خبر سيادة لايت في القدس -هآرتس

الساعة 09:13 ص|05 يوليو 2009

بقلم: تسفيا غروس*

 (المضمون: ان لم يتمسك الاسرائيليون والفلسطينيون في المفاوضات حول القدس بمبدأ السيادة الكلاسيكي وقبلوا بالسيادة الحديثة المشتركة فان التسوية ستكون أسهل بكثير - المصدر).

كل مداولات حول تسويات سياسية محتملة بين اسرائيل والفلسطينيين عموما وفي القدس والاماكن المقدسة خصوصا، يصطدم بطبيعته بقضية الحفاظ على السيادة التي يتطلع اليها كل جانب. الامر يتعلق هنا بالجانب العاطفي من المشكلة والذي يمس بالقيم العليا القومية، اكثر من كونه يتعلق بالجانب الامني او السياسي من السيادة. لهذا السبب من المهم ان يتضمن أي نقاش حول القضية توضيحات حول مغزى مصطلح السيادة في أيامنا، والاثار التي يتركها التغير الحاصل في هذا المصطلح على الحل المقترح.

التعريف الكلاسيكي لمفهوم السيادة الذي بدأ منذ  القرون الوسطى، يتحدث عن أنه يعني الحق الأوحد بمصدر الصلاحيات، والذي هو صاحب السيطرة المطلقة والعليا على المساحة المحددة وعلى الشعب القاطن، ومن دون ان تخضع هذه المرجعية الى اي طرف اخر. المرجعية تتضمن صلاحيات التطبيق القانوني نحو الداخل ونحو الخارج وهي ذات طابع احتكاري. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأ مصطلح السيادة يتطور ويجتاز تغيرا تدريجيا يتواصل حتى يومنا هذا. رؤيته الجديدة تتيح وجود نماذج معقدة مثل الوصايات التي تدار من قبل طرف ثالث، والسيادات المشتركة وبالتحديد توزيع الصلاحيات، وتنبع بالاساس من تطور العلمنة والالتزام المتزايد بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية.

النموذج البارز جدا على هذه الرؤية الجديدة هو واقع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي من الناحية الساسية. الدولة العضوة في الاتحاد تملك الاستقلالية في قراراتها في كل ما يتعلق بأمنها مثلا، ولكن ليس بالنسبة للعملة الدارجة او السياسة الاقتصادية والاجتماعية. هذه السياسات تتحدد من قبل الاتحاد عموما. اي ان الدولة تنازلت عن جزء من قواها "لصالح الخارج" وانشأت نموذج "تقاسم القوى".

فهل ينتقص ذلك من سيادة الدولة الاوروبية؟ الجواب هو نعم من خلال المنظور الكلاسيكي، ولكن الرؤية الحديثة تنظر للامر بصورة اخرى: كل دولة منفصلة تبقى على حالها، حتى ان تقاسمت جزءا من صلاحياتها مع اطراف خارجية. المثال الاخر على التغير الحاصل في مصطلح السيادة موجود في مجال الخضوع للقانون الدولي سواء كان الرسمي منه والمكرس من خلال الاتفاقيات والمواثيق الدولية، من رقابة السلاح حتى حقوق الانسان، او القانون الدولي الدارج المكرس من خلال تقاليد دولية اجماعية. ذلك لانه ما يبدو ان كانت الدولة خاضعة لمعايير فرضت في الاسرة الدولية وليس في برلمانها الخاص فان ذلك يمثل تناقضا مع مصطلح السيادة المطلقة. بالمناسبة، هناك من يرون ميول الخصخصة داخل الدولة نفسها واعطاء صلاحيات سلطوية لجهات خاصة، نوعا من تقليص سلطة الدولة المطلقة، بروحية "السيادة الحديثة". وهذا مرة اخرى من خلال الافتراض بان التحديات الحالية لا تتيح للدولة حل كل المشاكل وحدها. هناك حاجة للتعاون وتقاسم القوى سواء مع اطراف خارجية او اطراف داخلية.

وفقا للرؤية الجديدة، يعتبر من الشرعي اذا التوصل الى اتفاقيات تنطوي على تقليص في مفهوم السيادة بمفهومها التاريخي، ومع ذلك سيبقى امامنا كيان يعتبر سياديا ومستقلا. المثال على ذلك نجده في دولة ميكرونيزيا وجزر المارشال وبلاو، التي حظيت بالاستقلال ومكانة الدولة ولكنها بقيت في نفس الوقت خاضعة لشروط اساسية في اقامتها وخاضعة للتنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة في قضايا الامن والخارجية. اضف الى ذلك ان نظريات ابداعية حديثة معينة تشير الى امكانية تقليص اهمية عامل المساحة حيث يتم التعبير عن رموز السيادة من خلال عوامل وظيفية ورمزية.

جوهر التغيير في النظرة الجديدة يكمن في أن مطلب السيادة المطلقة كان في الماضي وفق مبدأ "كل شيء او لا شيء" اما اليوم بامكان السيادة ان توافق على وجود مرجعيات مختلفة بل وخارجية رغم انها هي المرجعية العليا في داخل المساحة الجغرافية المحددة. كيف يرتبط كل ذلك بالتسويات المستقبلية المحتملة في منطقتنا؟ قضية السيادة قد تشكل بطبيعتها العاطفية حجر عثرة امام المفاوضات حول التسوية بصدد الاماكن المقدسة وما يدعى "الحوض التاريخي" في القدس، اثر رغبة كل جانب بالحفاظ على مكانة السيادة في تلك المنطقة. من هنا هناك اهمية لتطور النظرة الحديثة للسيادة يرقى الى المقام الاول.

صحيح ان من الصعب تخيل سيادة ضمن مفهومها الآخذ في النشوء من دون موافقة الدولة او الكيان المنخرط في هذه النماذج الجديدة، ان اعتبرت هذه الدولة ذلك مساسا بتطلعاتها الوطنية. ولكن شرعية النماذج الجديدة تحديدا باعتبارها ذات مرساة فكرية قائمة على الرؤى الحديثة في العلاقات الدولية، قد يتيح التوصل الى تسويات خلاقة. وبذلك سيسهل هذا النهج قانونيا وسياسيا وسيكولوجيا بلورة حل من دون الخشية من عدم توافقه مع مصطلح السيادة بالنسبة لاي طرف في التسوية.

الافتراض هو ان كل تسوية بصدد الحوض المقدس في القدس ستتضمن تحقيق التطلعات التاريخية والعاطفية للشعبين. ضمن هذا الافتراض يمكن لكل جانب أن يواصل التمسك بادعاء السيادة وان يوافق في نفس الوقت على تطبيق المعايير المستمدة من الرؤية الحديثة للسيادة مثل تقاسم الصلاحيات او السيادة المشتركة الامر الذي يمكنه ان يكون برنامجا فكريا للتسويات الخلاقة والبناءة سواء في القدس او عموما.