خبر مؤرخ أمريكي: غزة تستحق الإعجاب وأهلها متعطشون للحياة الكريمة

الساعة 03:38 م|26 يونيو 2009

                 

البروفيسور آرون في حوار عن غزة بين الحرب والحصار

زرت أناساً يعيشون أوضاعاً مأساوية لكنهم لم يُهزموا من داخلهم

أمريكا لا تهمها غزة .. ولا يمكن إعفاء مصر من مسؤولية الحصار

الوضع في غزة بعد الحرب وتحت الحصار مرعب .. وأتوقع أن يستمر طويلاً

مؤرخ أمريكي: غزة تستحق الإعجاب وأهلها متعطشون للحياة الكريمة

فلسطين اليوم- غزة

اعتبر الحديث في هذا الأمر صعباً، وبدا متأثراً من ما يصفها بالكارثة التي يمرّ بها قطاع غزة، كما تكلّم بألم عن مشاهد سمع عنها سابقاً قبل أن يراها بأمّ عينيه.

 

إنه المؤرخ الأمريكي البروفيسور بول آرون، كان يتوقع أن يرى أناساً في غزة يصرخون، ويعلو وجوههم الغضب، وينتظرون لحظة الثأر، سوى أنه رأى، كما وصف بلسانه، مشاهد تدعو للإعجاب لصمود رجال وأطفال ونساء، وكرامة وعزة وضبط للنفس غير محدود.

 

وأكد آرون لـ"قدس برس" أنّ الحصار الإسرائيلي والحرب الأخيرة لم تقضِ على حب الحياة لدى الفلسطينيين، الذين باتوا متعطشين للعيش بحياة كريمة كباقي أقرانهم في العالم.

 

ووصف المؤرخ الأمريكي الوضع في غزة بأنه "مرعب"، وتوقع أن يستمر هكذا لفترة طويلة، مؤكداً أنه "ليس هناك سبب واضح للحصار المفروض على غزة، وأنا أعتقد أنّ العالم لا يدري ولا يدرك بالتحديد ما الذي يجري حقيقة في غزة"، معتبراً أنّ "أمريكا لا تهمّها غزة، أحداث إيران مثلاً أهم بكثير بالنسبة لأمريكا من حياة غزة أو موتها، والأزمة الاقتصادية كذلك أهم لدى أمريكا بكثير من غزة".

 

وأعرب أستاذ التاريخ عن توقعه بأن يستمر الوضع في غزة على ما هو عليه؛ "لا حياة كريمة، ولا موت كامل، يريدون أن يجعلوا الناس يعيشون بين الحياة والموت"، كما قال.

 

ورداً على سؤال بشأن من يتحمّل مسؤولية الحصار؛ قال المؤرخ الأمريكي "يتحمل مسؤولية الحصار الإسرائيليون بدرجة أولى، والأوروبيون من بعدهم، والأمريكيون، ولا يمكن إعفاء مصر من هذه المسؤولية"، على حد تعبيره.

 

ولاحظ آرون أنّ "الدعاية الإعلامية في الخارج لا زالت تُصوِّر غزة على أنها مليئة بالناس الذين يحبون الموت والتدمير، وهذا الأمر حقيقة غير صحيح". وأكد آرون أنّ "الناس هنا يريدون أن يعيشوا حياة كريمة، وأن يتواصلوا مع الآخرين، بل إنهم متعطشون للاتصال بالعالم"، كما قال.

 

وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته وكالة "قدس برس" مع المؤرخ الأمريكي البروفيسور بول آرون الذي يزور قطاع غزة.

   

- هل هذه أول زيارة لك إلى قطاع غزة؟

 

* ليست الزيارة الأولى، هذه الزيارة الثالثة لغزة. فقد زُرت غزة أول مرة في شهر نيسان (إبريل) 2008، وأتيت هذه المرة متضامناً مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض للإبادة.

