قائمة الموقع

اتجاهات التصاعد التدريجي بالنيران في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة..بقلم/ محمد عبده

2024-06-15T15:35:00+03:00
مقال
فلسطين اليوم

في خضم المعارك الدائرة حالياً في وسط قطاع غزة وجنوبيه، نشر مركز "علما" الإسرائيلي للأبحاث والدراسات، مؤخراً، إحصاءات مهمة تتعلق بتطور لافت طرأ على وتيرة عمليات حزب الله ضد المواقع الإسرائيلية في الجولان وشمالي فلسطين المحتلة ومزارع شبعا المحتلة خلال الأسابيع الأخيرة، بحيث أوضحت هذه الإحصاءات أنّ شهر أيار/مايو الماضي يُعَدّ الشهر الأكثر كثافة لهجمات الحزب على الجبهة الشمالية، منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ونشر المركز عدداً من الأرقام والبيانات بشأن هذه الهجمات، بحيث قال إن حزب الله نفذ، خلال أيام الشهر الماضي، ما مجموعه 325 هجوماً، بمتوسط يومي بلغ 10 هجمات، وهو متوسط مرتفع مقارنة بشهر نيسان/أبريل الماضي، الذي تم خلاله تنفيذ ما مجموعه 238 هجوما، بمعدل 7.8 هجمات في اليوم.

على المستوى التسليحي، أشار تقرير المركز إلى زيادة كبيرة في استخدام الصواريخ المضادة للدروع والطائرات من دون طيار خلال الشهر الماضي، مقارنة بالشهر السابق له، بحيث أطلق حزب الله خلال الشهر الماضي ما مجموعه 95 صاروخاً مضاداً للدروع و85 طائرة مسيرة، في مقابل 45 صاروخاً مضاداً للدروع و42 طائرة مسيرة تم إطلاقها خلال الشهر السابق له.

وأظهر تتبع عمليات إطلاق الطائرات المسيرة التابعة لحزب الله زيادة مطّردة في معدلاتها خلال أيار/مايو الماضي، وطرأت زيادة في هذه العمليات في هذا الشهر، بمعدل يصل إلى 12 ضعف معدلات إطلاق الطائرات من دون طيار خلال شهر شباط/فبراير الماضي، في حين شهدت عمليات إطلاق الصواريخ حرة التوجيه والمدفعية الصاروخية ارتفاعاً خلال الشهر الماضي، وبلغ عددها الإجمالي 139 عملية، مقارنة بـ 128 عملية إطلاق خلال شهر نيسان/أبريل الماضي.

متغيرات لافتة على مستوى عمليات القصف الصاروخي

تزامن عرض هذا التقرير مع إعلان حزب الله أنه نفذ ما مجموعه 2000 عملية متنوعة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حتى نهاية أيار/مايو 2024، بينها 281 عملية تم تنفيذها الشهر الماضي فقط.

لكن النقطة اللافتة والأساسية في هذا الصدد تتعلق بجملة من المتغيرات الميدانية، التي طرأت على أداء حزب الله في الجبهة الحدودية مع فلسطين المحتلة، لا ترتبط فقط بالزيادة المطردة في عمليات الحزب في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بل تتضمن في طياتها أيضاً تطوراً نوعياً على مستويَي الكم والنوع، بدأت تتراكم بصورة تدريجية منذ أوائل العام الجاري.

على مستوى التصاعد الواضح في كثافة القصف الصاروخي، أصبحت عمليات القصف، التي ينفذها حزب الله، تتم على شكل صليات كثيفة تتراوح بين 20 و70 صاروخاً، ولم يعد الاعتماد في هذه العمليات مقتصراً على صواريخ راجمات المدفعية الصاروخية قصيرة المدى، بل باتت عمليات القصف تعتمد على صواريخ ثقيلة من نوع "بركان"، تصل زنتها الإجمالية إلى نصف طن، ونفذت استهدافات ناجحة في المستوطنات القريبة من الحدود، مثل مستوطنة "كريات شمونة".

