خبر أوباما ونتنياهو جدل الخطابات.. بانتظار الخطاب العربي الغائب ..بلال الحسن

الساعة 08:01 ص|27 يونيو 2009

ـ الجزيرة نت 25/6/2009

عاشت القضية الفلسطينية خلال شهر حزيران/يونيو 2009، على وقع خطابين اعتبرا متناقضين ومتناغمين في الوقت نفسه.

الخطاب الأول ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة يوم 4/6/2009، وخاطب به العالم الإسلامي (الفلسطينيين والعرب والمسلمين). وألقى الخطاب الثاني بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وكان خطابه بمثابة رد (وجواب) على خطاب أوباما وما ورد فيه من دعوات سياسية محددة. ورسم هذا الخطاب في الوقت نفسه تصور حكومة نتنياهو لنمط التسوية السياسية التي تتطلع إليها مع الفلسطينيين.

خطاب أوباما

أعلن أوباما من القاهرة إلغاء سياسة المحافظين الجدد، تلك السياسة التي اعتبرت نفسها في حرب مع العالم الإسلامي حسب قاعدة أن العالم الإسلامي منتج للإرهاب، واعتبرت نفسها مسؤولة عن فرض نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي، ورسمت لنفسها هدفا يتمثل بشعار (الشرق الأوسط الجديد)، أو (الشرق الأوسط الكبير)، يبدأ باحتلال العراق، ويتطور إلى إسقاط النظام في سوريا، ويمتد إلى تغيير وتطويع المجتمع السعودي، وينتهي بجني الجائزة المصرية التي ستكون بمثابة التفاحة التي تسقط عن الشجرة ليلتقطها سيد العالم الجديد.

لقد حمل هذا المخطط سمات السعي لإنشاء إمبراطورية أميركية، وحمل سمات التعامل مع العالم على أساس الخير والشر، وحصر السياسة في إطار من معنا ومن ضدنا.

أطلق أوباما من القاهرة، سمات مخطط يلغي هذه الرؤية للمحافظين الجدد، ويبشر بسياسة تقول إنها تعرف العالم الإسلامي، وتحترم تراثه الغني، وتسعى إلى التعامل معه حسب منطق الشريك لا حسب منطق العدو. وفي هذا الإطار تطرق أوباما في خطابه إلى القضية الفلسطينية، وإلى الصراع العربي - الإسرائيلي، داعيا قبل الخطاب وبعده، إلى ضرورة العودة إلى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، على قاعدتي: الدولتان، ووقف مواصلة الاستيطان. ثم داعيا في الخطاب نفسه إلى سياسة تقوم على:

1.                تأكيد متانة الأواصر بين أميركا وإسرائيل.

2.                الاعتراف بأن رغبة اليهود في إيجاد وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخهم المأساوي.

3.                أن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر.

4.                يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن طريق العنف، فطريق العنف طريق مسدود.

5.      على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التي يستطيعون إنجازها، وعلى السلطة الفلسطينية تنمية قدراتها على ممارسة الحكم.

6.                على تنظيم حركة حماس أن يضع حدا للعنف، وأن يعترف بالاتفاقات السابقة، وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء.

7.                يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن إنكاره.

8.      ستحترم أميركا تطلعات الفلسطينيين المشروعة لإنشاء دولة خاصة بهم، ضمن رؤية إنشاء دولتين تعيشان في سلام وأمن.

9.      أن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية... لقد آن الأوان أن تتوقف هذه المستوطنات.

10.    على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها لتأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم، لأن أمن إسرائيل لا يتوفر عن طريق الأزمة الإنسانية في غزة أو عن طريق انعدام الفرص في الضفة الغربية.

11.    أن هذا السبيل (دولتان) يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا، ولذلك سوف يسعى شخصيا للوصول إلى هذه النتيجة. ومن خلال تنفيذ التزامات "خارطة الطريق".

ونستطيع أن نقول بكل موضوعية، إن هذا الخطاب، حمل نهجا جديدا ومختلفا نوعيا عن نهج الإدارة الأميركية السابقة (جورج بوش)، فيما يخص السياسة العالمية، والعلاقات مع العالم الإسلامي، ولكنه لم يحمل النهج نفسه عندما تطرق إلى المسألة الفلسطينية.

لقد قال حول المسألة الفلسطينية كلاما إيجابيا وطيبا، ولكنه بقي كلاما ناقصا. والجديد فيه، إشارته إلى ضرورة وقف (مواصلة) البناء في المستوطنات، ثم إشارته إلى ضرورة وقف مأساة غزة. أما في ما عدا ذلك، فإن البنود كلها كانت متداولة في مرحلة المحافظين الجدد. فشعار الدولتين، وتنفيذ بنود خطة خارطة الطريق، ووقف العنف، هي من "وثائق" المحافظين الجدد، ومن إعدادهم.

