قائمة الموقع

عن كيّ وعي المحور الأميركيّ "الإسرائيليّ"... غزّة ومعركة الوجود..بقلم/وسام إسماعيل

2024-06-08T09:01:00+03:00
مقال
فلسطين اليوم

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى وما تبعها من إسناد محور المقاومة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ظهر العامل الأيديولوجي كأحد الأسس الرئيسية التي حكمت استراتيجية المقاومة لناحية اعتبار طوفان الأقصى وما تلاه من مشروع يتكامل فيه صمود المقاومة في غزة مع إصرار جبهات الإسناد على مواكبة هذا الصمود، وذلك من خلال فتح الجبهات من كلّ الاتجاهات كإحدى الخطوات الرئيسية التي ستساعد في تحقيق الهزيمة الكبرى التي ستُترجم في المستقبل نهايةً للكيان الإسرائيلي.

وعليه ظهر واضحاً أن محور المقاومة في هذه المرحلة لن يكتفي بمجرد صمود المقاومة في غزة وإفشال مخطط الكيان في كسرها، وإنما سيتخطى في مشروعه هذا الهدف ليكرّس في الوعي الجماعي الصهيوني قناعة بفشل نظرية نهائية الكيان وتفوّقه التي كانت مساعدة منذ نشأته في دفع الدول العربية للتسليم له والتوقيع على اتفاقات التطبيع.

لم يكن الكيان "الإسرائيلي" يعتقد أن شعار إزالته من الوجود، سيتحوّل إلى إطار عقائدي مؤسّس بحيث يحوّل الصراع مع الكيان الإسرائيلي من عمل منفرد، يكتفي كلّ طرف مقاوم بتأييد الأطراف الأخرى لفظياً ومعنوياً، كما كان الحال حين كان يشنّ الكيان اعتداءاته على لبنان وغزة في المرحلة السابقة إلى محور تترابط وتتكامل أطرافه. وإذا كان من الضروري الالتفات إلى هذا التكامل، فمن الضروري الإشارة إلى أن هذا التكامل والتكافل قد تخطى فكرة المقاومة الهادفة إلى إفشال أهداف تلك الاعتداءات ليحقّق مشروع كسر جبروت المحور الأميركي الإسرائيلي والتحضير لسقوط الكيان النهائي.

في هذا الإطار، يمكن اعتبار إصرار الكيان الإسرائيلي على استمرار عدوانه على غزة طيلة الفترة السابقة، على الرغم من فشله في تحقيق أهدافه، مع ما يعنيه هذا الفشل من توفّر بيئة مناسبة ليصرّ المحور على تحقيق هدفه بالتحضير لسقوط الكيان لناحية ظهور عمق الانقسام السياسي الإسرائيلي وفشل "جيشه" في تحقيق الحسم وإثارة الرعب عند مواجهته، بالإضافة إلى انعدام ثقة الجمهور الإسرائيلي بقيادته، ما شكّل عاملاً مساعداً لإثارة جو من الثقة في إمكانية تحقيق المحور لأهدافه.

هنا، يمكن الاستدلال بالتحوّل الذي طرأ على خطابات قادة المقاومة، حيث إن التركيز في بداية المعركة على اعتبار صمود المقاومة في غزة، بالإضافة إلى جبهات الإسناد بمثابة عمل يستهدف وقف العدوان قد تحوّل بالتوازي مع صمود المقاومة في غزة إلى الحديث عن المستقبل المشرق لهذا المحور، انطلاقاً من اعتبار المعركة الحالية معركة وجود ومصير تتوفّر فيها ظروف الانتصار.

وعليه، لم يكن الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله عادياً حيث برزت مضامينه الاستراتيجية لتعطي للمعركة الحالية بعداً يتخطى ظروف الميدان الحالية. فقد أسس هذا الخطاب معطوفاً على تمسّك حركة المقاومة الإسلامية حماس بثوابتها، بالإضافة إلى إصرار المقاومتين اليمنية والعراقية على استمرار استهداف المواقع والمصالح الإسرائيلية، لرؤية عقائدية عنوانها المصير المشترك وإثبات الوجود كقوة تتحرّك وفق مخطط واحد.