عمليات القصف، المشار إليها، باتت تشمل طائفة متنوعة من الأهداف، على نحو يتسم بزيادة لافتة في دقة عمليات الاستهداف ومداها، وشمولها مواقع قيادة عسكرية ومصانع للعتاد العسكري، إلى جانب زيادة عمق هذه الضربات ليصل إلى مسافات تتراوح بين 35 و40 كيلومتراً عن خط الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، عبر قصف قاعدة عسكرية تابعة لـ "الجيش" الإسرائيلي الشهر الماضي، في منطقة مفرق الجولاني، غربي بحيرة طبريا.

كذلك، طرأ تطور مهم في نوعية المناطق المستهدفة، بحيث شملت عمليات القصف الصاروخي، للمرة الأولى الشهر الماضي، مناطق في الجليل الغربي، بحيث أصيبت مستوطنة "إيفن مناحيم" بصاروخين مضادين للدبابات. وبهذا دخلت مناطق جديدة ومستوطنات لم يتم إخلاؤها في دائرة الإنذار، شمالي فلسطين المحتلة، الأمر الذي حدا بقيادة المنطقة الشمالية إلى أن تعلن أن الطريق الساحلي من مستوطنة ليمان حتى رأس الناقورة، باتت منطقة عسكرية يُمنع دخولها.

يضاف إلى هذا، بدأ حزب الله استخدام صواريخ "الماس-3" الموجهة تلفزيونياً، منذ أوائل العام الجاري، وكانت أول عملية من هذا النوع استهدافاً ناجحاً لقبة رادار إسرائيلية في موقع "جل العلام" العسكري، وآخر هذه العمليات استهداف ناجح لأحد قواذف منظومة "القبة الحديدية" في مستوطنة "راموت نفتالي".

عمليات القصف الصاروخي، التي ينفذها حزب الله، باتت في أحيان كثيرة تستهدف مناطق بعينها في شمالي فلسطين المحتلة بصورة متكررة. ويمكن القول إن الشهر المنصرم شهد تكثيفاً هو الأكبر لنيران حزب الله، بحيث تم استهداف مناطق بعينها عشرات المرات بالصواريخ، مثل مستوطنة كريات شمونة (70 صلية صاروخية)، ومستوطنة بيت هيلل (54 صلية صاروخية)، علماً بأن هذه الأرقام ترتبط فقط بالصواريخ قصيرة المدى، ولا تشمل عمليات إطلاق المسيرات والصواريخ المضادة للدروع.

هنا، لا بد من الإشارة إلى إدخال حزب الله تكتيكاً إضافياً في عملياته نحو الجولان ومناطق الجليل، يرتبط بصورة أساسية باستهداف مناطق الأحراج والغابات، لإشعال حرائق كبيرة تستنزف طواقم الإطفاء الإسرائيلية، وتُحدث أثراً نفسياً مضاعفاً. ونجح خلال الأيام القليلة الماضية في إشعال حرائق ضخمة في محيط عدة مستوطنات في الجليل الأعلى والجولان، مثل كريات شمونة وجبل بيريا وكيرن نفتالي.

يضاف إلى ذلك شمول المواقع العسكرية الميدانية والقيادية في هذه الضربات، وهو ما يمكن عدّه أيضاً مؤشراً على زيادة دقة الإصابات. ومن أمثلة هذا استهداف مواقع عسكرية أساسية، مثل المقارّ العسكرية في مستوطنة كريات شمونة، مثل مقر اللواء 769 وموقع "غيبور"، إلى جانب مقر الفرقة 91 في مستوطنة "برانيت"، ومقر قيادة كتيبة ‏المدفعية 411 في منطقة "جعتون".

إدخال أشكال هجومية جديدة في الجهد القتالي ضد مستوطنات الشمال

لوحظ/ الشهر الماضي، بدء عناصر حزب الله تنفيذ عمليات قريبة من الحدود، يتم استخدام عناصر مشاة فيها، تقوم بالاقتراب إلى حد كبير من الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، كما حدث في إحدى الهجمات على موقع "راميا"، والذي نشر الحزب تسجيلاً مصوراً حوله، ظهرت فيه مشاركة عناصر من المشاة في إطلاق النار بصورة مباشرة على الموقع، وهو تطور لافت بالنظر إلى أن عمليات القصف بالصواريخ المضادة للدروع وصواريخ أرض - أرض والمسيرات لم تتطلب في أوقات سابقة استخدام عناصر مشاة بالقرب من الحدود، إلا في حالة القصف بمدافع الهاون.

