قد يتبادر لذهن البعض من الناس هذه الأيام تساؤلاً مفاده هل تقبل المقاومة الفلسطينية بشروط كيان الاحتلال التي وضعها رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، وأعلن عنها وزير خارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، وأهمها: عدم الانسحاب من محوري "نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، و"فيلادلفيا" الذي يؤمن الشريط الحدودي مع مصر، وعدم إنهاء الحرب؟..
بالتأكيد لا.. فالمتابع لمجريات المعارك الميدانية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال يدرك أن المقاومة جعلت من ثمن بقاءه على أرض غزة كلفة كبيرة؛ بإلحاقها خسائر كبيرة له بالأرواح والعتاد، وعلى مختلف المحاور خلال الأيام الماضي كما أثبتت الوقائع الميدانية بما لا يدع مجالاً للشك بأن فصائل المقاومة الفلسطينية لن تتخلى عن الأسرى الإسرائيليين لديها سواء جنوداً أو مدنيين، إلا من خلال صفقة تبادل تلبي شروطها التي أعلنت عنها مُسبقاً، وعبرت عن ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي وكافة الفصائل العاملة على الأرض الفلسطينية.
البقاء بغزة مُكلف
وتواصل المقاومة الفلسطينية بغزة بكافة فصائلها، التصدي لقوات الاحتلال ورفع كلفته الحربية والبشرية بمختلف محاور القتال على طول وعرض قطاع غزة الحبيب، الذي استباحته تلك القوات المجرمة.
وفي الإطار، عرضت سرايا القدس مشاهد من استهداف مجاهديها بالاشتراك مع مجاهدي كتائب القسام جنود وآليات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلين في حي الشابورة وسط مدينة رفح.
وقبل ثلاثة أيام، في الـ18 من أغسطس، نشرت كتائب القسام مشاهد من الإغارة على قوات العدو المتواجدة في محور “نتساريم” جنوب حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، والذي أسمته (بمحور الموت).
وبدورها، قصفت سرايا القدس، تجمعاً لجنود الاحتلال وآلياته في محيط مدرسة "عمر الأغا" في منطقة القرارة، شمالي شرقي خان يونس، جنوبي قطاع غزة، بوابل من قذائف "الهاون".
كما، قصفت كتائب شهداء الأقصى تجمعاً لجنود الاحتلال وآلياته المتوغلة في منطقة القرارة. وقصفت أيضاً مقراً إسرائيلياً للقيادة والسيطرة في محور "نتساريم"، جنوبي غربي مدينة غزة، بصاروخين من نوع "107"، بقذائف "الهاون" من العيار الثقيل.
من جهتها، فجّرت قوات الشهيد عمر القاسم، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عبوةً ناسفةً مضادةً للأفراد في قوة إسرائيلية في حي السلام، شرقي رفح، موقعةً أفرادها بين قتيل ومصاب.
وقصفت سرايا القدس وقوات الشهيد عمر القاسم وكتائب شهداء الأقصى، في عملية مشتركة، خط إمداد الاحتلال في "نتساريم" في محيط المستشفى التركي، بصواريخ "107" وقذائف "الهاون".
ومن جانبها، أعلنت كتائب القسام، أمس الثلاثاء 20 أغسطس 2024 عن عدة عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي بمحاور القتال كافة بقطاع غزة، فقد استهدفت استهداف دبابة "ميركافاه" بقذيفة "الياسين 105" بجوار جامعة القدس المفتوحة في حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب القطاع".
وقالت القسام في بيانات أخرى: "أكد مجاهدونا استهداف قوة صهيونية متحصنة داخل أحد المنازل بقذيفة TBG بجوار مدرسة القادسية، واستهداف قوة صهيونية أخرى متحصنة داخل أحد المنازل بقذيفة TBG وقذيفة أفراد في المخيم الغربي بحي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب القطاع".
كما تمكن مقاتلو كتائب القسام، الاثنين، من الاشتباك مع قوة صهيونية خاصة من نقطة الصفر بالقنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة وأكدوا قتل 3 منهم في منطقة كندا بحي تل السلطان غرب مدينة رفح"، مؤكدةً استهداف جرافة عسكرية من نوع "D9" بعبوة صدمية قرب مفترق الإسكان الأحمر بحي تل السلطان غرب مدينة رفح".
وبينما تواصل المقاومة في قطاع غزة تصديها للقوات الإسرائيلية المتوغلة، مكبّدةً إياها مزيداً من الخسائر في العتاد والعديد، أقرّ "جيش" الاحتلال، قبل يومين، بمقتل قائد سرية في الإسناد اللوجستي وجندي خلال المعارك الدائرة.