   

- هذه الزيارة تأتي بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كيف وجدت غزة وأهلها بعد الحرب؟

 

* الجواب معقد، فليس سهلا أن أجيب على هذا السؤال. لقد زرت أمس عائلة السموني، والتي قدّمت عشرات الشهداء خلال الحرب الأخيرة. سمعت منهم كلاماً كثيراً، خلفه رعب كبير، لكنني تعجبت بشكل كبير جداً من العزة والكرامة والقوّة خلف كلماتهم. زرت أناساً يعيشون أوضاعاً مأساوية، لكنهم من داخلهم لم يُهزَموا، هذا من ناحية. من ناحية أخرى؛ فإني كنت أتوقع أن أرى أناساً امتلؤوا بالغضب والحقد، لكنني رأيت في وجوه الناس هنا قوةً وجبروتاً كبيرين، قد يكون في داخلهم أمر آخر، لا أعرف.

 

رأيت في أهل غزة انضباطاً نفسياً، لم أراهم يبكون، فهم يحتفظون بمشاعرهم في داخلهم. كنت أتوقع أن أرى الناس هنا يحاربون بعضهم من الضجر، ويصرخون، لكنني حين سألت أحدهم عن سرّ هذا؛ قال إننا نعاني منذ عرفنا هذه الحياة، ولم يعد بوسع الإسرائيليين أن يفعلوا أسوأ مما فعلوا. الناس هنا باتوا لا يرون ملجأ لهم إلا الله والدعاء فقط. وأنا أقول لك: ليس من السهل الإجابة على سؤالك، فأنا أجنبي، ولا أستطيع أن أقرأ ما وراء أقنعة الناس وما يجول بخواطرهم.

  

- ماذا رأيت خلال زيارتك لعائلة السموني، وما الذي بهرك؟

 

* ذهبتُ إليهم، استمعت لإحدى الأمهات التي فقدت اثنين من أطفالها، لقد قُتلا بقذيفة إسرائيلية مزقت أحشاءهما. حدثتني (الأم) أنها خلال الحرب عاشت مع باقي أطفالها، بلا ماء، بلا أكل، بلا شيء، لمدة عشرة أيام متواصلة. لكنني لم أجدها مكسورة، بل كانت قوية، وأطفالها الذين لا زالوا على قيد الحياة لا زال لديهم أمل بالعيش، لم يظهر عليهم شيء من الانكسار. لكن قد يكون الجرح الذي بداخلهم يحتاج وقتاً ليظهر، نحن لا ندري. شعرت بالإعجاب تجاه هذه العائلة الفلسطينية التي لا زالت متشبثة بالحياة رغم مصابها، وهنا ما يدعو للإعجاب، إنه رغم كل ما فعله الإسرائيليون، إلاّ أنّ العائلة لا زالت موجودة.

 

  - لو كنت مكان والد هؤلاء الأطفال، ماذا كنت ستفعل؟

 

* في أمريكا هناك ثقافة الثأر، سأفكر مباشرة في أن آخذ بثأري، لكن والد هؤلاء الأطفال لم يفكر بذلك، فقط يفكر في حماية بقية أبنائه. لو كانت هناك عدالة ورأي عام محترم، يمكن أن يساعدوا عائلة السموني، لكن ..

 

  - كيف تقرأ أسباب استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة؟ ومتى تتوقع أن ينتهي؟

 

* الوضع في غزة مرعب، وأتوقع أن يستمر لفترة طويلة. ليس هناك سبب واضح للحصار المفروض على غزة، وأنا أعتقد أنّ العالم لا يدري ولا يدرك بالتحديد ما الذي يجري حقيقة في غزة، لأنّ الإعلام إن ركّز فإنه يركِّز على انفجار طائرة هنا أو أحداث في إيران. وأصبح ما يجري في غزة أمر اعتيادي وعادي، لا يهمّ أحداً، وتأثر العالم الخارجي بما يجري في غزة أيام الفوسفور الأبيض يختلف عن تأثرهم بما يجري الآن. لقد تفاعلوا قليلاً أيام الحرب، وانتهى الأمر بعد ذلك.

 

أنا أريد أن أقول لك: أمريكا لا تهمّها غزة، أحداث إيران مثلاً أهم بكثير بالنسبة لأمريكا من حياة غزة أو موتها، والأزمة الاقتصادية كذلك أهم لدى أمريكا بكثير من غزة.

