خبر حوارات القاهرة الفلسطينية: ملاحظات حول الفشل المنظم ..بلال الحسن

الساعة 02:23 م|05 يوليو 2009

ـ الشرق الأوسط 5/7/2009

أصبح الفشل كلمة موازية لمفاوضات الحوار الفلسطيني في القاهرة. ففي كل شهر أو شهرين، تنعقد جولة من جولات المفاوضات، ويقول الإعلام بأن هذه الجولة ستكون الجولة النهائية، ثم تبدأ الجلسات، وتبرز الخلافات، ويتدخل الوسيط المصري مهددا ومنذرا ومذكرا بمخاطر الفشل، إلى أن يتم الإعلان في النهاية عن جولة مفاوضات جديدة ستبدأ بعد شهر أو أقل. كان هدف المفاوضات حل الخلافات بين حركتي «فتح» و«حماس». وكان هدف المفاوضات صياغة اتفاق تفاهم ما يمكن بعده أن تأتي أموال المساعدات للبدء بإعادة إعمار قطاع غزة، ومعالجة جريمة الحرب الكبرى التي خلفتها إسرائيل هناك. أما مع الوقت، ومع تكرار الاجتماعات، فقد أصبح الهدف هو أن تستمر، وأن لا تنقطع، وأن لا يتم إعلان أنها فشلت، مع أنها تفشل في كل شهر مرة.

وهنا لا نستطيع إلا أن نلاحظ، أن لهذه الاجتماعات صداها العربي المقرر. وعند الجولة الأخيرة انعقدت سلسلة من اللقاءات العربية. لقاء في جدة جمع الرئيس حسني مبارك مع الملك عبد الله. ولقاء في شرم الشيخ بعد أيام قليلة فقط جمع الرئيس حسني مبارك مع الملك عبد الله، وانضم إليهما ملك البحرين. وقبل ذلك أرسلت السعودية مستشار الملك عبد الله إلى دمشق، وسط أنباء متتالية تقول إن القاهرة والرياض تتشاوران باستمرار حول مضمون ومجرى المفاوضات الفلسطينية في القاهرة. ينم هذا الجهد العربي عن الاهتمام أولا، ولكنه ينم أيضا عن اهتمام دولي بالمفاوضات الفلسطينية، ربما كانت رسائله ومطالبه تتم عبر العواصم العربية. وبهذا يكون الموضوع الفلسطيني، من التسوية السياسية إلى تعمير غزة، قضية دولية بامتياز، كما هو قضية عربية بامتياز.

وإذا كان كل هذا الاهتمام يتم حول الحوارات الفلسطينية، فلماذا إذا تفشل بهذا الشكل المتكرر؟ لن نتحدث هنا عن العوامل الفلسطينية، وهي موجودة بالتأكيد، وسنكتفي للحظة بالقول إن الوضع الدولي لم ينضج بعد، بحيث يعطي إشارة الانتقال إلى الاتفاق. لا يعني هذا أن الأمور تتحرك دوليا بالإشارة على طريقة الروموت كونترول، بل تعني أن الأطراف المحلية، الفلسطينية منها والعربية، تراقب الدبلوماسية الأميركية، وتلاحظ أنها لن تبدأ تحركها في الشرق الأوسط إلا في شهر آب المقبل، (ربما بعد انتهاء فترة الإجازات العالمية)، وهي تؤجل الوصول إلى نقطة الاتفاق حتى ذلك الحين، لعلها تستفيد من الوقت لصالح أجندتها الخاصة أكثر فأكثر، عبر التمنع، أو عبر الضغوط المادية المباشرة.

لنأخذ قضية الاعتقالات كمثال واضح على ذلك، فهذه الاعتقالات التي تجري في الضفة الغربية ضد أعضاء حركة «حماس»، تنشط بشكل ملحوظ قبل بدء جولة من جولات الحوار. ولا يغيب عن الأذهان هنا أن الاعتقالات تستعمل كوسيلة ضغط على الطرف الآخر لعله يرضخ ويقبل ما يريده الطرف المقابل. وحين يتصاعد صوت الاحتجاج على الاعتقالات في حوارات القاهرة، لا يتورع شخص من نوع عزام الأحمد مثلا عن القول بأن الاعتقالات ستستمر إلى أن يتم حل موضوع الانقسام، وبعد انتهاء الانقسام فقط، نبحث حل مشكلة الاعتقالات. وبسبب ذلك يحتدم الجدل حول موضوع الاعتقالات بين الطرفين المتحاورين، «فتح» و«حماس»، من دون أن يرى الوسيط الأكبر بينهما، أنه من المفيد أن يرفع صوته للضغط باتجاه وقف الاعتقالات أو التخفيف منها على الأقل.

وإذا كانت الأمور تجري مطولا بين حركتي «فتح» و«حماس»، فأين هي المنظمات الفدائية الأخرى؟ ما هو موقفها وما هو دورها؟ والغريب هنا أن الجواب على هذه الأسئلة ليس إيجابيا، بل ربما كانت فيه جوانب سلبية مزعجة، فالجبهة الديمقراطية مثلا، وكنموذج على مواقف اليسار، لا تنثني تنتقد الحوارات بين «حماس» و«فتح»، وتعتبرها حوارات محاصصة ثنائية، وهي تطالب بحوار وطني شامل لا يحمل أي مضمون سياسي جديد، سوى أن المحاصصة بين تنظيمين تصبح مقاسمة بين عشرة تنظيمات، وتنال الجبهة الديمقراطية منها قسمتها الصغيرة. وهكذا يتدرج موقف الديمقراطية كما يلي:

أولا: مدح دور الراعي المصري، لأن هذا المدح هو شرط من شروط البقاء ضمن الصورة، مع أن الراعي المصري هو الذي يرعى ويقترح كل ما تنتقده الجبهة الديمقراطية.

