خبر القيادة الإسرائيلية استحضرت شعار « يهودية الدولة » لتقويض أفق قضية فلسطين

الساعة 01:00 م|04 يوليو 2009

فلسطين اليوم: وكالات

لماذا بات القادة الإسرائيليون يلوِّحون بلافتة "يهودية الدولة"؟ وما هي الخلفيات التاريخية والملابسات الظرفية التي يصدر عنها هذا الموقف المتنامي؟ وكيف تبدو مراميه وما هي انعكاساته وتداعياته؟ وما هي الخيارات المتاحة فلسطينياً وعربياً لمواجهته والتعامل معه؟

للإجابة على هذه الأسئلة الكبرى المطروحة في أفق الموقف الفلسطيني والعربي الراهن؛ يتصدى تقرير تحليلي أصدره اليوم السبت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ومقره بيروت.

"يهودية الدولة" .. بداية القصة وأطوارها

من الناحية التاريخية، كما يشرح التقرير التحليلي؛ نظر المؤسسون والقادة والمنظرون الإسرائيليون، باستمرار، إلى دولتهم على أنها "دولة يهودية". وحتى قبل التأسيس كان الهدف المركزي لقادة الحركة الصهيونية السعي من أجل "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، وعلى هذا الأساس انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا سنة 1897.

وعلى هذه الخلفية صدر وعد بلفور سنة 1917، وحتى قرار التقسيم الشهير 181 الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، تحدث هو الآخر عن دولة يهودية على نحو 55 في المائة من أرض فلسطين، إلى جانب دولة عربية.

وكذلك، فقد تضمن اتفاق الهدنة الذي جرى توقيعه بإشراف الدول الكبرى، ومن ضمنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التعامل مع خط وقف إطلاق النار على أنه "حدود إسرائيل"، مع أنه أضاف حوالي 21 في المائة من الدولة العربية الواردة في قرار التقسيم إلى الدولة اليهودية. وتجاهلت هذه القوى أيضاً عمليات الطرد الجماعي التي لحقت بالعرب الفلسطينيسن، سواء من داخل المنطقة المخصصة لليهود أو تلك المحددة للعرب.

وهكذا منذ تأسيسها؛ تعاطى الكيان الإسرائيلي منذ قيامه مع نفسه كدولة "يهودية ديموقراطية". ولم يكن تقديم الصفة اليهودية على الديموقراطية عبثاً، فهي دولة يهودية بالنسبة للفلسطينيين وديموقراطية لليهود فقط. وجرت عملية ترجمة هذا الأمر عبر حزمة من القوانين؛ أهمها قانون العودة الذي أعطى الجنسية الإسرائيلية لليهودي بمجرد أن تطأ قدماه أرض فلسطين.

وإزاء ذلك؛ فإنّ "التفهّم" الأمريكي والأوروبي لفكرة الدولة اليهودية، جاء كتعويض عمّا جرى لليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، وإن كانت لذلك خلفيات هامة من المصالح الاستعمارية والاستراتيجية.

غير أنّ المفهوم الغربي للدولة اليهودية لا ينطبق بالضرورة مع المفهوم الصهيوني لها. فقد أرادها الصهاينة دولة مفتوحة ليهود العالم يأخذون الجنسية متى وطأتها أقدامهم، ودولة ذات طبيعة وقوانين عنصرية تضمن مزايا خاصة لأتباع دين مُعيَّن، بما يخالف القوانين الدولية والقيم والمبادئ المتعارف عليها وحقوق الإنسان، وهو ما لم تقصده بالضرورة كل الدول الغربية. كما لم تقصد الدول التي أيّدت قرار التقسيم إحداث عملية تطهير عرقي للفلسطينيين الذين سيقيمون في الدولة اليهودية الموعودة. إذ إن الدولة اليهودية في قرار التقسيم كانت ثنائية القومية، كان الفلسطينيون فيها أكثر من 49 في المائة، واليهود أقل من 51 في المائة. وكان الفلسطينيون سيتفوقون على اليهود عددياً في بضع سنين، لولا التطهير العرقي الذي قامت به العصابات الصهيونية، والذي خفض نسبة الفلسطينيين لأقل من 20 في المائة.