والاثنين، أكدت "القناة الـ12" العبرية، مقتل ضباط من لواء المظليين، بعدما أصابت قنبلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، المبنى الذي كان يتمركز فيه، جنوبي قطاع غزة.
وبهذا الاعتراف يرتفع عدد قتلى جيش الاحتلال المُعلن، في معارك قطاع غزة إلى أكثر من 690 ضابطاً وجندياً، منذ بدء "طوفان الأقصى"، منهم أكثر من 330 قُتلوا منذ بدء المعارك البرية في القطاع، بحسب الأرقام التي ينشرها الاحتلال.
نتنياهو يُفجر الوضع
من ناحيته، يُصر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى العود إلى أسلوب المراوغة والكذب على العالم، من خلال إيهامه بأنه يريد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار؛ ولكنه في الأساس يقوم بوضع العصا في الطريق.
وكانت ذكرت هيئة البث الرسمية "الإسرائيلية"، عن مصادر من فريق التفاوض "الإسرائيلي" قولها: "تصريحات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشأن عدم الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونيتساريم كانت محاولة لتفجير المفاوضات".
وأضافت المصادر: "نتنياهو كان على علم بوجود تقدم في المفاوضات، ولكنه اختار إصدار تصريحات تتناقض مع ما تم التوصل إليه مع الوسطاء". وفق زعمها.
وبدوره، قال نتنياهو: "إنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي أن إسرائيل لن توقف حربها حتى القضاء على حماس". كما يزعم.
وذكرت قناة "كان" العبرية، تصريحات لأعضاء طاقم المفاوضات الإسرائيلي، اعتبروا فيها أن "تصريحات نتنياهو تهدف إلى تخريب المفاوضات، ولا معنى آخر لذلك، فهو يعلم أننا في فترة حاسمة نعمل فيها على إيجاد حلول لمحوري (نتساريم وفيلادلفيا) في القمة التالية، ويعلم بوجود تقدّم، لكنه يطلق تصريحات مناقضة لما تمّ الاتفاق عليه مع الوسطاء".
وبدورهم، قال مقرّبون من نتنياهو، للقناة ذاتها: "إذا كان موقف رئيس الحكومة لا يروق طاقم المفاوضات، فبإمكانهم ترك المهمة". بحسب قولهم.
لا حرية للأسرى إلا بصفقة تبادل
وعلى صعيد قضية ملف تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيلي"، حاول جيش الاحتلال، إظهار نشوة انتصار أمام جمهوره الداخلي بعد تحرير 6 أسرى عبارة عن جثث هامدة خلال عملية خاصة لـ"الجيش والشاباك" في مدينة خانيونس التي يُنفذ الاحتلال حالياً عملية عسكرية في محورها الشمالي (القرارة- مدينة حمد).
تأتي هذه التطورات الميدانية على الأرض في ظل تجاهل نتنياهو لمطاب الشارع الإسرائيلي الذي يخرج يومياً، وينادي بالإفراج عن سراح الأسرى الإسرائيليين بحوزة المقاومة الفلسطينية بغزة، من خلال التوجه لإتمام صفقة تبادل للأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي يجري الحديث عنه من قبل الجانب الأمريكي.
في السياق، قالت صحيفة هآرتس العبرية: "إن الأسرى الإسرائيليين بغزة هم مجرد منتج استهلاكي بالنسبة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو".
وأضافت الصحيفة العبرية: "ما يهم نتنياهو هو ما وصفه بلسانه أمس الأصول الاستراتيجية محوري نتساريم وفيلادلفيا".
وبمقابل ذلك، ردّت عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة على ذلك بقولها: "تصريحات نتنياهو تعني عملياً إبطال صفقة تبادل الأسرى".
كما اتهمت هذه العائلات حكومة نتنياهو بأنها بالتخلّي عن المختطفين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتتخلّى عنهم الآن إلى الأبد". وفق قولها.
جدير ذكره أنه يسعى رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بينامين نتنياهو، إلى تفريغ التوصل لوقف إطلاق إطلاق النار مع المقاومة بغزة من مضمونه، وحصره بمجرد صفقة لتبادل الأسرى الإسرائيليين، والعودة للقتال والحرب في غزة في الوقت الذي يريده وفق الرؤية الأمريكية التي تتساوق مع مساعيه الخبيثة؛ وهو ما يفسر إصراره على التمسك بمحوري "نتساريم، وفيلادفيا".