خبر خطاب المقاومة الإعلامي تجاه إسرائيل.. صالح النعامي

الساعة 04:16 م|02 يوليو 2009

يُثير خطاب حركات المقاومة الإعلامي تجاه إسرائيل الكثير من الجدل في الساحة العربية بشكل عام والساحة الفلسطينية على وجه الخصوص، حيث تتعالى الدعوات بين الحين والآخر لمراجعة هذا الخطاب وإعادة تقييمه بما يتوافق مع التطورات والتقلبات في ساحة الصراع؛ فهناك من يدعي أنه يتوجب على حركات المقاومة الفلسطينية اعتماد خطاب إعلامي آخر تجاه الكيان الصهيوني يأخذ بعين الاعتبار التأثير على الرأي العام الداخلي الإسرائيلي، بحيث يساعد ما يعرف بـ "معسكر السلام" الإسرائيلي الذي يحتج ضد الاحتلال وسياساته. وضمن هذا التوجه هناك من يدعو للانفتاح على الإعلام الإسرائيلي والقوى الصهيونية التي تتخذ موقفًا رافضًا للاحتلال. في اعتقادنا أن هذه المقاربة خاطئة من الأساس؛ إذ أن أصحاب هذا الطرح لا يَعُون حقيقة أن الخطاب الإعلامي هو في النهاية أداة فنية لشرح البرامج السياسية وتسويق الرؤى الأيدلوجية. من هنا فإن الخطاب الإعلامي لتنظيم مقاوم ما يجب ألا يحيد عن الخط الذي يحدده البرنامج السياسي لهذا التنظيم، وإلا بدا الأمر وكأن هناك حالة انفصام تمس بصدقية هذا التنظيم ، ليس أمام الإسرائيليين فحسب، بل أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي على حدٍّ سواء. ولما كانت حركة حماس هي أكبر فصائل المقاومة في الساحة الفلسطينية، فإنه يمكن المقارنة بين البرنامج السياسي لهذه الحركة ورُؤاها الأيدلوجية، وبين الخطاب الإعلامي الذي ينادي باعتماده دعاة الانفتاح على الرأي العام الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال ترفض حركة حماس في برنامجها السياسي الاعتراف بإسرائيل، ووجد هذا الموقف ترجمته الواضحة والجلية في جلسات الحوار، حيث إنَّ الحركة تُصر على رفض أي صيغة تعني الاعتراف بإسرائيل، بالطبع لا نريد التعريج على ما يتضمنه ميثاق حركة حماس الذي يتبنى مواقف أكثر صرامة في كل ما يتعلق بالكيان الصهيوني؛ فأي خطاب إعلامي يمكن أن يغطي على هذه الحقيقة الساطعة والجلية؟؟. واضح تمامًا أنَّ هذا الموقف يقلص إلى حدٍّ كبير أي فرصة لتغيير مواقف الرأي العام الإسرائيلي من حركات المقاومة. فعلى سبيل المثال هناك عدد من كبار الشخصيات الإسرائيلية التي تنادي بالتحاور مع حركة حماس، مثل رئيس جهاز الموساد السابق إفرايم هليفي ووزير القضاء الأسبق يوسي بيلين وبعض الكُتَّاب والمستشرقين، لكن هؤلاء يواجَهون برَدٍّ مفحِم من قبل الذين يرفضون التحاور مع حماس بالقول: كيف يمكن الحوار مع منظمة تضع تدمير إسرائيل على رأس أولوياتها، وهؤلاء يروْن أن إصرار الحركة على طرح الهدنة بعيدة المدى هو مجرد دليل على نواياها تجاه إسرائيل.

 

إن الذي يتجنب دعاةُ الانفتاح على الرأي العام الإسرائيلي تَذَكُّرُهُ هو حقيقة أن المشكلة لا تكمن في البرامج السياسية والخطابات الإعلامية الخاصة بحركات المقاومة، بل بخيارات هذه الحركات ذاتها، بحيث إن هذه الخيارات هي التي تبرز التناقض بين البرامج السياسية والخطاب الإعلامي؛ فمثلًا لم يكن خطاب حركة حماس الإعلامي تجاه إسرائيل يمثل أي مشكلة إلا بعد أن شاركت الحركة في الانتخابات وشكلت الحكومة. فخيار الحركة الصعب جدًا والقاضي بالجمع بين المقاومة والحكم هو الذي جعل من خطاب الحركة الإعلامي تجاه إسرائيل مشكلة. فوصول الحركة للحكم قاد إلى فرْض حصار خانق على قطاع غزة، وهو ما أدى بحد ذاته إلى اشتراطات اللجنة الرباعية المعروفة التي تنص على أنه لا يمكن رفع الحصار والاعتراف بحكومة حماس إلا بعد أن تعترف الحركة بإسرائيل وتنبذ المقاومة بوصفها إرهابًا وتلتزم بالاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.

 

لقد بات واضحًا أن أفضل الطرق لدفع الإسرائيليين نحو الاعتدال السياسي هي خسارتهم في ساحة المواجهة مع حركات المقاومة، فإسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة. وللأسف الشديد فإن محصلة المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وتحديدًا خلال العدوان الأخير لم تقنع الإسرائيليين بأن المقاومة الفلسطينية قادرة على إلحاق أذًى حقيقي بهم، وهو ما جعل الإسرائيليين يندفعون ليس فقط نحو التطرف السياسي، بل إنهم باتوا أكثر استلابًا لخيار القوة في مواجهة المقاومة الفلسطينية. وفي المقابل فإن حزب الله لم ينفتح بتاتًا على إسرائيل، ولم يحدث أن أجرى أي مسؤول في الحزب أي مقابلة مع وسيلة إعلام إسرائيلية ، ويصر على مواقفه الرافضة لوجود إسرائيل ، ويدعو لإزالتها. ومع ذلك، فإن اللافت للنظر أنه حسب دراسة أجراها الباحث الإسرائيلي أودي ليبيل ، والتي أكدت أن حزب الله وخطابه الإعلامي حظي بثقة كبيرة لدى الإسرائيليين بعد حرب لبنان الثانية. وقد ساهمت العمليات التي قام بها الحزب في إضفاء صدقية على التهديدات التي صدرت عن قادته، وهذا ما لم يتحقق في كثير من الأحيان لدى حركات المقاومة الفلسطينية. وواضح تمامًا أن الذي سمح لحزب الله بهامش مرونة كبيرة في اتخاذ مَوَاقِفِهِ من إسرائيل هو تحرر لبنان من التبعية الاقتصادية لإسرائيل، وذلك بعكس ما هو عليه الحال في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

ولكن هامش المناورة أمام حزب الله سيتقلص إلى حد كبير في حال وقوعه في إشكالية الجمع بين الحكم والمقاومة ، ومشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية؛ فإسرائيل سترى في أي عمل عسكري يقوم به الحزب أنه عمل تقوم به الدولة اللبنانية ذاتها، بشكل يبرر المسَّ بمرافق الدولة، هذا مع أن إسرائيل لم تتردد ، في حربها الأخيرة ، في استهداف مرافق الدولة، مع أن الحزب لم يشارك عندها في الحكومة.

 

قُصَارَى القول أنَّ المشكلة لا تكمن بالمطلق في خطاب حركات المقاومة تجاه إسرائيل، بل أحيانًا في قدرة هذه الحركات على المس بالأمن الإسرائيلي، وخياراتها عندما تحاول الجمع بين الحكم والمقاومة.