ومنذ الإعلان عن قيام الدولة الإسرائيلية سنة 1948؛ لم تتم المطالبة بالإقرار بيهودية الدولة، ربما لاعتبار القادة الإسرائيليين أنّ ذلك أمر مفروغ منه، وأنه مرتبط بالتعريف أو بالرغبة الإسرائيلية أولاً وأخيراً وليس بالقرار أو بالقبول العربي.

وبعد النكبة الثانية سنة 1967، عندما توسع الاحتلال الإسرائيلي ليشمل سيناء والضفة الغربية والجولان وقطاع غزة خلال ستة أيام، وتم فرض الهزيمة على ثلاثة جيوش عربية، ظهر الحديث لأول مرة عن مطالبة الدول العربية بالاعتراف فقط بـ"دولة إسرائيل"، في حين كان يجري العمل لفرض الهوية الـ"يهودية" كأمر واقع، عبر القوة والقهر.

وعلى الرغم من الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، إلاّ أنهم لم يتمكّنوا من تغيير تداعيات الحروب السابقة وإفرازاتها بشكل جوهري؛ بل على العكس، حيث صدرت القرارات الدولية لكي تؤكد القرارات السابقة، وتعطي "دولة إسرائيل" الحق بالمطالبة بحق الوجود، ضمن حدود آمنة، من غير التعرض إلى هوية هذه الدولة وطبيعتها.

وفي ظل أجواء حرب 1973؛ انطلقت عملية التسوية بين الجانبين الإسرائيلي والعربي؛ بدءاً بمصر، ثم الأردن ومنظمة التحرير. وخلال المفاوضات لم يطالب الجانب الإسرائيلي قطّ بالاعتراف بمسألة الدولة اليهودية، وذلك وفقاًً للقناعة الإسرائيلية الذاتية سالفة الذكر. ومع ذلك؛ وعلى الرغم من أنّ مسيرة التسوية قد انطلقت وفق أسس لا تتضمن فكرة يهودية الدولة، إلاّ أن هذه الفكرة أخذت تظهر في طريق التسوية حيناً وتختفي أحياناً أخرى.

وحتى العام 2003 لم يتم طرح فكرة "يهودية إسرائيل" على أجندة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، إلى أن حدث هذا الأمر لأول مرة بشكل علني ومباشر من قبل الرئيس جورج بوش في قمة العقبة في 25 أيار (مايو) 2003، عندما أعلن التزام واشنطن بما سمّاه "ضمان أمن إسرائيل" كدولة يهودية نابضة بالحياة، كتعبير واضح عن التبني الأمريكي للتحفظات الأربعة عشر للحكومة الإسرائيلية على خريطة الطريق.

ويبدو أنّ الجانب الاسرائيلي وضع تحفظاته للتهرب من استحقاقات قضايا "الحل النهائي"، وفي المقابل أعلن بوش ضمان بلاده لـ"أمن إسرائيل" بهذه الصّفة، أملاً بإعادة إطلاق مسار التسوية الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك على خلفية الخشية من مضاعفات "انتفاضة الاقصى".

ثم غاب مفهوم يهودية الدولة في ضباب السياسات الإسرائيلية أحادية الجانب، إلى أن عاد للظهور مجدداً مع ثلاثي الحكومة السابقة إيهود أولمرت، وتسيبي ليفني، وإيهود باراك، وذلك بعد فشل الأحادية وقناعة إدارة بوش ورايس بأنّ الطريق إلى بغداد والمنطقة تمر بالقدس وليس العكس.

وقد طرحت الحكومة الإسرائيلية السابقة مسألة "يهودية الدولة" خلال لقاء أنابوليس، ليس كشرط للتفاوض ولا حتى كشرط للاتفاق، وإنما لابتزاز التنازلات من الفلسطينيين، حيث تم حذف الإشارة إلى قضايا الوضع النهائي (القدس والحدود واللاجئين)، مقابل حذف الإشارة إلى الدولة اليهودية. علماً أنّ رئيسة طاقم التفاوض الإسرائيلي تسيبي ليفني سبق لها أنّ عبرت عن اعتقادها بأنّ "يهودية إسرائيل" أمر يتكرّس على أرض الواقع.