إن الجوهري في حديث أوباما هو النية والرغبة والتصميم على العمل. ولكن ما هو مضمون هذا العمل؟ لقد ألزم أوباما نفسه بالمبادئ الأساسية فقط ولم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. لقد طرح المبادئ، ولم يذهب إلى عمق المشكلات، والسؤال: ماذا سيكون موقف أوباما عندما تصل المفاوضات إلى البحث في عمق المشكلات؟ ماذا سيقول للمتفاوضين؟ هل سيقول لهم: اجلسوا وتفاوضوا واتفقوا. أم سيقول لهم شيئا آخر؟ مثلا: الاحتلال يجب أن ينتهي. الاستيطان يجب أن ينتهي. اللاجئون الفلسطينيون لهم حق محفوظ في العودة. اجلسوا وتفاوضوا على تحقيق ذلك. هنا سيكون الاختبار العميق لخطاب نتنياهو، وهنا سيتبين إذا كان منهج التغيير الذي اعتمده يمتد ليشمل الجانب الفلسطيني أم لا؟

خطاب نتنياهو 

ألقى بنيامبن نتنياهو خطابا يوم 14 حزيران/يونيو 2009، في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، المعروفة برعايتها للاتجاه الديني الأصولي، اعتبر بمثابة رد على خطاب الرئيس أوباما، وبالتحديد جوابا على مطلبيه الأساسيين: مبدأ الدولتين، ووقف (مواصلة) الاستيطان.

ويمكن أن نعتبر هذا الخطاب خطابا نموذجيا، فهو خطاب يبلور فهم القادة الإسرائيليين للصراع العربي - الإسرائيلي، وهو فهم يتلخص بأن فلسطين بكاملها هي أرض يهودية توراتية منذ آلاف السنين، وأن الفلسطينيين والعرب يرفضون أن يعترفوا لليهود بحقهم التاريخي فيها، وأن العرب مارسوا العدوان المتصل ضد اليهود لمنعهم من إقامة دولتهم، وهم لا يزالون يمارسون العدوان ضدهم حتى الآن. فالأرض أرض اليهود، والحق حق اليهود، وتاريخ الأرض هو تاريخ اليهود، والفلسطينيون هم المعتدون الدائمون. ويتابع نتنياهو، أنه لكي يتحقق عدل وسلام في المنطقة، فلا بد من تحقيق ما يلي:

1.                أن يأتي العرب والفلسطينيون ليقيموا مع إسرائيل سلاما اقتصاديا، ليمكن بعد ذلك إنجاز السلام السياسي.

2.                أن يأتي الفلسطينيون لمباشرة المفاوضات فورا دون شروط مسبقة.

3.      يسأل نتنياهو: ما هو أصل النزاع؟ ويجيب إن أصل النزاع هو رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة خاصة به في وطنه التاريخي، إذ كان العالم العربي بأكمله قد رفض عام 1947 خطة التقسيم.

4.      من يعتقد بأن العداء المتواصل تجاه إسرائيل ينتج عن تواجدنا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) يحل السبب محل النتيجة.

5.      كثيرون يقولون إن الانسحاب هو مفتاح السلام مع الفلسطينيين، وقد انسحبنا من غزة، ولكننا تلقينا بالمقابل وابلا من الصواريخ، إن الادعاء أن الانسحاب يجلب السلام لم يصمد أمام اختبار الواقع.

6.      يجب أن تنهض القيادة الفلسطينية وتقول إننا نعترف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة خاصة به بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي. وهذا شرط أساسي لإنهاء النزاع.

7.                الشرط الثاني أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ستجد حلها خارج حدود دولة إسرائيل.

8.      يجب أن تكون الأرض التابعة للفلسطينيين تحت طائلة أي تسوية سلمية منزوعة السلاح، وخاضعة لتدابير أمنية راسخة بنظر إسرائيل.

9.      بهذه الشروط: سنكون مستعدين ضمن تسوية سلمية مستقبلية للتوصل إلى حل على وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

10.    على أرضية ذلك يطلب نتنياهو أيضا: حدود قابلة للحماية. القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل. وحتى ذلك الحين لن ننشئ مستوطنات جديدة، ولن نصادر أراض لتوسيع المستوطنات القائمة، غير أن الحاجة تقتضي السماح للسكان بممارسة حياة طبيعية (أي مواصلة الاستيطان لحاجات النمو).

لا يمكن أن نجد خطابا عدوانيا ضد الفلسطينيين وضد العرب أكثر من هذا الخطاب. إنه نص نموذجي لصنع الحروب. نص يحول التاريخ إلى حدث مطلق ثابت، لا يعود معه أي معنى لأي حدث تاريخي آخر.