يلاحظ أيضاً انتقال محاولات حزب الله لتعمية قدرات المراقبة لدى "الجيش" الإسرائيلي، إلى مستويات جديدة، بحيث قام سابقاً في عدة مناسبات بإطلاق عدد كبير من الصواريخ، على قاعدة المراقبة الجوية في جبل ميرون.

وفي الوقت نفسه، يداوم على استهداف أنظمة المراقبة والتصوير والرصد في المستوطنات والمواقع العسكرية الحدودية، لكن كانت النقلة المهمة في هذا الصدد، تكثيف استهداف أنظمة المراقبة الجوية "مناطيد - مسيرات"، وهو تكتيك مكلف على المستوى الإسرائيلي، وخصوصاً أن إحدى العمليات أسفرت عن إسقاط منطاد تجسس إسرائيلي باهظ التكلفة من نوع "سكاي ديو"، بين منطقتي رميش وعين إبل، جنوبي لبنان، إلى جانب استهداف محطة التحكم الخاصة به في مستوطنة أدميت بالصواريخ، وهو ما اعترف به الجانب الإسرائيلي، وأسفر عن مقتل شخص وإصابة خمسة جنود.

من أهم التطورات اللافتة، في هذا الإطار، تحول استخدام حزب الله للطائرات المسيرة، ليصبح مرتكزاً على عدة طرائق، بحيث لم يعد استخدامها مقتصراً على العمليات الاستطلاعية، بل بات يشمل العمليات الهجومية، عبر عدة طرائق. فمن جهة، استخدم الحزب المسيرات الانتحارية بصورة ناجحة، وحقق بها خسائر مهمة على الجانب العسكري الإسرائيلي، وخصوصاً في ظل تكرار فشل المقاتلات والدفاعات الجوية الإسرائيلية في اعتراض هذه المسيرات. ومن الأمثلة على هذا الهجوم الذي تعرضت له منصة تابعة لمنظومة القبة الحديدية في منطقة "الزاعورة"، شمالي الجولان، وأصيبت خلالها بطائرتين مسيرتين، فشلت الدفاعات الجوية في اعتراضهما.

ناهيك بأن مجموعة من عمليات الهجوم باستخدام المسيرات، يتم تنفيذها بصورة "مركّبة"، بحيث تشمل عملية الهجوم أيضاً القصف باستخدام الصواريخ أو قذائف الهاون للهدف نفسه.

كما أن حزب الله استخدم المسيرات في تنفيذ الهجمات الأعمق في شمالي فلسطين المحتلة، وعلى رأسها هجوم الشهر الماضي، على القاعدة العسكرية الإسرائيلية في منطقة مفرق جولاني، غربي بحيرة طبريا، والتي تم استهدافها بطائرتين مسيرتين، تم إسقاط إحداهما في حين أصابت الأخرى الهدف.

يضاف إلى ذلك الدقة التي باتت عليها عمليات القصف المسيّر، الذي ينفذه الحزب على المناطق القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، وخصوصاً بعد أن تم نشر تسجيل مصور لعملية الهجوم على مقر الفرقة 143 في منطقة "إلكوش" الشهر الجاري، أظهر ارتباك الجنود الإسرائيليين وعدم قدرتهم على تحديد الاتجاه الذي يتم منه الهجوم، الذي تم على ارتفاع منخفض لم يتم رصده عن طريق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وبالتالي لم يتم إطلاق أي إنذار.

توسيع هجمات الطائرات المسيرة من جانب حزب الله لم يقتصر فقط على استخدام "المسيّرات الانتحارية"، بل تم أيضاً توثيق استخدام الحزب، للمرة الأولى الشهر الماضي، طائرات مسيرة "مسلحة بالصواريخ"، حين نفذ هجوماً بطائرة مسيرة على مستوطنة المطلة، كانت تحمل صاروخين من فئة الصواريخ السوفياتية حرة التوجيه "S5"، وهي خاصة براجمات الصواريخ التي تحملها المروحيات القتالية والقاذفات السوفياتية. وهو تطور مهم إذا وضعنا في الاعتبار أن الطائرة بعد إطلاقها الصاروخين، انطلقت نحو الهدف لتنفجر فيه، لتصبح هذه الغارة التي اعترفت بها "إسرائيل"، أول غارة جوية تتعرض لها المواقع الإسرائيلية منذ عام 1973.