ومع وصوله إلى البيت الأبيض مطلع العام 2009، أكد أوباما سعيه لقيام دولة فلسطينية، وهو طرح لم يرق لنتنياهو القادم على رأس حكومة يمين إسرائيلية، ولذا جعل نتنياهو الإقرار الفلسطيني بـ"يهودية إسرائيل" شرطاً للتفاوض حول المسارات الثلاث الأمنية والاقتصادية والسياسية، قبل أن يتراجع عن ذلك، معتبراً أنه شرطٌ للوصول إلى اتفاق، أو للحل النهائي للصراع في فلسطين المحتلة، وفق رؤاه اليمينية الخاصة، المتمثلة بدولة فارغة من أي مضمون، وأقرب في الحقيقة إلى الحكم الذاتي الموسع.

لافتة "يهودية الدولة" .. المرامي والتأثيرات

أما بشأن الأهداف السياسية للتلويح بـ"يهودية الدولة"، والتداعيات التي تترتب عل ذلك؛ يشرح مركز "الزيتونة" أنّ الجانب الإسرائيلي يهدف، في الحد الأدنى، من طرح هذا الأمر على طاولة التفاوض، إلى انتزاع تنازلات فلسطينية في القضايا المركزية مقابل سحب موضوع "يهودية الدولة" من التداول، كما جرى خلال لقاء أنابوليس.

وإضافة لذلك، ثمة أهداف سياسية أخرى أهمها "إلحاق فلسطينيي 48 بالدولة الفلسطينية، مع إبقائهم في أماكن سكناهم الحالية في مقابل بقاء المستوطنات في الضفة الغربية"، وكذلك "شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي شُرِّدوا منها في العام 1948، على اعتبار أن لا منطق في عودة هؤلاء إلى الدولة اليهودية".

كما يلحق بذلك، المطمع الإسرائيلي في "التنازل الفلسطيني عن الحقوق الفلسطينية في القدس، وإعطاء الاحتلال الحق التام في المدينة، طالما تم الاعتراف به كدولة يهودية، مما ينقض أي حق للفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين".

وعبر التلويح بـ"يهودية الدولة"، ثمة هدف آخر يتمثل في إعطاء الجانب الإسرائيلي الفرصة لتصوير الموافقة على إقامة عاصمة للكيان الفلسطيني في ضواحي القدس (أبو ديس) على أنها تنازل كبير تستحق إسرائيل عليه تقديراً ومكافأة، قد تكون السيطرة على الأماكن المقدسة، وبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، جزءاً منها.

كما يلحق ذلك إعطاء الاحتلال الإسرائيلي الحق في البحث عن أمن هذه الدولة وفق منطق "دولة آمنة لليهود"، ما يعني تبرير رفض العودة إلى حدود 1967، باعتبارها حدوداً غير آمنة، وهو الأمر المرجح، خاصة في ظل موافقة المفاوض الفلسطيني على مبدأ تبادل الأراضي.

إنّ هذا الأمر، ينسف وبأثر رجعي، حق الشعب الفلسطيني في المقاومة. فإذا كانت الدولة يهودية، وكان لها الحق في هذه الأرض، فلماذا يقاوم ذلك الشعب الفلسطيني؟ ولماذا يتصدى لها؟ طالما تم الإقرار بيهودية الدولة من قبل القيادات الفلسطينية والعربية؟، حسب التحليل.

ومن أهداف هذا التحرّك؛ "النيل من المواطنين الفلسطينين في الأراضي المحتلة عام 1948 بعد فشل مشروع "الأسرلة"، خصوصاً بعد صمود هؤلاء ورفعهم لشعار دولة لكل مواطنيها، وبعد إشارة الإحصاءات الديموغرافية إلى تساوي عدد الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية خلال بضع سنين".