وحين يقول الفلسطينيون إن كامل أرض فلسطين هي أرضهم، وأن إسرائيل انتزعت منهم الأرض عام 1948، تقوم قيامة إسرائيل، ويشير الكل إلى هذا التوصيف الفلسطيني على أنه موقف عدائي تجاه وجود دولة إسرائيل، ودليل على التطرف الفلسطيني والعربي.

ولكن نتنياهو لا يكتفي بهذا، فعدوانية الفلسطينيين حسب رأيه لها سبب أعمق من ذلك. إنهم ينكرون الرابط التاريخي بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، هذا الرابط الذي يستمر حسب قوله منذ 3500 عام، وإن مناطق يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)، حيث سار وتمشى كل من إبراهام وإسحاق ويعقوب ودافيد وشلومو وإشعيا وإرميا، ليست بالغريبة عليه، بل هي أرض الآباء والأجداد.

على ضوء هذا الفهم للتاريخ القديم، واعتباره ساري المفعول حتى الآن، يصبح من المستحيل إدارة حوار سياسي، أو مفاوضات سياسية، إلا حسب هذه الطريقة التي وضع بها نتنياهو شروطه، وخلاصتها: عليك أيها الفلسطيني، وعليك أيها العربي، أن تأتي لزيارتي طائعا مختارا محني الرأس، وعند ذلك سأقدم لك طعاما، وسأحدد لك أين تنام.

العلاقة بين الخطابين 

إن نتنياهو في خطابه هذا، لا يتحرك فقط بدافع الغرور أو الغطرسة التي تنمو في أوساط الفكر اليميني والعنصري، ولكنه بالإضافة إلى ذلك، لاحظ النواقص في خطاب أوباما، فبادر مسرعا إلى ملئها، إنما من وجهة نظر إسرائيلية صهيونية وما قبل صهيونية، لا مجال للتفاوض بشأنها. إنها نظرية للقبول أو للرفض، للخنوع أو للحرب.

وحين قلنا إن خطاب أوباما خطاب جيد ولكنه ناقص، كنا نتحسب لمثل هذا النوع من الأطروحات، التي توافق على المبدأ الطيب (الاتفاق، السلام ... الخ) ثم تملأ الخوابي بالماء المالح بدل الزيت.

ومن أجل الخلاصة السياسية، يمكن القول إن نتنياهو رفض عمليا، وفي العمق، المطلبين الأساسيين للرئيس أوباما بشأن العودة إلى المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية. رفض الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ووافق لفظا فقط على كلمة (دولة فلسطينية)، بعد أن انتزع منها كل ما من شأنه أن يجعل منها دولة. كما رفض مطلب وقف (مواصلة) الاستيطان، فقال إنه "حتى ذلك الحين" -أي حتى يتم إنشاء تسوية متفق عليها- لا ننوي إنشاء مستوطنات جديدة، أو مصادرة أراض لتوسيع المستوطنات القائمة.

وهذا يعني أن المستوطنات ستبقى في الضفة الغربية، وأن من الممكن توسيعها بعد الاتفاق على التسوية، وفي الحالتين فإن توسيعها للأسباب التي تتعلق بالنمو الطبيعي أمر مسلم به، لأن المستوطنين ليسوا أعداء الشعب اليهودي حسب قوله.

وبسبب هذا التعارض بين الخطابين، لا نستطيع أن نتحدث عن علاقة بينهما، إذ لا توجد بينهما أية علاقة إيجابية، ولكن توجد بينهما علاقة سلبية قوية للغاية، فحين نطرح مسألة كبيرة كالقضية الفلسطينية من أجل الحل، ولا نقدم ولو إيحاء من أجل الجواب ووسائل تنفيذه، فإن الطرف الآخر سيحاول أن يقنعك بأجوبته. إن استنكاف أوباما عن المضي قدما في تحليله، هو ما أعطى الفرصة لنتنياهو لأن يطرح ما طرح، وأعطاه الفرصة أيضا لأن يرفع العصا أو سبابة اليد في وجه أوباما، قائلا له بوقاحة 3500 عاما من التاريخ، ها هي شروطي، ها هي مطالبي، وبعدها يمكن أن أجلس معك وأتحدث.

والسؤال هنا، لماذا يتجرأ نتنياهو ويتحدى الرئيس أوباما بهذه الطريقة؟ الجواب نجده في طيات السياسة الخارجية الأميركية، ونجده في السجل الكبير لتاريخ العلاقة الأميركية -الإسرائيلية. فقد أصبح نمطا سائدا ومعروفا أنه لدى بروز أي خلاف عربي -إسرائيلي، فإن واشنطن تقف تلقائيا إلى جانب إسرائيل ضد العرب. وإذا نشأ خلاف إسرائيلي -أميركي، فإن قوى أميركية عديدة تتدخل على مستوى الإعلام، أو على مستوى الكونغرس، أو على مستوى اللوبي اليهودي (إيباك)، لتدفع باتجاه حل الأمور لمصلحة إسرائيل. ونادرا ما نشأت خلافات سياسية بين البلدين وتعذر حلها بهذا النوع من الوسائل.

