خبر لا أحد مغفل..يديعوت

الساعة 09:10 ص|03 يوليو 2009

بقلم: ناحوم برنيع

(لنفترض ان براك أوباما كان يقف ذات صباح فوق المنصة الصغيرة في غرفة الصحافة في البيت الابيض ملقيا الخطاب التالي امام عدسات الكاميرا: "كما تعرفون الشرق الاوسط هو احد المناطق الاشد خطورة بالنسبة لمصالح امريكا وللسلام العالمي. الادارة السابقة اورثتنا الحرب في افغانستان والباكستان والعراق وصراعا لم يحل بين اسرائيل وجاراتها والمشروع النووي الايراني. بعد تحقق شامل ومباحثات مع قادة في المنطفة بلورت اقتراحا. هذه صفقة رزمة ترتبط كل عناصرها مع بعضها البعض.

"قادة في العالم العربي، من مصر والسعودية حتى امارات النفط والاردن، يرون في امكانية وصول ايران الى السلاح النووي خطرا كبيرا. هم يوجهون انظارهم الينا، الى امريكا واليها فقط. سمعت امورا اشد خطورة من القادة الاسرائيليين. هم يعتبرون الذرة الايرانية مقدمة للمحرقة. وهم جاهزون للسير بعيدا جدا لاحباط هذا المشروع.

"انا اقول لهم هنا والان: الولايات المتحدة ستكبح المشروع النووي الايراني. ان لم ننجح في احباط هذا المشروع من خلال العقوبات فسنحبطه بالقوة. ايران النووية تشكل خطرا واضحا ومباشرا ليس فقط على دول المنطقة وانما ايضا بالنسبة لامن الولايات المتحدة ذاتها.

"ولكن حتى ان اضطروا للاسهام بنصيبهم.حكام الدول العربية الذين لم يوقعوا على اتفاق سلام مع اسرائيل بعد سيلتزمون بخطوات طبيعية. انا اتحدث عن علاقات تجارية وحقوق طيران وخطوط طيران وسياحة ومكاتب مصالح. اولئك الذين وقعوا على اتفاقيات سلام سيوسعوا العلاقات ويعمقوها. الهدف سيكون اتفاقا اقليميا.   

"اسرائيل ستلتزم بالشروع الفوري بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية حيث سيكون أساس النقاش اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في خطوط تموز 67. الحل المقبول علينا هو تبادل اراض يتيح اباحة المستوطنات في شرقي القدس والتجمعات الاستيطانية. الفلسطينيون يلتزمون بأن يكون الاتفاق الذي سيوقع نهاية الصراع. حق العودة سيكون للدولة الفلسطينية ولكن ليس الى داخل اسرائيل. شرقي القدس سيقسم وفقا للسكان – الحي ذو القاطنين اليهود سيبقى في اسرائيل والحي الذي يكون سكانه من العرب سيكون جزءا من عاصمة فلسطين. في موازاة ذلك سيتم الشروع بمفاوضات مع سوريا ترمي الى التوصل لاتفاق سلام واعادة الجولان.

"انا اعرف ان القرارات الحاسمة المطلوبة صعبة على كل الاطراف، وعلينا ايضا نحن الامريكيون. لم نخرج بعد من الجبهات الثلاث التي نقاتل فيها، والان ها أنا أوشك واقترح فتح جبهة رابعة. ولكن القادة يحاكمون من خلال قراراتهم الصعبة. انا ارسل وزيرة خارجيتي وجورج ميتشيل من اجل مساعدتها لالتقاء بقادة الدول وسماع ردهم. لم يتبق الكثير من الوقت: عندما ستجتاز ايران العتبة النووية سيكون التصدي لها متأخرا جدا".

كيف كان نتنياهو سيرد على مثل هذا الاقتراح؟ انا اظن انني اعتقد. هو كان ليقول سنرى. فلتعرضوا علي المال، هذا ما كان ليقوله للمبعوثين الامريكيين. فلتعرضوا علي ما حصلتهم عليه من العرب في مجال التطبيع، وما الذي حصلتم عليه من ابو مازن، واية ضمانات سأتلقى من امريكا وستتفاجأون من مدى سخائي وجرئتي وابداعي. ردود مشابهة ستأتي من السعودية. الملك عبدالله سيهز رأسه ولن يقول شيئا. الامير الدوري سيهمس بالانجليزية الطريقة: لماذا نحن بالتحديد، فلتتوجه للقطريين وليقوموا بالتطبيع في الجزيرة، والامير الدوري الثاني سيهمس قائلا: الاسرائيليون يخدعونكم وبعد لحظة من مهاجمتكم لايران سيجدون ذريعة لايقاف المفاوضات.