بالتالي، شكلت الهجمات اليومية باستخدام المسيرات استنزافا لجهد وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلية ومعداتها، والتي قامت في مرات عدة بإطلاق صواريخ اعتراضية على أهداف اتضح أنها غير موجودة، وفي بعض الأحيان كانت هذه الأهداف مسيرات إسرائيلية وليست معادية.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن حزب الله سيحاول، في حالة بدء أي مواجهة موسعة، إلحاق أضرار موسعة بالدفاعات الجوية الإسرائيلية وسط القتال، وسيعمل بصورة خاصة على استهداف الأنظمة الاعتراضية، وخصوصاً بطاريات "القبة الحديدية"، عبر إطلاق أسراب كبيرة من المسيرات في المرة الواحدة.

من النقاط الجديرة بالذكر، في إطار العمليات الجوية، تمكن حزب الله من تفعيل منظومة الدفاع الجوي الخاصة به، بصورة فعالة، بحيث بات ملحوظاً اضطرار سلاح الجو الإسرائيلي إلى جعل أغلبية العمليات الجوية التابعة له في أجواء جنوبي لبنان، تتم خلال فترات الليل، تلبية لعدة متطلبات ميدانية، أهمها تفادي التعرض لتهديدات من الدفاعات الجوية التابعة لحزب الله، بعد أن لوحظ تصاعد استخدامها بصورة فعالة خلال الفترة الأخيرة، وصولاً إلى إسقاط طائرة مسيرة من نوع "هيرميس-900" مؤخراً في أجواء "جبل الريحان" في جنوبي لبنان، وهي خامس طائرة مسيرة يسقطها حزب الله منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بواقع ثلاث طائرات من نوع "هيرميس-900" وطائرتين من نوع "هيرميس-450".

تغيرات استراتيجية في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة

على المستوى الاستراتيجي، تسبب تصاعد العمليات العسكرية في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة بتثبيت وحدات قتالية تابعة لثلاثة ألوية على الأقل في هذا النطاق، وهو ما خلق معضلة ترتبط بطول الفترة التي يوجد فيها جنود هذه الوحدات في الجبهة في حالة استنفار دائم، وهي معضلة تشمل حتى جبهات الوجود العسكري الأخرى، بحيث تحاول القيادة العسكرية الإسرائيلية، في الوقت الحالي، إيجاد حلول لمعضلة استمرار وجود قوات احتياطية في قطاع غزة، تقاتل منذ عدة أشهر، وخصوصاً لواء "كرملي" للمشاة، الذي يوجد في محور "نتساريم"، الذي بات يحتاج إلى إحلال قوة أخرى محله.

وستبقى معضلة عدم وجود ألوية بديلة جاهزة لإحلال أي وحدة احتياط تم الدفع بها في الجبهة الشمالية أو الجبهة الجنوبية قائمة، بحيث تزايدت شكاوى قادة الكتائب والألوية بشأن ارتفاع معدلات الحضور، والاستنزاف المتزايد بين جنود الاحتياط والعائلات، وتأثيرات ذلك على سوق العمل في الداخل الإسرائيلي، وكذلك على تراجع معدلات الاستجابة لدعوات استدعاء الاحتياط.

هذا الوضع يضاف إلى معضلة أخرى ترتبط بتصاعد الغضب في سكان المستوطنات الشمالية نتيجة استمرار تعرض هذه المناطق لصواريخ حزب الله، وتأثر الأنشطة الاقتصادية في هذه المناطق بصورة كبيرة، وهو ما يمكن فهمه بصورة أكبر من خلال التوجهات التي أعلنها مؤخراً مجلس مستوطنة "مرغليوت"، وقال بموجبها إنه يجب على "الجيش" الإسرائيلي سحب قواته من المستوطنة، وإنّ غرفة العمليات العسكرية في المستوطنة ستغلق، وهي حالة قد تتفشى في مستوطنات أخرى إذا استمر الوضع الحالي في الجبهة الشمالية. 