 

وأنا أتوقع أن يستمر الوضع في غزة على ما هو عليه؛ لا حياة كريمة، ولا موت كامل، يريدون أن يجعلوا الناس يعيشون بين الحياة والموت، و(رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرائيل) شارون قالها من قبل: إنّ غزة شوكة في حلقه، وتمنّى (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين) لو استيقظ ورآها غرقت في البحر.

 

هذا الوضع القائم هو تحدٍّ كبير لـ"حماس" التي تحكم القطاع، الناس في غزة متذمِّرون من الحصار، لكن لا بديل.

 

  - من يتحمل المسؤولية؟ وكيف تنظر إلى مستقبل غزة؟

 

* يتحمل مسؤولية الحصار الإسرائيليون بدرجة أولى، والأوروبيون من بعدهم، والأمريكيون، ولا يمكن إعفاء مصر من هذه المسؤولية. أما مستقبل غزة؛ فلو أردت أن أتحدّث بقلبي؛ فأنا متفائل، ولو أردت التحدث بعقلي؛ فأنا متشائم.

 

  - ما الحل من وجهة نظرك من أجل محاولة فك أو تحريك الوضع في غزة نحو الأفضل؟

 

* لا أعرف أين الحل، وبرأيي، الحل لا ينزل من السماء. أنا أقول لك: ستحدث تغيّرات في المحيط، مصر ستشهد ثورة هائلة على النظام من قبل "الإخوان المسلمين"، وغير ذلك، وهذا يجب التفكير به. "حماس" نفسها ليست لديها استراتيجية للتخلص من هذا الحصار، ليس لديهم من داخل غزة ما يفكّ الحصار، ينتظرون أن يأتي إليهم أحد من الخارج ويحلّ لهم مشاكلهم، وتجدهم يعوِّلون على أوباما وغير أوباما.

 

"حماس" لا تملك الإبداع في هذه المسألة، وليس لديها تخيّل وتفكير عميق، كل ما لديهم هو الأمل، بأن يأتي أحد من الخارج وينقذهم، كالغريق حيت يستنجد بيديه، يريد أي أحد ينتشله من الخارج مما هو فيه.

 

  - برأيك، ما هي الخيارات المتاحة أمام "حماس" إزاء ذلك؟

 

* هناك خيارات، ويمكن أن يتغيّر الوضع، وأنت لا بد أن تكون مبدعاً أكثر، لا بد من التواصل الجدي مع العالم الخارجي، ولا بد أن تكون لديك مهارة أكبر، لا بد أن تخرج من "حماس" وجوه وأصوات جديدة تخاطب العالم، هناك وجوه قوية وذكية لم يرها العالم ولم يستمع إليها، "حماس" لا بد لها أن تجمع أكبر قدر من الناس حولها وتحشد القوى لإبلاغ العالم الخارجي عمّا يجري في غزة، وأن يظهروا للعالم وجهاً آخر.

 

لا بد من أن يتحدّث الشباب إلى العالم، العالم إذا استمع إلى شباب الجامعات الفلسطينية في غزة، فإنه سوف يُصدَم، وسيسمع كلاماً جديداً لم يعهده من قبل. فالدعاية الإعلامية في الخارج لا زالت تُصوِّر غزة على أنها مليئة بالناس الذين يحبون الموت والتدمير، وهذا الأمر حقيقة غير صحيح. الناس هنا يريدون أن يعيشوا حياة كريمة، وأن يتواصلوا مع الآخرين، بل إنهم متعطشون للاتصال بالعالم.

 

 - من وجهة نظرك، ما هو المطلوب لتوضيح المسألة الفلسطينية للعالم، ونقل المعاناة إليهم ليروا بأم أعينهم حقيقة ما يجري في قطاع غزة؟

 

* من الصعوبة بمكان أن تنقل المعاناة، الناس لا تحتمل أن ترى أشلاء تتقطع، ونساء تموت، وبيوتاً تُهدم. ما يجب نقله، هو الصمود والكرامة والعزة والثبات والذكاء الموجود لدى الفلسطينيين، يجب أن ننقل حب الناس للحياة، وليس مشاهد الموت والدمار.

   

- يعني ذلك أنت ترى أنّ الناس هنا يتعطشون للحياة الكريمة؟

 

* .. بشكل كبير جداً، كل واحد هنا يريد حياة جديدة، كريمة، لا حروب، ولا خلافات