ردود الفعل الاكثر تشكيكا ستظهر في الولايات المتحدة. الانفصاليون من اليسار والانفصاليون من اليمين سيهاجمون الاقتراح. هم سيحذروا من تورط عسكري جديد في اقاصي العالم. وسيسألون عن عدد الامريكيين الاخرين الذين سيقتلون بسبب ذاتية الرئيس وانانيته، وسيتحدثون عن تحول أوباما الى بوش.

وسيكون هناك من يقولون ربما آن الاوان. الخطوات الاخيرة التي قامت فيها كوريا الشمالية زعزعزت ثقة ادارة اوباما بالدبلوماسية. ادارة بوش اجرت ثلاث جولات من الحوار مع كوريا الشمالية وتم التوقيع على اتفاق. الكوريون خرقوا هذا الاتفاق من اليوم الاول. وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس الذي كان وزيرا للدفاع في الادارة السابقة ايضا، كان حازما جدا في معارضته لكل خطوة عسكرية ضد ايران امريكية كانت ام اسرائيلية. قادة الاذرع العسكرية اعتقدوا مثله. سلوك كوريا الشمالية والمظاهرات في طهران ادخلت الشك في نفوسهم. الطريقة التي قمع فيها النظام المظاهرات تصعب على الجانبين الدخول في مفاوضات. من الصعب على اوباما ان يفعل ذلك لان النظام الايراني فقد شرعيته في نظر الرأي العام الامريكي والامر صعب على احمدي نجاد لانه اتهم اوباما بتأجيج التمرد فكيف سيتفاوض معه الان في هذه الحالة.

ان لم يكن هناك خيار للحوار، سيسألون في البيت الابيض فما الذي تبقى؟. لقد قلنا اننا سنقوم بشيء ما. الامريكيون لا يريدون الحرب ولكنهم لا يريدون رئيسا ضعيفا ايضا يعرف قتل الذباب فقط.

لا تصدقه

في غرفة رئيس الوزراء علقت خرائط: خريطة تبرز أرض اسرائيل من البحر الى النهر واخرى سياسية للشرق الاوسط وغرب اسيا من تركيا حتى ايران. الزائر الاجنبي قد يعتقد انه داخل الى غرفة عمليات الحرب القادمة: من هنا ستخرج الهجمة على ايران. اما الزائر الاقل دراماتيكية فسيعتقد انه موجود في درس للجغرافيا في المدرسة الثانوية. الخرائط هي مجرد خرائط في اخر المطاف.

نتنياهو لا يعرف بعد ما الذي تريده ادارة اوباما بالضبط. هل يصدق باراك الذي يقول له ان كل ما يريدونه هو استئناف العملية السياسية. عندما تمعنوا في خريطة طرق بوش اصطدموا بكلمتين تجميد الاستيطان، وأخذوها من هناك. هذا كل شيء. ان تصرفنا بذكاء سنصل معهم الى اتفاق يزيل القضية عن جدول الاعمال.

اخرون يقولون له، لا تصدقوه ولا تصدقهم. ان قدمت تنازلا واحدا فسيضغطون للحصول على تنازل جديد وفجأة ستجد نفسك من دون أوباما ومن دون حكومة.

نتنياهو لا يعرف ان كان اوباما يتصف بالصلابة المطلوبة لمعالجة قضايا العالم عموما والشرق الاوسط على وجه الخصوص. هو على قناعة ان حكام الشرق الاوسط لا يحترمون الا القوة. هم يرون امريكيا مهانة من قبل كوريا الشمالية ويرون موقف اوباما الانبطاحي من النظام الايراني. وهم يرون كذلك ضغط امريكا على اسرائيل.

في نظر نتنياهو، يعتبر الحدثان المركزييان هما تسلح كوريا الشمالية وايران بالذرة. كما أنه ينظر للقضية الفلسطينية ايضا عبر البوابة الايرانية: كل الانسحابات التي قامت بها اسرائيل حتى اليوم سقطت في جيب ايران. نفس الشيء في لبنان وكذلك في غزة وان دخلت الضفة الغربية الى جيبهم فيا ويل الجبهة الداخلية الاسرائيلية.