نذكر تلكؤ إسحاق شامير في الموافقة على المشاركة في مؤتمر مدريد (1991)، وهو في حينه سياسة إستراتيجية أميركية، فبدأت واشنطن تتصرف على أنها غير راضية عن حكومة شامير وعن حزب الليكود الحاكم، عبر الإعلان عن تجميد تغطية القروض الإسرائيلية من البنوك الأميركية لتمويل الاستيطان، وكان أن سقط شامير في الانتخابات وعاد حزب العمل إلى السلطة برئاسة إسحاق رابين.

ونذكر أيضا خلاف نتنياهو نفسه مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون، قبل وبعد مفاوضات واي ريفر عام 1996 حول تنفيذ انسحابات جديدة من الضفة الغربية، وهو خلاف انتهى أيضا بخسارة نتنياهو للانتخابات، وعودة حزب العمل بزعامة إيهود باراك. وهي سوابق تعني أنه يكفي أن توحي واشنطن بغضبها تجاه سياسة إسرائيلية ما، حتى يتفاعل المجتمع الإسرائيلي مع تلك الإيماءة ويبادر إلى تغيير يرضي واشنطن. ويجب ألا ننسى هنا، وعلى مدى سنين طويلة، الوجود الدائم لما عرف باسم (تعهد كيسنجر)، والذي يقضي بألا تبادر واشنطن إلى أي أمر سياسي، أو إلى أية مبادرة، إلا بعد التشاور المسبق مع إسرائيل.

وقد حدث عام 1996، حين وصل نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، أن كانت هناك تعهدات إسرائيلية لواشنطن رفض نتنياهو الإقرار بها (الانسحاب بنسبة 13% من الضفة الغربية). ولا يهم هنا أن نستذكر تفاصيل ذلك الخلاف، المهم أن نستذكر وجهة نظر نتنياهو، تلك التي كانت تقول، إن دولة إسرائيل الصغيرة تستطيع أن تقف وتتحدى الدولة الكبيرة، وليس صحيحا، حسب قول نتنياهو، أن إسرائيل لا تستطيع الصمود أمام الضغط الأميركي، وقد شرح ذلك في كتابه "مكان تحت الشمس".

يستند هذا الموقف إلى طبيعة العلاقة الأميركية الإسرائيلية التي أشرنا إلى بعض بنودها، ويستند إلى ثقة عميقة دفينة في النفوس والعقول. إن واشنطن لا ترغب ولا تستطيع أن تتخلى عن إسرائيل، فهي تحتاجها يوميا وإستراتيجيا، لمواصلة فرض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط بأكمله، وهي تفعل ذلك لصالح أميركا بكلفة أرخص بكثير من كلفة أية قاعدة حربية، كما أعلن ذلك مرة مناحيم بيغن بعد حرب العام 1973. كل هذه الأمور كانت موجودة في خبرة نتنياهو السياسية، وكانت تفعل فعلها في تغذية فكره السياسي، وكانت تلبي نزعته اليمينية التي تفضل نزعة الفرض بديلا عن نزعة التفاهم، ونزعة السيطرة بديلا عن نزعة التشاور.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك حدثا أكثر أهمية شهده العام نفسه، هو حدث الاتصال الذي تم بين نتنياهو وبين المحافظين الأميركيين الجدد. فقبل أن يصل هؤلاء إلى السلطة في واشنطن، أرسلوا مندوبا عنهم هو ريتشارد بيرل، الذي كان يوصف في أوساطهم بلقب (أمير الظلام)، بمذكرة موجهة إلى نتنياهو، تنتقد اتفاق أوسلو مع نصيحة بألا يقدم نتنياهو أي تنازل جديد للفلسطينيين أو للعرب، وذلك من أجل أن تبقى إسرائيل قوية ومسيطرة، كجزء من مفهوم هؤلاء لهدف (الشرق الأوسط الجديد). ومن الواضح أن نتنياهو أخذ برأيهم دون الإعلان عن ذلك، ومن هنا كانت مناوراته المتلاحقة لإفشال مفاوضات التسوية في الضفة الغربية، وهكذا مضت السنوات الثلاث التي قضاها في السلطة من دون إنجاز يذكر على صعيد مفاوضات التسوية.

