قائمة الموقع

مبادرة بايدن.. خطة انتخابية أم مزيد من الفخاخ للفلسطينيين!

2024-06-09T08:45:00+03:00
شاهر الشاهر أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صن يات سين- الصين.
فلسطين اليوم

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن مبادرة لوقف الحرب في غزة، قائلاً إنها مبادرة إسرائيلية، داعياً "إسرائيل" في الوقت نفسه إلى الموافقة عليها.

قد يبدو الكلام غريباً، فكيف تكون المبادرة إسرائيلية، ثم يتم عرضها على "إسرائيل" والطلب منها الموافقة عليها؟

ربما من قدّم المبادرة أطراف إسرائيلية، وليس نتنياهو، أو أن نتنياهو هو من قدمها في محاولة منه لكسب الوقت، لكنه لم يتوقع أن يقوم بايدن بنشرها إلى العلن.

كل من يقرأ المبادرة يرى أنها لا تختلف كثيراً عن المبادرة السابقة التي رفضتها "إسرائيل"، متهمةً مصر بتحريف بعض بنودها، وهو أمر ليس صحيحاً بكل تأكيد.

ربما الجديد في الأمر هو التوقيت، فبعد رفض المبادرة السابقة، صدر قراران أحدهما من محكمة الجنايات الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه، والآخر من محكمة العدل الدولية باتهام "إسرائيل" بارتكاب مجازر حرب بحق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى العزلة الدولية التي تزداد على واشنطن، وخصوصاً بعد إعلان عدد من الدول الأوروبية اعترافها بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

كل ذلك ربما لا يعني بايدن بشيء، فما يعنيه هو الداخل الأميركي وأصوات الناخبين. لذا، فهو يسعى إلى وقف "الحرب المفتوحة" بأي طريقة ممكنة، على أن تستمر "إسرائيل" بتنفيذ مخططها الهادف إلى "تصفية قادة حركة حماس"، ولكن عبر عمليات أمنية مركزة، تساعدها فيها الولايات المتحدة الأميركية بتقديم معلومات استخباراتية عن أماكن وجود قادة الحركة وما إلى ذلك.

تعاطي حركة حماس مع المبادرة

لطالما أعلنت المقاومة موقفها الثابت والداعي إلى وقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى بين الجانبين، بشرط وجود ضمانات بالتزام" إسرائيل" بما يتم التوصل إليه من اتفاقيات.

رغم أن المبادرة فيها الكثير من الغموض، وبحاجة إلى الكثير من التفاصيل، فإن المقاومة تعاطت معها بإيجابية كي لا تحرج الجانب العربي (مصر وقطر)، ولتقلب الطاولة على نتنياهو، ليظهر على حقيقته باعتباره الرافض الوحيد لأي تسوية من شأنها وقف الحرب في غزة.

المقاومة تتعاطى مع المبادرة بمعنويات عالية، وخصوصاً بعد الفشل العسكري الكبير الذي يعيشه الكيان والعزلة الدولية التي باتت "إسرائيل" تعانيها على مستوى العالم كله.

كما أن الواقع الميداني يشير إلى أن المقاومة لا تزال متماسكة وقادرة على أخذ زمام المبادرة واستمرار إطلاق الصواريخ على عمق الكيان الصهيوني.

البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة أثبتت قوتها وتماسكها، وجعلت المقاومة نهجاً وسلوكاً انعكس على الواقع بالزيادة الكبيرة للشباب الراغبين في الانضمام إلى صفوف المقاومة والعمل معها، فيما يعيش الكيان الصهيوني حالة من التقهقر في صفوف جيشه، والانهيار في معنويات مجنديه، وازدياد حالات التهرب من الخدمة، ما جعل الخدمة العسكرية تقتصر على فئات محددة من المستوطنين دون غيرهم.

حلفاء المقاومة لم يحتاجوا حتى اليوم إلى الدخول في حرب مفتوحة مع الكيان الصهيوني، وما زالت أعمالهم تأخذ طابع الإسناد، تجسيداً لاستراتيجية وحدة الساحات.

ما ورد في المبادرة لا يمكن رفضه بشكل كامل، كما أنه لا يمكن قبول كل ما جاء فيه، ويجب عرضه على النقاش والبحث في كل التفاصيل.

الكثير من الغموض وربما الفخاخ..

سوء الظن هو سلوك يجب اتباعه إزاء كل ما يصدر عن الإدارة الأميركية، وخصوصاً أن تجارب العرب معها لم تكن جيدة في يوم من الأيام. 

لم تتحدث المبادرة عن وضع نهاية للحرب، بل وقف لإطلاق النار يستمر 6 أسابيع، مع الانسحاب من الأماكن السكنية من دون الإشارة إلى الانسحاب خارج غزة.

