -لاسيما من جهة الطرف الذي بدأ ينقد، أو يختلف مع الموقف العام جزئيا- عن كل أبعاده أو النهايات التي سيصل إليها.

أحيانا قد يكونه هو نفسه غير مدرك إلى أين سينتهي، وأحيانا يكون مدركا ولكن لا يمكنه تأسيس نقده أو اختلافه وفقا للنهايات، وإنما سيبدأ بتناول قضايا فرعية أو جزئية أو تنظيمية ليحشد معه رأيا قويا من الداخل.

ولهذا لا يمكن أن يحكم على خلاف آخذ بالتبلور وفقا لأطروحاته الأولى التي سوف يطويها النسيان لتتشكل مكانها سياسة وممارسة لاحقة، تختلفان جوهريا. ومن هنا يكون الخلاف في بدايته عبارة عن زاوية حادة تجعل ضلعيه قريبين جدا من بعضهما، ولكن مثل ضلعي كل زاوية حادة حين يمتدان كل باتجاهه ستجد الفرجة تتسع، فيتباعد الضلعان عن بعضهما حتى لا يبقى أثر من تلك الزاوية الحادة.

بل إن قراءة حقيقة الخلافات لا تكون دقيقة ومعبرة في بادئ الأمر لأنها تكون قد غطت نفسها -عن وعي أو من دون وعي- بـ "الإصلاح" أو "التصحيح" أو "النقد الذاتي"، لتبدو الأطروحات الجديدة أشد إخلاصا وولاء للحزب أو الحركة أو الدولة أو المنظمة أو الجماعة. وهذا ما يدفع الكثيرين من البسطاء أو ممن لهم ملحوظات أو اعتراضات إلى الانضمام لدعاة "الإصلاح" أو "التصحيح" أو "النقد الذاتي". فضلعا الزاوية الحادة لا يمثلان فراقا عميقا، في بدايات الصراع، سوف يؤدي إلى المساس بالأسس والمنطلقات والمبادئ الأولى.

تلكم هي التجربة العالمية والتاريخية ذات السمة العامة في كل الحالات، والأمثلة كثيرة تكاد لا تحصى. إنه القانون الحاكم لكل الانشقاقات الكبرى التي عرفها التاريخ السياسي والفكري والاجتماعي. فالأمور تبدأ صغيرة وجزئية ثم تنتهي إلى ظواهر مختلفة جوهريا بما يصل حتى إلى العقيدة والمنطلقات والجذور.

إن تجربة روسيا والصين خلال الربع الأخير من القرن العشرين تظهر إلى أين انتهى الخلاف الذي عبر عنه غورباتشوف، أو يلتسين، أو تنغ تشاو بينغ، أو كيف تجلى الخلاف في التجربة الناصرية بين القادة بعد رحيل جمال عبدالناصر، فالزاوية الحادة التي بدأ منها أنور السادات انتهت بضلعيها إلى افتراق جوهري.

الاختلافات التي عرفتها حركة فتح في السبعينيات بدأت من زاوية حادة، ولكنها انتهت إلى قطيعة مع المنطلقات والأسس، وما كانت لتبدو كذلك في تجلياتها الأولى. ومثل ذلك حدث في تجربة الخلاف مع ياسر عرفات في أثناء حصاره.

من يمتلك هذه المعرفة المنهجية لا يستطيع أن يعتبر ما اندلع من صراع بين مير حسين موسوي ومحمود أحمدي نجاد قبل الانتخابات مجرد صراع داخلي في العائلة، ولا يحمل أبعادا تتعدى مجرد الإصلاح والتصحيح وبعض السياسات الداخلية والخارجية هنا وهناك. ولكن اتجاه الإصلاحيين قد ذهب إلى تحدي نتائج الانتخابات في الشارع، ثم إلى عدم الاعتراف بشرعية نتائجها، بعد أن أكدها مجلس صيانة الدستور والمرشد الإمام السيد خامنئي، اتسعت الزاوية الحادة بسرعة هائلة وتباعد ضلعاها، فلم يعد يستطيع أحد أن يصورها صراعا داخل العائلة أو داخل نظام الجمهورية الإسلامية.

من يدقق منذ البداية في أطروحات الإصلاحيين الذين مثلهم مير حسين موسوي -عدا من التقوا معه تقاطعا أو عن حسن نية- يمكنه أن يشتم روح الانشقاق، أو الإعداد له، من خلال الحدة التي عبرت عنها المساجلات التلفزيونية، أو الترميز للحملة الانتخابية للموسوي باللون الأخضر الذي يستطيع أن يوحد مَن تحته، رغم تنوعاتهم واتجاه كل جماعة منهم. فقرار عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا لم يفز بها مير حسين موسوي اتخذ منذ اللحظة الأولى. فقد أريد للانتخابات الأخيرة ألا تكون جولة من الجولات بين التيارات المختلفة والمنتمية للإطار العام للجمهورية الإسلامية، وإنما أن تكون نقطة الحسم والذهاب بالصراع إلى منتهاه، الأمر الذي فاجأ كثيرين داخل جبهة مير حسين موسوي ممن لهم اعتراضاتهم وخلافاتهم، ولكن لا يريدون الانشقاق، وكذلك داخل جبهة المؤيدين لنجاد ممن لم يتوقعوا من جبهة موسوي أن تذهب إلى ما ذهبت إليه.

وبهذا لا يكون الصراع مجرد خلاف على صلاحيات أو سياسات جزئية، وإنما هو صراع سياسي ضد الخط بأكمله الذي يمثله الإمام خامنئي، وما نجاد إلا أحد تعبيراته، وهو صراع حول الموقف من فلسطين، بل من الأسس التي أرساها السيد الخميني رحمه الله للثورة وللجمهورية الإسلامية. إنه صراع حول الموقف من أميركا والغرب ومن دور إيران ومستقبلها. ومن هنا نفهم أيضا موقف الغرب والكيان الصهيوني من ذلك الصراع.