وربما يكون هناك دافع آخر يحرك نتنياهو باتجاه التصلب في التعاطي الراهن مع توجهات الرئيس أوباما، يعبر عن نفسه في الاعتقاد بأن أوساطا أميركية لا بد وستتحرك ضد سياسة أوباما، أحيانا عبر أوساط تدعو لعدم التخلي عن دعم إسرائيل بقوة، أو عبر أوساط تنتقد سياسته تجاه إيران وتعتبرها سياسة متساهلة تضر بأمن أميركا وإسرائيل، وأحيانا بسبب الأزمة الاقتصادية وقبول أو رفض المقترحات لعلاجها. وعلى أمل أن يترتب على ذلك كله تكوّن جبهة سياسية معارضة لأوباما، يتم التحالف معها للضغط عليه من أجل تغيير توجهه لدفع إسرائيل باتجاه قبول شروط معينة، من نوع الشرطين الأميركيين المعلنين. وهناك كثيرون في إسرائيل ينتظرون أمرا من هذا النوع من أجل أن تعود الأمور بين واشنطن وتل أبيب إلى سابق عهدها.

ولكن هذه النظرة من نتنياهو وحلفائه لاحتمالات تطور السياسة الأميركية الداخلية، وانعكاساتها بالتالي على إسرائيل، تتجاهل أمرا أساسيا يتعلق بنمو عوامل أميركية داخلية تدعو إلى التمييز بين مصالح أميركا في السياسة الخارجية ومصالح إسرائيل. وتمثلت هذه العوامل بالدراسات الأكاديمية أولا (الأستاذان ستيفن فولت وجون مرشهايمر)، ثم بالتقارير السياسية (تقرير بيكر - هاميلتون)، ثم بمذكرات حول السياسة الخارجية (مذكرة بريجنسكي)، وأخيرا بدء تشكيل لوبي إسرائيلي جديد يعارض توجهات اللوبي (إيباك) المؤيدة عادة لليمين الإسرائيلي ولحزب الليكود.

وكل هذا يعني أن توجه أوباما لاتباع سياسة جديدة تجاه إسرائيل، تنسجم بشكل أوضح وأدق مع المصالح الأميركية، يمثل نزعة أميركية داخلية لها مؤيدوها وأنصارها، وليس مجرد نزعات ذاتية شخصية لدى أوباما. وهذا يعني أن مراهنة نتنياهو على تغيرات في الوضع الداخلي الأميركي، قد تكون تعبيرا عن رغبة ذاتية، أكثر مما هي تعبير عن ظواهر موضوعية.

وفي كل الأحوال، يمكن في النهاية تلخيص الوضع كما يلي: هناك علاقة ثابتة وقوية ومتينة، ستبقى قائمة ومستمرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وستواصل الولايات المتحدة من خلال هذه العلاقة، حماية دولة إسرائيل أمنيا، وبالمعنى الإستراتيجي، ولكنها ستقول لها، وقد تضغط عليها أيضا، إن عليها أن تنسجم  بشكل أوضح مع التكتيك السياسي الذي تطلبه واشنطن، أثناء معالجة العديد من المسائل، وبخاصة أثناء معالجة قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي. فهناك تقارب سيبقى قائما ومستمرا، وهناك تباعد سينشأ بسبب الاختلاف في التكتيك السياسي.

نحن هنا حتى الآن، أمام صورة ثنائية، وجهها الأول خطاب أوباما الذي وصفناه بأنه إيجابي ولكنه ناقص، وخطاب نتنياهو الذي أراد أن يملأ الصيغ الناقصة في خطاب أوباما، على طريقته، وبما يناسب رؤيته الأيديولوجية التي لا علاقة لها بعالم السياسة.

نواقص خطاب أوباما 

ويبقى أن نلقي نظرة سريعة على المنطق السياسي الذي يمكن أن يلجأ إليه أوباما، ليقوم هو بنفسه بملء النواقص في خطابه، وبلورة خطاب جديد متكامل.

نواقص خطاب أوباما، هي من وجهة نظرنا، ليست مجموعة من المواقف تؤيد الفلسطينيين أو تنتقد الإسرائيليين. وليست شروطا للتفاوض يسعى الرئيس الأميركي إلى فرضها على الفلسطينيين أو على الإسرائيليين.

نواقص خطاب أوباما المطلوب تجاوزها تتعلق بمنهج التفاوض الذي يدعو إليه أوباما، وبالمرجعية التي تستند إليها المفاوضات التي سيرعاها أوباما. لقد كانت المنهجية التفاوضية التي رعتها أميركا حتى الآن، تقوم على قاعدة طاولة المفاوضات. المهم أن يجلس الطرفان على الطاولة ويتفاوضا، ثم يوافق المجتمع الدولي على ما يتم الاتفاق عليه. هذه المنهجية يمكن أن نصفها بأنها مفاوضات موازين القوى، والتي يقوم فيها الطرف الأقوى وهو الجيش المحتل بفرض مواقفه ومطالبه على الطرف الأضعف وهو الشعب الذي جرى احتلاله. وقد تم تجريب هذا النوع من التفاوض، بموافقة أميركية وبرعاية أميركية، طوال العشرين سنة الماضية، وكانت النتيجة هي الفشل.

