تسبب العدوان الإسرائيلي باختفاء البضائع الأساسية من أسواق قطاع غزة، وفي مقدمتها الملابس، نتيجة الإغلاق التام للمعابر، وتشديد الحصار منذ سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري في بداية شهر مايو الماضي، مع منع دخول البضائع أو المساعدات.
ونزح سكان القطاع تحت القصف والأحزمة النارية وفي ظل التهديدات المتكررة، والغالبية منهم غادرت منازلها من دون اصطحاب ملابس كافية، على اعتبار أن أمد الحرب لن يطول، لكن حلول فصل الشتاء كشف عمق الأزمة.
لم تتمكن الفلسطينية ياسمين شقليه من توفير ملابس شتوية لأطفالها الثلاثة من جراء النقص الحاد في الملابس داخل قطاع غزة منذ بداية الحرب قبل 13 شهراً، وتوافر أصناف محددة بأسعار باهظة لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية المتردية لغالبية سكان القطاع الذين خسروا مصادر دخلهم.
تقول الأربعينية شقليه، إنها غادرت بيتها في الأيام الأولى من العدوان بالملابس الصيفية التي كان يرتديها أطفالها، ثم اضطرت إلى النزوح مجدداً نحو المحافظات الوسطى إثر التهديدات الإسرائيلية بضرورة إخلاء مدينة غزة، ولم تتمكن من الحصول على أي ملابس جديدة لها ولأطفالها من جراء الشح الشديد في الأسواق.
تضيف: "عشنا خلال الشهر الأول من النزوح في منزل أحد أقارب زوجي، ثم اضطررنا إلى تركه بفعل الضيق الشديد نحو خيمة قمنا بإنشائها في منطقة المشاعلة غربي مدينة دير البلح، ما زاد من تعقيد الأزمة بفعل البرودة الشديدة داخل الخيام البلاستيكية القماشية، خاصة في ساعات المساء التي تشهد أجواء باردة في القطاع".
بدورها، تصف النازحة سعاد الدربي حجم المعاناة التي تكبدتها برفقة أسرتها خلال مرات النزوح المتكرر بفعل نقص مختلف المواد الأساسية، وأولاها الملابس الشتوية، والتي غابت بشكل شبه كامل عن المحال التجارية والبسطات الشعبية، فيما لا تقدم الجمعيات أو المؤسسات الخيرية أيًّا من الملابس أو الأغطية.
وتقول الدربي لـ: "بحثت كثيراً عن ملابس شتوية لأطفالي، لكني لم أجد سوى بعض الأصناف الرديئة المعروضة بأسعار تصل إلى أكثر من خمسة أضعاف سعرها الطبيعي، على الرغم من أنها تمت صناعتها من أقمشة صيفية، أو من أقمشة الأغطية ذات الجودة المتردية. واجهت ذات الأزمة في الملابس الصيفية، لكني استطعت التغلب عليها عبر شراء الملابس المستعملة من (سوق البالة)، لكني لم أتمكن من إيجاد ملابس شتوية في المحال أو البسطات التي تبيع الملابس الجديدة أو حتى المستخدمة".
وأدت مجموعة أسباب إلى النقص الشديد في الملابس الشتوية، أولها الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، والقصف المتكرر للبنايات والمنشآت التي تضم المحال التجارية ومصانع الخياطة والمخازن، إلى جانب التهجير القسري لمئات آلاف الفلسطينيين، والذي أدى إلى تكدسهم في مناطق محددة، بالتزامن مع الشح الشديد في الملابس التي من شأنها تغطية احتياجاتهم المتزايدة".
يقول الفلسطيني إيهاب نصار، إن الأزمات التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم تستثن أي جانب من جوانب الحياة اليومية، وعلى وجه التحديد تلك التي تمس بشكل مباشر احتياجات المواطنين، وقد وصل الأمر إلى حد وجود نقص كبير في الملابس والأغطية والأحذية وغيرها من المتطلبات الشخصية.
ويوضح نصار أن "النقص الحاد القائم يرجع إلى استمرار الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، والذي يهدف إلى التنغيص على المواطنين في كل تفاصيل حياتهم اليومية، ويتزامن ذلك مع الغلاء الشديد بفعل شح المعروض، إذ يفتح النقص مجالاً واسعاً لاحتكار البضائع الشحيحة، ورفع أسعارها إلى أضعاف مضاعفة لاستغلال الحاجة الماسة إليها".
يتابع: "أزمة النقص الحاد في الملابس الشتوية تتصاعد بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة، والتحديات الكبيرة التي تواجه الفلسطينيين داخل الخيام ومراكز ومدارس النزوح، كما تتزامن مع الأزمة الاقتصادية الحادة، ونقص المساعدات الإنسانية، وكذلك تراجع تقديم المعونات العينية للنازحين، ومن بينها الملابس الموائمة للأجواء الباردة".
ويسعى بعض أصحاب محال الخياطة إلى توفير بدائل رغم الإمكانات المحدودة من جراء انقطاع التيار الكهربائي، وعدم القدرة على تشغيل ماكينات الخياطة، سوى بالطرق اليدوية البدائية، إذ يتم استخدام أقمشة الأغطية أو الأقمشة المخصصة للفرش المنزلي في صناعة الملابس الشتوية، لكن تلك الملبوسات لم تثبت نجاعتها في الوقاية من البرد، فضلاً عن كون أسعارها مرتفعة، ما يجعلها خياراً غير مفضل بالنسبة لكثير من أهالي قطاع غزة.
المصدر: "العربي الجديد".