في يوم الثلاثاء التقى نتنياهو مع سفراء الاتحاد الاوروبي. احدهم سأله ان كانت اسرائيل ستوافق على نشر جنود حلف الاطلسي بينها وبين الفلسطينيين. هو اعادهم 200 عام الى الوراء ، الى الفيلسوف الالماني عامونيل كانت. كانت قال ان النظام الذي يعتمد على الناخبين لا يميل للمبادرة للحروب. وليس هناك في المقابل شيء يكبح عدوانية الانظمة غير الديمقراطية. المحرقة حدثت لان قادة اوروبا لم يدرسوا هذه العبارات.

السلام بين اسرائيل والفلسطينيين سيرتكز على الادراك في الرأي العام الفلسطيني وعلى الردع. ولاننا لا نعرف اي نظام سيتأسس عندهم فعلينا ان نعزز الردع. قوة الناتو ستضعف الردع. انا اريد ضمانات دولية ولا اريد جنودا.

فهل ستسعى للتوصل لاتفاق حول اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة؟ سأله احد السفراء. خريطة الطريق تتحدث عن اتفاق كهذا في مرحلتها الثانية. بيرس يؤيد ذلك وكذلك باراك كاحتمالية.

لا، رد نتنياهو الاسرائيليون لن يشتروا اتفاقا  لن ينهي الصراع. من الممكن انتزاع تنازلات ضخمة من الاسرائيليين اكثر من اي شعب اخر، قال نتنياهو. واي شعب كان ليوافق على الانسحاب من كل سيناء. الاسرائيليون لن يوافقوا على ان يكونوا شيئا واحدا وهو : ان يكونوا مغفلين.

مغفلون؟ السفراء الاجانب لم يفهموا الكلمة. نتنياهو سارع لترجمتها للانجليزية: suckers.

المصيبة هي ان الفزع من الاستغفال هو مرض معدي: الاتصالات بين المسؤولين الامريكيين في ادارة اوباما والحكام العرب اشارت بأن العرب ايضا ليسوا على استعداد لان يكونوا مغفلين، كلهم دون استثناء.

حمية الغد

اللقاء بين ايهود باراك وجورج ميتشيل استغرق اربع ساعات وربع. هذا كان اللقاء الاول بين حكومة نتنياهو وادارة اوباما ينتهي بلهجة ايجابية. ربما يمكن القول ان لميتشيل وباراك مصلحة مشتركة وهي ايقاف الخصام والبدء في العمل. من المبكر القول ان كان الاثنان قادران على ضم رئيسيهما لهذه المساعي.

باراك المخول (المحامي يتسحاق مولكو المقرب من نتنياهو كان حاضرا في اللقاء بصفته مراقبا للحلال) اقترح على ميتشيل تجميدا مؤقتا للبناء لثلاثة اشهر. التجميد سيودع لديه على افتراض ان العرب سيودعون خطوات تطبيعية في المقابل .

ميتشيل يفكر بتجميد البناء لفترة اطول بكثير. باراك جلب له معطيات مفصلة حول البناء: ليس هناك بناء بالمرة في اغلبية المستوطنات. هناك بناء في 25 مستوطنة ولكن معظم البناء يتم في ثلاثة تجمعات بلدية: معاليه ادوميم، مودعين – عليت وجفعات زئيف. ولان القلق الامريكي نابعا من الخوف من قيام اسرائيل بفرض الحقائق على الارض، التي تمزق الخارطة من خلال المستوطنات ولن تترك مكانا للدولة التي ستقوم – هذه المعطيات تهدف الى طمأنتهم.

باراك وميتشيل يدركان انهما في شرك. ميتشيل لا يستطيع الضغط على اسرائيل وحدها. هذا لن يبدو بصورة جيدة في الكونغرس الامريكي. وباراك لا يستطيع الاعلان عن تجميد البناء حيث يعرف ان صور البلدوزرات التي تعمل في المستوطنات. اسرائيل ستظهر مرة اخرى كمحتالة. نتنياهو ايضا يدرك ذلك. تجميد بدايات البناء يشبه الحمية في اليوم التالي: ليس له أي تأثير على صورة الواقع اليوم.

باراك كان يرغب بأن يشرع المبعوث الامريكي رفيع المقام في حملة دبلوماسية مكثفة من عاصمة لاخرى على غرار كيسينجر. بهذه الطريقة فقط سيمكنه جلب اسرائيل والعالم العربي الى الاتفاق. كما انه كان يرغب باستئناف العلاقات الدافئة بين ادارة اوباما وحكومة نتنياهو. كلينتون وبوش حرصا على التفاوض مع رئيس وزراء اسرائيل قبل حديثهم مع القادة العرب. اما عند اوباما فالامر معكوس: هناك اتصالات مع العرب ولكن احدا لا يكلف خاطره عناء اشراك اسرائيل فيها.