وهناك مرجعية بديلة مطلوبة، لا تشكل انحيازا أميركيا لأي طرف، ويمكن الدفاع عنها أمام أعتى المنتقدين لها، وهي المرجعية التفاوضية التي تقوم على قاعدة القانون الدولي والشرعية الدولية. فالاحتلال، والتغيير الجغرافي (المستوطنات)، والتغيير الديمغرافي (الطرد والإبعاد واستقدام المستوطنين)، ونظرية تبادل الأراضي، تطرح كلها للتفاوض، وتناقش كلها، حسب قاعدة القانون الدولي، وليس حسب قاعدة: هذا ما أريد، وليس أمامك إلا أن تقبل ما أريد.

ولكن هل سيقدم أوباما على مثل هذه الخطوة الكبيرة الناقصة؟ ليس الجواب إيجابيا بالضرورة، فهو كرئيس دولة ترعى إسرائيل، ليس مضطرا بالضرورة أن يعتمد مواقف تغضب إسرائيل، إلا إذا نشأت أمامه مصلحة توازي ذلك الغضب أو تتفوق عليه. وعنوان هذه المصلحة هنا موقف عربي ضاغط بهذا الاتجاه. ونحن نسمع عن مواقف عربية ضاغطة، ولكننا لم نسمع، ولم نشهد حتى الآن تبلورا كافيا لهذه المواقف العربية الضاغطة، كما لم نلمس حتى الآن أن تغيرا طرأ، أو سيطرأ على التكتيك السياسي الأميركي بسبب هذه المواقف العربية. ونتمنى أن نشهد ذلك قريبا. نتمنى أن نسمع قريبا خطابا عربيا طال غيابه.

الخطاب العربي الغائب 

ماذا يمكن للخطاب العربي أن يقول، خاصة وأن أمامه مهمتين: مهمة الرد على خطاب نتنياهو، ومهمة التفاعل مع خطاب أوباما ومحاولة ملء نواقصه. أتصور أن يكون لهذا الخطاب مضمون يركز على الأفكار التالية:

·       بلورة الرواية الفلسطينية للصراع العربي - الإسرائيلي، لتقف في وجه الرواية الإسرائيلية. مهمة هذه الرواية أن تركز على وقائع التاريخ القريب، وأن تظهر عدوانية الحركة الصهيونية وخططها السرية والعلنية لتهجير الفلسطينيين خلال فترة الحرب وما بعدها. وقد تولى المؤرخون الجدد في إسرائيل بأنفسهم فضح تلك المخططات، خلافا للرواية الإسرائيلية الرسمية المعلنة.

·       شرح دور القوى الاستعمارية العالمية التي مكنت للحركة الصهيونية أن تقيم دولة لها في إسرائيل. الدور البريطاني - الفرنسي الذي نكث بعهوده للحركة الوطنية العربية التي قاتلت معهما في الحرب العالمية الأولى ضد تحالف ألمانيا - الدولة العثمانية. وكان التعهد الأساسي آنذاك هو إنشاء دولة عربية واحدة تشمل الجزيرة العربية وكل دول المشرق بما في ذلك فلسطين، إلى أن انكشف أمر الاتفاقية السرية التي عرفت باسم اتفاقية سايكس بيكو، التي خططت لتقسيم المنطقة العربية بعد الحرب إلى مجموعة من الدول.

·                     دور بريطانيا في إصدار "وعد بلفور" عام 1917 من أجل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

·       دور الأمم المتحدة (عصبة الأمم آنذاك)، في إصدار قرار بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين، والنص على أن هدف الانتداب هو تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين لتحقيق وعد بلفور.

·                      

·       توضيح الدور الاستعماري لدولة إسرائيل داخل المنطقة العربية وضدها. فهي ارتبطت دائما مع الحركة الاستعمارية، وعملت ضد مطامح الحركة الوطنية العربية، وقد تجلى ذلك بشكل مباشر في حرب العام 1956، حيث شاركت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا في الهجوم على مصر لمنع تنفيذ قرار تأميم قناة السويس. ثم تطورت هذه العلاقة مع القوى الاستعمارية، من خلال تمكين إسرائيل من امتلاك القنبلة الذرية عبر فرنسا. ثم تمكينها من امتلاك الأموال اللازمة لإقامة بنيتها التحتية كدولة عبر أموال التعويضات من ألمانيا، وأخيرا عبر قروض أسلحة الولايات المتحدة الأميركية، وبهدف أن تكون إسرائيل دولة أقوى من أية دولة عربية، لكي تمنع حدوث أية تغييرات في المنطقة العربية لا تتلاءم مع المصالح الأميركية.