كما أن المبادرة لم تشرح ما إذا كان وقف إطلاق النار يشمل عمليات الاستطلاع التي تقوم بها إسرائيل في البر والبحر، ولم تشر إلى التفاصيل حول كيفية الإفراج عن الرهائن وتبادل الأسرى والمخطوفين وأعدادهم.

تجاهل فكرة وجود مراقبين دوليين بين الجانبين يبدو أنه أمر مقصود، وهو شرط يجب أن تتمسك به المقاومة ضماناً للمستقبل.

كما تحدثت المبادرة عن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة من دون الحديث عن الجهة التي ستشرف على إدخالها، فلا جدوى للمساعدات إذا كانت "إسرائيل" هي من سيشرف على إدخالها، كما حدث في اتفاق أوسلو، إذ باتت "إسرائيل" تمنع إدخال ما تريد من المواد الغذائية للفلسطينيين.

منع إدخال الكثير من السلع والمواد الغذائية بذريعة أنه يمكن استخدامها "استخداماً مزدوجاً" كان قد جعل الولايات المتحدة تمتنع عن إدخال الحليب لأطفال العراق، بذريعة إمكانية أن يستخدم في التجارب الجرثومية، وهو ما ستكرره "إسرائيل" مع أطفال غزة. 

المبادرة لم تتحدث عن مستقبل القضية الفلسطينية، ولماذا الاستخدام الدارج في الإعلام هو "اليوم التالي"، وهو مصطلح إسرائيلي يتجاهل الحديث عن أي "مستقبل" للدولة الفلسطينية.

اليوم التالي بالنسبة إلى "إسرائيل" يفترض حتمية وجود سلطة فلسطينية متواطئة معها، يكون هدفها حماية "إسرائيل" والدفاع عنها، وهو ما لن تسمح به المقاومة.

فكرة إعادة الإعمار التي طرحها بايدن لم يشر من خلالها إلى الدول التي ستمول ذلك، وهل يرتبط ذلك التمويل بأجندات سياسية أم لا. 

لا شك في أن بايدن يعتقد أن المعنيين بإعادة إعمار غزة هم العرب، وهو وحدهم الذين يستطيعون الضغط عليهم لفعل ذلك، في حين أن "إسرائيل" هي من يتوجب عليها إعادة إعمار ما دمرته في غزة.

موقف نتنياهو من المبادرة..

لا شكّ في أن موقف نتنياهو سيكون رفضاً لكل ما من شأنه وضع نهاية للحرب في غزة، لأن ذلك سيعني بالنسبة إليه، ليس نهاية مستقبله السياسي فقط، بل سيمضي به إلى السجن، نظراً إلى الجرائم الموجهة إليه، ونتيجة لمسؤوليته عن الهزيمة التي تعرضت لها "إسرائيل".

قبول نتنياهو بالمبادرة يعني أنه قدم ورقة انتخابية لبايدن ضد صديقه ترامب، فنتنياهو تربطه علاقة قوية بترامب، وهو يسعى لإطالة أمد الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.

كما أن نتنياهو لا يزال قوياً، فلديه 46 عضو كنيست مؤيدون له من أصل 120 عضواً، كما أن هناك زخماً لدعوته إلى الحديث أمام الكونغرس الأميركي في الفترة المقبلة، وهو ما يعطيه دفعاً سياسياً كبيراً.

نتنياهو لم يتخلَ في يوم من الأيام عن فكرة "اجتثاث حماس"، ولا يزال يرفض فكرة حل الدولتين ويعرقلها، كما أن الولايات المتحدة يجب أن تعترف بحل الدولتين قبل أن تطلق أي مبادرة لوقف الحرب في غزة.

على الرغم من ذلك، يبدو أن نتنياهو وجد نفسه مضطراً إلى الموافقة المبدئية على خطة بايدن، وفقاً لما قاله مستشاره أوفير فولك لصحيفة صنداي تايمز، إذ وصف الخطة الأميركية بأنها "صفقة وافقنا عليها، رغم أنها ليست اتفاقاً جيداً، لكننا نريد إطلاق سراح جميع الرهائن".

قبول نتنياهو المرحلة الأولى من الخطة من دون الاتفاق على معظم التفاصيل ليس سوى نوع من المراوغة والاحتيال على المقترح، لأنه لا يريد القبول بإنهاء هذه الحرب. 

يبدو أنَّ نتنياهو بات اليوم في ورطة، فهو بين مطرقة الإدارة الأميركية والعالم وضغوطهم لوقف الحرب، وسندان أهالي الأسرى الموجودين لدى حركة حماس، والذين يسعون لوقف الحرب لإطلاق سراح أبنائهم الذين قتل الجيش الإسرائيلي بعضاً منهم.

اخبار ذات صلة