وعزز هذا التوجه الإحصاءاتُ التي نشرتها "إدارة أفق الشمال" التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، والتي تم من خلالها إجمال الخسائر التي لحقت بمستوطنات الشمال من جراء أنشطة حزب الله، بحيث تم تسجيل 930 تقريراً بشأن الأضرار في 86 مستوطنة في شمالي فلسطين المحتلة، وبلغت نسبة الأضرار في بعض هذه المستوطنات نِسَباً كبيرة للغاية، مثل مستوطنة "المنارة"، بحيث تم تدمير أكثر من 70 في المئة من المنازل، بالإضافة إلى 18 في المئة من المباني العامة، و13 في المئة من البنى التحتية والمباني الأخرى.

هذه الخسائر، تضاف إلى تكاليف إضافية تتعلق بالتعويضات التي يتم دفعها إلى المستوطنين من جراء هذه الخسائر، والشلل الذي طال كل القطاعات الاقتصادية في المستوطنات الشمالية، وتكاليف إنشاء 413 غرفة محصّنة، والعمليات الجارية لإنشاء 320 غرفة محصّنة أخرى، و1191 غرفة محصنة مستقبلية، وتكاليف التجديد والترميم للملاجئ الأساسية الموجودة في المستوطنات الشمالية، ومنها 223 ملجأً في مستوطنة كريات شمونة، وهو ما سيؤدي في المجمل إلى زيادة صعوبة احتمالات عودة المستوطنين إلى المناطق الشمالية في المدى المنظور، وسيثير بصورة أكبر حفيظة هؤلاء المستوطنين الذين يعيشون في حالة "نزوح" داخلية منذ عدة أشهر من دون أفق واضح لعودتهم، ولا يقل عددهم عن 70 ألف مستوطن.

في جانب آخر، تسبب الضغط الملحوظ من جانب حزب الله، خلال الشهر الماضي، بتأجيل خطوة كانت قيادة الجبهة الداخلية تعتزم القيام بها في شمالي فلسطين المحتلة، لتقليل عدد أعضاء فرق الأمن المدنية المحلية في مستوطنات هذا النطاق غير الملاصقة للحدود مع لبنان، والذين تم تجنيدهم ضمن الخدمات الاحتياطية خلال الفترات الماضية، بحيث قررت القيادة أن تظل الفرق الأمنية في البلدات التي تم إخلاؤها، على بعد بضعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية الفلسطينية، من دون تغيير خلال الأسابيع المقبلة، وهو قرار كان السبب الرئيس فيه دخول مناطق الجليل الغربي في معادلة القصف الصاروخي لحزب الله.

وعلى الرغم من وجاهة الربط بين القرار الذي صدر مؤخراً، بشأن زيادة عدد جنود الاحتياط المسموح للجيش الإسرائيلي باستدعائهم في حالة الحاجة، من 300 ألف إلى 350 ألف جندي، وبين تدهور الأوضاع في الجبهة الشمالية مع لبنان، فإن هذا القرار يرتبط أيضاً بالتطورات المحتملة في عمليات جبهة رفح، التي ستحتاج في حالة توسيعها إلى تجنيد قوات إضافية.

ففي المرحلة السابقة، استدعى "الجيش" الإسرائيلي ما مجموعه 287 ألف جندي احتياط، تم تسريح أغلبيتهم خلال الأشهر الماضية، وكان هذا أكبر استدعاء لجنود الاحتياط في "تاريخ إسرائيل"، علماً بأنه، عقب السابع من تشرين الأول/أكتوبر مباشرة، تم رفع الحد الأقصى الذي يمكن تجنيده من عناصر الاحتياط إلى 360 ألفاً، ثم تم تخفيضه إلى 300 ألف فقط.

خلاصة القول أن تغيرات كبيرة على المستوى التكتيكي والاستراتيجي باتت ملحوظة في جبهة شمالي فلسطين المحتلة، على نحو يمثل في حد ذاته ضغطاً مستمراً في كل المستويات في داخل "إسرائيل"، وخصوصاً بعد أن باتت هجمات حزب الله تطال مناطق في عمق الجليل. ومن هنا، يمكن القول إن تطورات مفصلية سوف تشهدها هذه الجبهة خلال الفترة المقبلة، ربما يكون تأثيرها كبيراً وعميقاً، وخصوصاً في جبهة قطاع غزة.

اخبار ذات صلة