·       توضيح وشرح مسار النمو المجتمعي داخل دولة إسرائيل، وكيف سار هذا النمو باتجاه اليمين السياسي، وباتجاه اليمين الديني، فاسحا المجال أمام نمو التطرف، والأصولية، والعنصرية، بحيث باتت هذه المظاهر هي المسيطرة على الحياة السياسية الإسرائيلية الآن، في المجتمع وفي الكنيست، وهي التي أوصلت في السنوات الأخيرة: آرييل شارون، وإيهود اولمرت، وتسيبي ليفني، وبنيامين نتنياهو، إلى السلطة في إسرائيل، ومعهم كل ممثلي نزعات الترانسفير والعنصرية من رحبعام زئيفي إلى أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الحالي.

·       توضيح وشرح كيف رفضت إسرائيل كل مشاريع التسوية مع العرب، كيف عطلت وخربت كل أنواع المفاوضات التي جرت، بسبب إصرارها على فرض مطالبها غير المقبولة والمخالفة للقانون الدولي. وكيف كانت دائما ضد الدولة الفلسطينية على كامل أراضي 1967، وضد اتفاق تسوية متفاوض عليها، من خلال إغراق أي مشروع اتفاق بالمطالب والشروط المسبقة، على غرار مشروع إيهود باراك في كامب ديفيد 2000، ومشروع نتنياهو في خطابه في جامعة بار إيلان.

·       توضيح وشرح أن العرب حين يقفون ضد إسرائيل إنما يقفون ضد سياساتها العدوانية، وأن هذا الموقف بعيد كل البعد عن العداء لليهود، الذين يستطيعون في ظروف ملائمة، العيش في المنطقة العربية كمواطنين متساوين مع الآخرين، وبخاصة منهم اليهود من أصل عربي، كما كان الحال معهم على امتداد عصور التاريخ.

أسس التفاوض حسب القانون الدولي 

إن تسجيل هذه الرواية لتاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، أمر ضروري جدا، لأنها هي الرواية الحقيقية الواقعية لتاريخ المنطقة، ولأن شهودها من البشر والقادة، العرب والأجانب، لا يزالون أحياء. وهي رواية مطلوبة من أجل أن تقف في وجه الرواية الإسرائيلية التي لا تجد ما تستند إليه سوى القصص والأساطير عن تاريخ سحيق تجاوزته البشرية.

وبعد تسجيل هذه الرواية التاريخية، لا بد من تسجيل ملاحظات وانتقادات الفلسطينيين والعرب، على المفاوضات التي جرت، من أجل تجاوزها، ومن أجل توفير مناخ لمفاوضات من نوع جديد، تقوم على قاعدة القانون الدولي، ويكون القانون الدولي هو مرجعيتها عند الاختلاف. وهنا لا بد من تسجيل الأسس التفاوضية التالية:

·       تبدأ المفاوضات من مبدأ أن أرضا فلسطينية احتلت عام 1967، معروفة المساحة والحدود. ومن المحتم أن يزول هذا الاحتلال حسب القانون الدولي. أما الادعاء بأن هذه الأرض ليست محتلة بل هي محررة، أو متنازع عليها، فهو ادعاء ينتسب إلى الأساطير لا إلى الوقائع.

·       ويمنع القانون الدولي (اتفاقية جنيف الرابعة) أن يقوم المحتل بإحداث أي تغيير جغرافي أو ديمغرافي في الأرض التي يحتلها. ويقود هذا فورا إلى رفض التغيير الذي حدث في مدينة القدس وحولها، ورفض شرعية المستوطنات التي تم إنشاؤها، ورفض استقدام مستوطنين للإقامة فيها.

·       يترتب على ذلك، إزالة فكرة توحيد مدينة القدس، وإزالة فكرة أنها عاصمة لدولتين، وإزالة أي تلاعب آخر يمس فكرة الانسحاب منها باعتبارها مدينة محتلة.

·       يترتب على ذلك أيضا ضرورة سحب نظرية تبادل الأراضي من على طاولة المفاوضات، أولا لأنها تتناقض مع كل ما ورد في البند السابق، ثم لأن تبادل الأراضي لا يكون بين المحتل والمحتلين، بل بين الدول ذات السيادة، وإلا أصبح فرضا واستيلاء على الأرض، حتى لو تم ذلك من خلال مفاوضات.

·       يحق للفلسطينيين والعرب أن يطلبوا تعويضا من إسرائيل عن فترة الاحتلال للأراضي التي تم الاستيلاء عليها عام 1967. بسبب استغلال تلك الأراضي والأرباح التي جنتها من وراء ذلك طوال سنوات الاحتلال، وكذلك بسبب الخسائر الجسيمة التي أوقعها الاحتلال بسكان تلك المناطق وأراضيهم وأملاكهم، ثم بسبب التعسف والعنت الذي واجهوه، اعتقالا وسجنا وتعذيبا وقتلا. ويمكن أن تكون المستوطنات وكلفة بنائها جزءا من هذا التعويض.

