خبر المقاومة الأخيرة’’ ... توكيد لقيمة ودور ومشروعية مقاومة الاحتلال.. د. مازن النجار

الساعة 08:42 ص|26 يونيو 2009

المقاومة الأخيرة’’ ... توكيد لقيمة ودور ومشروعية مقاومة الاحتلال

توكيد لقيمة ودور ومشروعية مقاومة الاحتلال

د. مازن النجار

البروفسور جاكلين روز يهودية بريطانية، أستاذة الأدب الانكليزي بكلية الملكة ماري بجامعة لندن، وكاتبة شبه دائمة في مجلة لندن ريڤيو أوڤ بوكس" الأسبوعية الليبرالية لعرض الكتب والقضايا ذات الدلالة الهامة، وهي معروفة أيضاً من خلال برنامجها الوثائقي "الارتباط الخَطِر – إسرائيل والولايات المتحدة"، الذي كتبته وقدمته على القناة البريطانية الرابعة (الوثائقية).

 

من أهم إسهامات البروفسور روز مؤخراً: كتاب بعنوان "المقاومة الأخيرة"، نشرته دار ڤيرسوVerso البريطانية بلندن، وصدر في 2007. يتكون الكتاب من مجموعة مقالات ودراسات نشرتها المؤلفة في السنوات الأخيرة، الخط المشترك الجامع لهذه المكونات هي كونها شهادة بليغة وبالغة الأهمية على سياسات الاحتلال والاقتلاع الإسرائيلي، وحول دور المقاومة في الخبرة البشرية.

 

تتميز رؤية ومعالجات هذا الكتاب بقدرتها على تجاوز الاضطهاد الألماني النازي ليهود أوروبا قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، والذي أصبح من المقدسات الصهيونية المبرِّرة، ولو بأثر رجعي، لقيام الكيان الصهيوني. بتجاوزها للاضطهاد النازي، استطاعت جاكلين روز أن تموضع إرث الصهيونية على نحو يعتبر أنها جعلت الحياة غير محتملة لشعب آخر هم الفلسطينيون.

 

أصبح استخدام الفظائع والأهوال التي تعرض لها اليهود في أوروبا أداة الصهيونيين المفضلة لخنق مجرد مناقشة اضطهادهم واحتلالهم للفلسطينيين، وليس حتى انتقاد ذلك الاضطهاد.

 

ونظراً لاختصاص الدكتورة في التحليل النفسي للأعمال الأدبية، فقد تمكنت في كتابها من المزاوجة بين مهاراتها الأدبية وقدراتها الفكرية، بحيث استطاعت بجدارة تناول الأسئلة الحرجة (في الغرب) والمتعلقة بقيام الكيان الصهيوني باعتباره دولة المقصود منها ‘إنقاذ الشعب’ اليهودي؛ مما أدى إلى إنتاج هذا العمل الهام.

 

علاوة على ذلك، ولكون هذا الكتاب بكامله مأخوذ من أعمال المؤلفة المكتوبة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، فقد نجحت المؤلفة في بلورة كثير من العمق والتنوع في التعاطي مع مصطلح وتعبيرات "المقاومة". وتستشهد المؤلفة بعمل من تأليف أيرين نمروڤسكي الذي كتبته أثناء الفترة النازية، والمقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا ومناطق أوروبية أخرى، واستكشفت فيها العلاقات الشخصية المعقدة أثناء تلك الفترة، وكيف غيرت المقاومة ضد النازية الأحوال والتحولات في الولاءات.

 

كتب جاك ديريدا الفيلسوف اليهودي الفرنسي، ورائد التفكيك بين مفكري ما بعد الحداثة، أن "هذه الكلمة "المقاومة" التي يتردد صداها في وجداني ورغبتي كأكثر كلمة جمالاً في سياسة وتاريخ هذه البلاد (فرنسا)، ...، وهي مشحونة بكل معاني الأسى والحنين، وكأنما كان ما أردت هو أن لا يفوتني، وبأي ثمن، تفجير قطارات ودبابات ومقرات (النازيين) بين عامي 1940 و1945.

 

وفي حين قد يرى بعض القرّاء شيئاً من الانفصام بين المقالات المكونة للكتاب وسياقاتها أو أطرها الزمنية، فإن الموضوعة الأساسية المهيمنة على الكتاب هي "المقاومة"، مما يجعل من هذا العمل دراسة أكثر من رائعة. فالخيط المتدفق من الأحداث ذات الصلة بالمقاومة ضد الاحتلال النازي، والسرديات متداخلة النسيج حول الشخصيات التاريخية (في سياق المقاومة) يجعل هذا العمل أكثر جاذبية. وبكلمات جاكلين روز ذاتها، كان أحد الأسئلة أو المسائل المركزية بالنسبة لهذه المقالات المكونة للكتاب هي التوصل إلى أفضل طريقة لرسم أو مد الخط الذي يمتد من هذا التاريخ (حول مقاومة الاحتلال النازي) إلى فلسطين (حيث مقاومة الاحتلال الإسرائيلي).

 

المنظر الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، الذي تصفه المؤلفة بأنه رغم كونه شخصاً مثيراً للجدل فقد كان أشهر شخصية صهيونية بعد تيودور هرتسل ودافيد بن غوريون، وكان يعتبر أن التطلعات القومية العربية مشروعة. وعلى العكس من الشخصيات الصهيونية التي كانت تتنبأ بغير تدبر، وبعنصرية لا تكاد تخفى، أن العرب سوف يتخلون عن أرضهم عندما يرون كيف تمكن "الرواد" (المستوطنون) اليهود الأوائل من جعلها تزدهر، كان جابوتنسكي يصر على أنهم شعب يتصف بالكرامة، ولا يمكن شراؤهم. وكان جابوتنسكي يقول ‘‘أن البلاد بأسرها ممتلئة بالذكريات العربية’’.

 

لعل أكثر أجزاء كتاب "المقاومة الأخيرة" تأثيراً وقوة هو الفصل الذي خصصته للراحل المفكر الكبير إدوارد سعيد. فقد كان هذا الفصل في الأصل مقالاً منشوراً في إصدار شتاء 2005 من مجلة Critical Inquiry، الذي كان مخصصاً بكامله كتحية وتقدير خاص للبروفسور إدوارد سعيد، وكانت جاكلين روز أحد الكتاب المساهمين الذين تمت دعوتهم للكتابة، وكتبت كما لو كانت تكتب استئنافاً للحوار معه.

 

في هذا الفصل تذكر روز زيارتها الأخيرة للمفكر الراحل في شقته قبل وفاته بأربعة أيام، واختطف منها بسرعة نسخة فوتوغرافية اُعدت على عجل من مسودة كتابها "مسألة صهيون"، والذي تنوه بأنه صدى مقصود ولفتة تقدير وعرفان لكتابه "المسألة الفلسطينية".

 

الخلاصة أن كتاب "المقاومة الأخيرة" يتناول نطاقاً من القضايا التي تغطيها جاكلين روز على نحو بالغ الجاذبية، ويمثل إضافة مثيرة للسردية المتنامية حول فلسطين، ومن منظور جديد ومنعش.