خبر حول الانسحاب الأمريكي من العراق .. هآرتس

الساعة 08:25 ص|06 يوليو 2009

بقلم: يعقوب عميدرور

الخطوة التي اقدم عليها جيش الولايات المتحدة الامريكية باخلاء مدن في العراق كمرحلة اولى في الانسحاب الشامل الذي سينتهي خلال عامين، تذكرنا بخطوة السيد ايهود باراك في لبنان أحادية الجانب. الخطوتان في العراق وفي لبنان كانتا ثمرة قرار لا يأخذ بالحسبان ما يحدث على الأرض والضرورات المحلية – وانما نتيجة الالتزام السياسي من خلال وعود انتخابية. القرار الذي ينطوي على استجابة لاماني الناخبين هو ليس بقرار يقوم على التفكير الموضوعي البارد والمحسوب جيدا.

السؤال الاكبر هو ما الذي ستتمخض عنه هذه الخطوة: ماذا سيحدث في العراق في السنوات القادمة عندما تواجه قوات الامن العراقية المدربة على يد الامريكيين تحديات تضع أمامه قوى داخلية ذات أفكار وتأثير من الخارج؟ هل ستنجح قوات الأمن المحلية وأغلبيتها من الشيعة (الشيعة هم اكثر من 60 في المائة من مجموع السكان في العراق ولا غرابة من خلال ذلك انهم لب الائتلاف الحاكم في العراق) في مواجهة التنظيمات الشيعية المتطرفة بصورة حازمة؟ في السابق كان هذا تحديا غير بسيط للجيش الامريكي.

من الناحية الاخرى هل ستنجح القوى التي هي شيعية في اغلبيتها بفوز بثقة المواطنين القيادات العربية السنية؟ السنة هم أقلية في العراق ولكنهم اقلية تشعر انها قد استلبت الزعامة والصدارة التي كانت بيديها طوال كل التاريخ الاسلامي. التحاق قادة هذه الاقلية بمساعي الجيش الامريكي في منطقة حساسة غربي بغداد أدى الى انخفاض ملموس في قدرات اطراف القاعدة العاملة في المنطقة. هل يمكن للادارة الشيعية ان تحافظ على هذا الانجاز من دون تدخل امريكي. الجانب المقلق الاخر هو كيفية رد سوريا وايران على الانسحاب الامريكي. هل سينتظرون التنفيذ الكامل ام انهم سيستغلون من الان ضعف الحكومة العراقية ويقدموا المساعدة للاطراف التي تلحق الضرر باستقرارها؟ وهل سترى اندفاعا من اطراف مؤثرة ايرانية نحو المجتمع الشيعي ام ان المسافة التاريخية بين الطائفتين الشيعية في ايران والشيعية في العراق ستبقى على مبدأ التشابه والاختلاف الدارج؟

وسوريا – هل ستعود الى عصيانها وتسمح بمرور المتطوعين المتطرفين من ارجاء العالم من اجل تعزيز قوة الجهاد العالمي في العراق ام انها ستتيح للدولة المجاورة بناء مؤسساتها وتعزيز قواها؟

الاكراد هم بمثابة احجية غامضة. لديهم اليوم حكم ذاتي واسع في المناطق الشمالية التي يشكلون فيها اغلبية حاسمة ولديهم عقود على النفط الذي سينقل من مناطق تحت سيطرتهم الى تركيا مباشرة مع دفع المال وبالاساس الضريبة الكلامية للحكم المركزي في بغداد الذي يشاركون به. هل سيستغلون الوضع لترسيخ استقلالهم التام ام سيبقون في الاطار القائم ويحسنوا من مواقعهم فقط. بما في ذلك تحقيق انجازات في المناطق الغنية بالنفط التي يوجد جدل بصدد مدى كونها "كردية"؟

ليس هناك جواب على كل هذه الاسئلة وغيرها. باستثناء الانسحاب خلال فترة محددة لن يبلور الامريكيون مسارا يتضمن خطة مستقبلية للعراق. الامريكون يعتمدون في هذه المسألة على رئيس وزراء العراق وعلى حكومته. هم يعتقدون ان القوة العراقية التي بنوها بجهد جهيد بعد حل الجيش القديم ستكفي لمكافحة الاطراف الارهابية داخل العراق وان كل الشرائح السكانية مصلحة في الحفاظ على الهدوء وازدهار الدولة.

ولكن الامر ينتهي عند هذه النقطة ولا مزيد. حتى ان كان هناك مبرر لشعور الامريكيين المتفائل، يبدو انهم لا يأخذون بالحسبان واقع العراق المعقد اليوم. صحيح ان مظاهر فرح ظهرت لرحيل الامريكيين وانسحابهم من المدن وان اغلبية العراقيين ترغب بالهدوء والسكينة. ولكن يتوجب أخذ أقلية راديكالية بالحسبان التي هي صغيرة الا انها ذات تصميم كبير جدا سواء في الجانب السني او في الجانب الشيعي وهذه القوة قد تدفع بكافة الاطراف لاماكن لا يرغب اغلبية المواطنين الراغبين بالخير بها وبسببهم قد يغرق العراق في حالة من الفوضى.

من الواضح من وجهة النظر الاسرائيلية في ظل الوضع الجديد الاخذ في التبلور مع انسحاب الامريكيين، بان الهدوء الذي بدا واعدا عندما كانت قوة أمريكية ترابط شرقي المملكة الاردنية، ليس مضمونا للابد. من الممكن توقع مجريات سيئة لاسرائيل وأمنها عندما تسيطر اطراف راديكالية على العراق او تؤثر على سياسته. هذه ليست "الجبهة الشرقية" بعد كما كانت في الماضي ولكنها لا تشبه ايضا واقع انتشار قوة امريكية عند خاصرة اسرائيل الشرقية. الواقع المغاير يقلق الاردن ايضا بالتأكيد ومن الواضح ان كل ضعف لدى جارتنا الاردنية سيترجم الى مشكلة تواجه دولة اسرائيل عند حدودها بين ايلات وبحيرة طبريا.