في هذا السياق، قد يظنّ البعض أن السبب الرئيسي لإصرار المحور على التحرّك وفق مخطط واحد يرتبط حكماً بوجود قوة محرّكة تتميز بين مختلف أطرافه بالتفوّق والقدرة على الإدارة والتوجيه بالتوازي مع ما يناسب مصالحها. غير أن قراءة معمّقة في الخلفيات العقائدية لهذه الأطراف ستبيّن وجود عوامل تختلف من طرف إلى آخر ولا ترتبط بمصلحة قومية محددة، مع الإشارة إلى أنه في إطار البحث في الفوارق الأيديولوجية والاختلاف التكتيكي الذي يحكم الفوارق بين أطراف المحور، لن يجد الباحث ما قد يؤدي إلى نسف نظرية المصير الواحد واعتبار المعركة الحالية معركة وجود ستؤسس للمرحلة المقبلة، حيث إن وجود عدو مشترك يشكّل الكيان الإسرائيلي مجرد امتداد له يخدم نظرية الوجود والمصير المشترك.

في هذا الإطار، تبرز فرضية أن تقدير المحور لاستراتيجية المواجهة لا يرتبط حصراً بالعدوان على غزة في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، وإنما بالمرحلة السابقة التي امتدّ خلالها العدوان ليطال كلّ دوله، من العراق إلى سوريا واليمن ولبنان والعدوان المتكرّر على غزة من دون أن نهمل المرحلة اللاحقة لهذا العدوان.

وعليه، يسعى محور المقاومة إلى تكريس إطار نظري جديد للمواجهة يفرض على القوى الإقليمية والدولية شروطاً مختلفةً في لحظة المواجهة. فاستبدال مجرد التخطيط للصمود وإفشال مخططات العدوان بطريقة المواجهة المنفردة برؤية أساسها وحدة الساحات التي أثبتت فعّاليتها في هذه المرحلة يؤشّر على مستوى الطموح الذي بات يتمسّك به المحور. فمن خلال الإصرار على الخروج من هذه المعركة وفق انتصار محدد المعالم، يمكن تفسير وجه المنطقة الذي يهدف المحور إلى صياغته.

فمن خلال الانطلاق من نجاح قوى المقاومة في إفشال مخططات العدوان في سوريا واليمن وما بينهما سوريا ولبنان، ومن ثم استكمال هذا النجاح من خلال الارتقاء في شكل المواجهة حدّ المبادرة إلى الهجوم والتنسيق بين مختلف القوى بما يخدم عنوان المعركة الحالية، يمكن التقدير أن الانتصار الذي يفترضه المحور حقيقة واقعة في غزة سيؤسس لمرحلة جديدة يرتقي من خلالها إلى مستوى يمكّنه من أن يشكّل عنصراً أساسياً في إطار التوازن الدولي في الإقليم.

فمن خلال الأحداث التي عصفت بالمنطقة منذ إسقاط العراق عام 2003، حيث تبدّلت خارطة القوى الإقليمية ليشكّل الحلف الأميركي طوال هذه المرحلة الطرف الأقوى، مع ما رافق ذلك من انهيار على مستوى الأدوار التي كانت تشغلها بعض الدول العربية كمصر والسعودية وغيرها، برزت قدرات محور المقاومة حيث استطاع أن يصمد في وجه هجمة المحور الأميركي ليؤسس لدور جديد شكّل نجاح الجمهورية الإسلامية في مواجهة الضغوط الدولية، بالإضافة إلى إفشال مخطط إسقاط سوريا واليمن أهم مرتكزاته.

وعليه، كان من الضروري أن يوازي المحور هذه النجاحات الميدانية بطرح رؤية عقائدية تؤسّس لشكل التعاطي معه. فالانطلاق من اعتبار أيّ معركة بمثابة معركة وجود لم تكن بعيدة عن مخططات قوى المقاومة في المواجهة، وإنما برزت في هذه المرحلة ضمن إطار يستهدف كيّ الوعي لدى الطرف الآخر، بحيث يفترض بأن أيّ مخطط لكسر إحدى حلقات المحور سيواجَه عقائدياً قبل أن يُواجَه ميدانياً. 

وعليه، يمكن القول إن الخطاب الأخير، الذي كرّس من خلاله الأمين العام لحزب الله عنوان المعركة الحالية على أنها معركة وجود تؤسس للمستقبل، إنما يستهدف كيّ الوعي لدى المحور الأميركي الإسرائيلي بحيث يجعل من المواجهة الحالية وأي مواجهة مستقبلية مواجهةً مصيرية سيجنّد محور المقاومة خلالها كلّ إمكاناته، ليس من أجل إفشال مخططات الطرف الآخر، وإنما من أجل التأسيس لمستقبل يناسب توجّهاته وتطلّعاته مع ما يعنيه هذا الأمر من نهائية القرار بإزالة الكيان من الوجود.

اخبار ذات صلة