ثانيا: إعلان رفض وجود قاعدتين للانتخابات (قاعدة النسبية، وقاعدة القوائم)، لأن النسبية هي المدخل الوحيد لكي تستطيع الديمقراطية أن تنال مقعدا وحيدا لها في المجلس التشريعي، وإذا ألغيت قاعدة النسبية، سيضيع ربما حتى هذا المقعد الوحيد.

ثالثا: تطالب الديمقراطية بإلغاء ما يعرف بنسبة الحسم، وهي 4%، حتى يحق لأي قائمة أن تنال بعض المندوبين. ربما بسبب خوفها؛ هي وسواها من الفصائل التي فقدت صلتها مع الجمهور الفلسطيني، أن تحصل على نسبة الحسم هذه في أي انتخابات مقبلة، فتخسر مندوبها الوحيد في المجلس التشريعي.

وإذا كانت هذه هي اقتراحات الديمقراطية لتجاوز المحاصصة التي تنتقدها بين تنظيمين كبيرين، فإن المقاسمة التي تقترحها بين عشرة تنظيمات ليست أفضل حالا. وبخاصة إذا لاحظنا أن اقتراحات الديمقراطية أصبحت تخلو تدريجيا من الاقتراحات السياسية، وهي التي اعتادت أن تجعل من نفسها منظرا كبيرا في هذه القضايا، واختارت بدلا من ذلك، أن تلتحق بالسلطة الفلسطينية، وأن تقف مساندة لمواقفها السياسية، سواء على صعيد الرئاسة أو على صعيد رئيس الحكومة سلام فياض. ويقود هذا كله إلى القول بأن أي محاولة للاعتماد على منظمات اليسار من أجل أن تلعب دورا فلسطينيا توفيقيا اعتادت عليه، قد بات أمرا من الماضي، فهذه الفصائل لم تعد معنية إلا بمكاسبها التنظيمية، وباتت تتساهل بمواقفها الفكرية والسياسية من أجل تلك المكاسب.

وهناك ظاهرة أخرى برزت ولا تزال تبرز في حوارات القاهرة، تلك التي تتعلق بتطبيق (خطة خارطة الطريق) التي وضعت عام 2002. فما إن تتجه الوفود إلى القاهرة للحوار، حتى تصدر التصاريح المتوالية مشيدة بالتزام السلطة الفلسطينية بخارطة الطريق، وماضية قدما في تطبيق بنودها. والبند الأول في خارطة الطريق يدعو إلى (ضرب الإرهاب)، أي ضرب المنظمات الفدائية التي تقاوم الاحتلال، على أن تقوم إسرائيل في الوقت نفسه بوقف الاستيطان. وما ينساه مسؤولونا الكبار هنا ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن المفاوض الفلسطيني سبق له وقال إنه يوافق على خطة خارطة الطريق، في سياق أن إسرائيل استنكفت عن القبول علنا ببنود تلك الخطة. وكان موقف عدم الموافقة الإسرائيلية، يعفي الجانب الفلسطيني من تبعات الموافقة على الخطة.

الأمر الثاني: أن آرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل في حينه، رفض علنا الموافقة على الخطة، وقال علنا أيضا إن لدى إسرائيل أربعة عشر تحفظا عليها.

الأمر الثالث: أن قيادة السلطة الفلسطينية، عادت فجأة، ومن خلال خطة أمنية يشارك بها الجنرال دايتون، إلى البدء بتنفيذ خطة خارطة الطريق من طرف واحد. وترجمت التنفيذ بعملية اعتقالات تجري في الضفة الغربية منذ أشهر تحت شعار ضبط الأمن، وتحت شعار أن السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح السلطة، وسلاح الأجهزة الأمنية، بينما بدأ الجنرال دايتون يقول في محاضرات رسمية «إن الأمن هو طريق السلام».

إن هذا كله يجري التذكير به، عبر التصريحات، أو عبر الاعتقالات، عند كل جلسة من جلسات الحوار، لتذكير المتحاورين أن هذا هو المضمون الذي لا بد من اعتماده لإنجاح الحوار، وإلا فإن الحوار سيمتد شهرا آخر، ثم شهرا آخر، وتبقى غزة محاصرة.

نسأل هنا.. هل يستطيع طرف فلسطيني، وإزاء أربعة عشر تحفظا إسرائيليا، على خطة خارطة الطريق، أن يصوغ ضدها تحفظا واحدا فقط؟

ونسأل هنا.. هل يضمن المفاوض الفلسطيني أن إسرائيل ستتراجع عن تحفظاتها الأربعة عشر، بعد أن يطبق الطرف الفلسطيني كل ما يترتب عليه؟

تحوم هذه الأسئلة وغيرها في أجواء الحوار الفلسطيني في القاهرة، وتحوم في أجواء الاتصالات العربية المعنية بهذه الحوارات.

والأسئلة هنا كثيرة كثيرة، ولكن الإجابات حولها قليلة قليلة.