خبر الموت يغيب والد الأسير الفلسطيني مصطفى رمضان.. لتتلاشى أماني الانتظار الطويل

الساعة 07:22 ص|30 يونيو 2009

فلسطين اليوم-وكالات

بعد سبع عشرة سنة من انتظار نجله مصطفى، المُغيّب خلف قضبان الاحتلال، وبعد شدّ أعصاب استمر على مدار السنوات الثلاث الماضية، منذ بدأ الحديث عن أسر جندي إسرائيلي خلال عملية عسكرية محكمة وما قد يعقبها من عملية تبادل أسرى محتملة؛ وضع الموت حداً لحياته التي كانت أمنيته فيها احتضان نجله قبل رحيله.

 

إنه الفقيد الحاج علي رمضان الحاج عبد، المكنى "أبو حسين"، من خان يونس (جنوبي قطاع غزة)، الذي توفي عن سبعين سنة. كان "أبو حسين" يعلِّق آمالاً كبيرة على تحرير ولده ضمن الأسرى الفلسطينيين، مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، غلعاد شاليط، والذي تم أسره خلال عملية "الوهم المتبدد" التي تم تنفيذها في حزيران (يونيو) 2006، لكنه ذهب إلى الله، وذهبت معه أحلام انتظرها طويلاً.

 

مصطفى، الذي تميّز قبل اعتقاله بعلاقات اجتماعية قوية، يُحرَم اليوم حتى من مجرد سماع خبر وفاة والده مباشرة، وهو مكبّل في سجون الاحتلال، إذ إنّ الخبر لم يتسلّل ربما إلى أسوار السجن ويخترقها إلى مسامع الأسير، الذي يعقد أهله الآمال العريضة على صفقة تبادل الأسرى لاحتضانه.

 

ويقول حسين (45 عاماً)، شقيق مصطفى، ونجل الفقيد، أنّ والده كان يتمنّى خروج أخيه من السجن في أقرب فرصة قبل أن يتوفاه الله، لافتاً النظر إلى أنّ والده جهز لشقيقه قبل وفاته كل ما يلزمه من أجل أن يفرح به "عريساً"، خاصة وأنه اعتقل وهو في سن التاسعة عشرة، بتهمة الانتماء إلى "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، وتنظيم عدد من الشباب في صفوف الحركة، وتدريب نخبة منهم عسكرياً في صفوف "كتائب القسام"، إضافة إلى المشاركة في عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية ومساعدة وإيواء المطاردين من قوات الاحتلال، وتناقل السلاح، وختاماً خطف الجندي الإسرائيلي ألون كنغاني وأخذ سلاحه عام 1992، بعد طعن الجندي عدة طعنات أصابته بالشلل.

 

ويضيف "حسين"، لـ"قدس برس"، "قدر الله كان أسرع بأن حضرت الوفاة قبل أن يرى والدي مصطفى، الذي كان أعز أولاده إلى قلبه، وأذكر أنّ أحد الناس سأله: من أعزّ أولادك عليك، فقال: أعز الأولاد على الأب المريض حتى يشفى، والصغير حتى يكبر، والبعيد حتى يرجع. فكان مصطفى بحكم بعده واعتقاله له معزّة كبيرة جداً في قلب الوالد رحمه الله، وكان الأمل أن يرى النور، ويحتضن الوالد، لكن .. الحمد لله على قدر الله".

 

وشدّد حسين على أنّ أكبر أماني الوالد الفقيد، كانت أن يرى مصطفى قبل وفاته، وأن يفرح به ويزوِّجه، مؤكداً أنّ الراحل كان دائم الأمل بإتمام صفقة تبادل أسرى يكون مصطفى من بين المفرج عنهم فيها، خاصة وأنّ مطالب المقاومة كانت تتركز على ذوي الأحكام العالية. واختتم حسين بالقول "لا زلنا على أمل احتضانه خارج أسوار السجون الصهيونية، ننتظره دقيقة بدقيقة ونرقب الأمل بأن يأتي الفرج القريب من الله خلال صفقة التبادل المشرفة، التي تعتزم كتائب القسام على إبرامها، متمنين من الله أن يوفق المجاهدين لخطف جنود آخرين من أجل تحرير الأسرى الأبطال من سجون الاحتلال".

 

وكان مصطفى رمضان، في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف ليلة الخميس الحادي والثلاثين من كانون أول (ديسمبر) من العام 1992، على موعد مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله، حيث داهم الجنود الشقة التي يتواجد فيها وعاثوا فيها وبالمنزل خراباً، بعد أن فتشوا كل شيء فيها. ووقع مصطفى حينها أسيراً في يد سلطات الاحتلال، وكان حينها نائماً فتم القبض عليه وهو في فراشه. وقد حكمت المحكمة الإسرائيلية، في الرابع من كانون أول (ديسمبر) من العام 1995، على مصطفى بالسجن المؤبد ثلاث مرات.

 

أما طارق، حفيد الحاج الراحل "أبي حسين"، فيشير إلى أنّ جدّه الذي توفي بعد مصارعة أمراض الضغط والسكري، كان لا يترك مناسبة أو لقاء إلا يستذكر فيها ولده مصطفى، وكان "يتحدث باستفاضة عن شجاعته وبسالته ويضرب بها المثل، وكان يرجو الله دائماً أن يجتمع به قبل أن يموت، وأن يزوِّجه ويفرح به كباقي الشباب".

 

وذكر طارق لـ"قدس برس"، أنّ أمنية جدِّه كانت أن يرى عمّه مصطفى أمام عينيه متحرراً من ظلمة السجن، ثم أن يستشهد في سبيل الله تعالى، مستذكراً حديث جده المتواصل عن الأمل بإتمام صفقة تبادل الأسرى والتي كان يرى أنها المخرج الوحيد لحرية ابنه المحكوم الحياة.

 

وتحدث طارق عن المعاناة التي كابدها جده طول حياته، وهو يرى ابنه متنقلاً بين المعتقلات، وقال "منذ أن وطأت قدما عمِّي (مصطفى رمضان) السجون الإسرائيلية، قامت تلك القوات بمعاملته معاملة سيئة للغاية، فنقلته من سجن لآخر، فكانت البداية في سجن غزة المركزي (السرايا) فمكث فيه 99 يوماً، ومن ثم سجن المجدل ثلاث سنوات، وسجن نفحة ثمانية سنوات، وسجن بئر السبع سبعة شهور وكانت في العزل الانفرادي إضافة إلى عامين في السجن ذاته، ثم مكث ثلاث سنوات في سجن هداريم".

 

ولفت طارق إلى أنّ عمه مصطفى أُخضع في سجون الاحتلال وأقبية التحقيق لمعاملة سيئة جداً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، كاستهدافه بالضرب والشبح والبقاء بالملابس الداخلية فقط، كما تم استهدافه بإطلاق الرصاص المطاطي، وقد بقي في إحدى المرات ستة أشهر طريح الفراش جراء ذلك.

 

وتشدِّد سلطات الاحتلال ومصلحة السجون التابعة لها، من إجراءاتها التعسفية القمعية بحق الأسرى وذويهم، فتحرمهم من الزيارة ورؤية أبنائهم وأحبائهم، حيث أنّ هذه الزيارات باتت صعبة للغاية، لا سيما بالنسبة لأسرى قطاع غزة خلال السنتين الماضيتين.