·       قضية اللاجئين الفلسطينيين عام 1948 قضية مطروحة وقائمة بذاتها. ويستطيع المفاوض أن يبحث بها ولكنه لا يستطيع أن يتنازل عنها، فهذا ليس من حق أحد، وليس من صلاحية أحد. والقانون الدولي يضمن للمهجر أن يعود إلى وطنه، والشرعية الدولية تقول بذلك أيضا بخصوص اللاجئين الفلسطينيين. وثمة هنا مستويات لطرح الموضوع: الإقرار والاعتراف بحق اللاجئ الفلسطيني بالعودة إلى وطنه. والمستوى الثاني هو الممارسة العملية والتنفيذية لهذا الحق. وحتى لو لم يكن هناك اتفاق على المستوى الثاني، فلا بد من تسجيل الإقرار والاعتراف بالبند الأول.

·       إن البحث التفاوضي مع إسرائيل يدور بمجمله حول الأراضي الفلسطينية والعربية التي تم احتلالها عام 1967، ولكن .... بين إسرائيل والعرب مسألتان:

1.                                        مسألة نكبة فلسطين عام 1948.

2.                                        ومسألة احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية عام 1967.

·       والبحث التفاوضي الجاري مع إسرائيل، يدور بمجمله حول الأراضي التي احتلت عام 1967. وحين تم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، كان الاتفاق كله يدور حول عمل يجري في أراضي 1967. ولم يكن هناك من رابط بين قضية أراضي 1967، وبين القضية الأصل التي هي نكبة فلسطين عام 1948، سوى كلمة واحدة هي (اللاجئين) التي وردت في بند يتعلق بذكر القضايا التي سيدور حولها التفاوض حول (الحل النهائي) أو (الحل الدائم).

·       وحين ترفض إسرائيل الآن، البحث في قضية عودة اللاجئين، فهي إنما ترفض عمليا البحث في تسوية للقضية الأصل (1948)، وتصر على بحث يتعلق بتسوية ما تم عام 1967.

·       إن رفض إسرائيل البحث في القضية الأصل، من خلال رفض عودة اللاجئين، يعني أنه من غير الممكن أن يكون الاتفاق معها، نتيجة هذا النوع من التفاوض، اتفاقا حول حل القضية الفلسطينية، ويعني أنه لا يمكن توقيع (معاهدة سلام).

·       إن إصرار إسرائيل على تفاوض يقتصر على أراضي 1967، يعني أن الاتفاق سيكون اتفاق تسوية، اتفاق عدم اعتداء، اتفاق هدنة كما كان عليه الحال عامي 1949 - 1950 في مفاوضات رودس، وهذا أمر يجب أن يكون واضحا بجلاء أمام الجميع.

·       إن الدولة الفلسطينية التي ستنشأ نتيجة المفاوضات، يجب أن تكون بالضرورة دولة مستقلة ذات سيادة على كامل حدودها، وعلى سمائها وأجوائها، وعلى مياهها الإقليمية. ويجب أن تكون حرة غير مقيدة في إقامة صلات وعلاقات وتوقيع معاهدات مع أية دولة عربية، وباعتبار أن الدولة التي ستنشأ هي دولة عربية تنتمي إلى جماعة الدول العربية.

خلاصة 

إن الالتفاف حول هذه البنود، أو الغموض بشأنها، أو الرفض الضمني لها، لعب دورا كبيرا في السابق في إفشال كل أنواع مفاوضات التسوية. ومن دون طرح هذه القضايا بوضوح وصراحة، فإن كل مفاوضات مقبلة ستتعرض للفشل أيضا.

وعلى الذين يفكرون بحلول مفروضة، عبر أميركا أو عبر الأمم المتحدة، أن يدركوا أن أي حل لا يتضمن درجة كافية من العدل، لا يمكن أن يكون أكثر من هدوء مؤقت، يعود الوضع بعده للانفجار، فقضايا الشعوب لا تحل إلا من خلال منطق العدل.

بطرح من هذا النوع يمكن أن نملأ النواقص في خطاب أوباما (القانون الدولي والشرعية الدولية)، ويمكن أن نرد على خطاب نتنياهو، لنضع بين يدي أوباما الرواية الفلسطينية للصراع، والحقائق التاريخية الواقعية للصراع، لكي يستطيع أن يتسلح بها (إن أراد) للرد على أساطير خطاب نتنياهو، وللرد على منطقه الذي يلغي إمكانية بدء مفاوضات تسوية جادة.