كما يهدف التلويح بـ"يهودية الدولة"، إلى إطلاق يد الاحتلال الإسرائيلي للتنكيل بفلسطينيي 48، ومواصلة التمييز بحقهم على كل المستويات، وفرض "الترانسفير" (الترحيل الجماعي) عليهم سياسياً اقتصادياً واجتماعياً، وصولاً إلى دفعهم إلى ما يسمى "الهجرة الطوعية" في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال القبول بـ"الأسرلة"، والانصياع للطابع اليهودي للدولة، والقبول بالمواطنة من الدرجة الثالثة.

ويأمل صانع القرار الإسرائيلي عبر ذلك؛ إحياء نظرية الوطن البديل من جديد، خاصة مع طرح فكرة الحكم الذاتي الموسع للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، كما قد يحيى فكرة العودة إلى واقع ما قبل 1967، حيث تعود غزة للإشراف المصري والضفة للإشراف الأردني، ولا مانع من وجود قيادة فلسطينية صورية. مع العلم بأن هذا الأمر قد يزيد التوتر بين الفلسطينيين أنفسهم، وكذلك مع أشقائهم العرب في الأردن، في ظل غياب الإستراتيجية الفلسطينية العربية الموحدة في إدارة الصراع مع الجانب الإسرائيلي.

أما في الداخل المحتل سنة 1948؛ فسيتحول فلسطينيو 48 إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، حسب ما يحذر التحليل، بعد الأشكناز (اليهود الغربيية) والسفرديم (اليهود الشرقيين)، فيما يتحوّل المواطنون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967 إلى خدمٍ وأيدٍ عاملةٍ رخيصة للمشروع.

في مواجهة موجة "يهودية الدولة"

في ما يتعلق باستراتيجية مواجهة مسألة "يهودية الدولة"؛ رأى مركز "الزيتونة" في تحليله أنه "لا يمكن مواجهة الخطط والمشاريع الإسرائيلية بشكل عام, وفكرة يهودية الدولة بشكل خاص؛ إلاّ بأوسع درجة ممكنة من التوافق والتفاهم الوطني الفلسطيني. وهذا يقتضي بالضرورة إنهاء الانقسام الراهن والعودة إلى برنامج الحد الأدنى الوارد ضمن وثيقة الوفاق الوطني. إذ يبدو أنّ أفق التسوية في ظل حكومة نتنياهو – ليبرمان سيكون مسدوداً، وبالتالي لا حاجة لهدر الجهود في التفاوض والاقتتال الداخلي لتمريره أو حتى لوقفه. ولذلك، يجب أن تنصبّ الجهود على بلورة استراتيجية لإدارة الصراع مع الجانب الإسرائيلي ومنعه من تحقيق أهدافه المعلنة، سواء فيما يتعلق بيهودية الدولة أم بتصفية المشروع الوطني الفلسطيني (...)".

وعلاوة على ذلك؛ فلا بد من التركيز على أنّ المستهدف الأساس جراء طرح فكرة يهودية الدولة هم فلسطينيو 48، وبالتالي "لا بد من الامتناع عن تقديم أي تنازلات تنال من صمودهم، وتثبط من عزيمتهم في مواجهة التمييز العنصري الممارس ضدهم، والذي ازداد ضراوة في الفترة الأخيرة، عبر حزمة من القوانين العنصرية الهادفة إلى فرض الترانسفير عليهم"، حسب المركز.

ويلفت التحليل الانتباه إلى أنّ "مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والعربي والدولي لها دور مهم ومحوري في النضال ضد فكرة الدولة اليهودية، عبر شرح مضامينها العنصرية وتداعياتها على القضية العادلة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة".

وإزاء ذلك؛ فإنّ لمراكز الدراسات والبحوث ووسائل الإعلام أيضاً دورها في التصدي للفكرة عبر "الضغط لمنع الموافقة عليها بأي حالٍ من الأحوال، كما لعقد حلقات البحث والنقاش للتحذير من مخاطرها وآثارها السلبية، ليس فقط على القضية الفلسطينية، وإنما لجهة تكريس الهيمنة الإسرائيلية واليهودية على العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى تقديم التوصيات والاقتراحات لكيفية التصدي للفكرة وإحباطها"، وفق ما جاء في التحليل.