خبر كسر في الحوض..هآرتس

الساعة 08:30 ص|26 يونيو 2009

بقلم: الوف بن

القصة المذهلة للاسبوع الاخير كانت المقابلة التي منحها رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت لمراسل "نيوزويك" كافن براينو. فقد روى اولمرت انه في ايلول 2008 عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اقتراحه للتسوية المستقبلية في القدس: "الحوض المقدس" دون سيادة، وتديره لجنة متعددة القوميات يكون اعضاؤها السعودية، الاردن، اسرائيل، الفلسطينيين والولايات المتحدة. رئيس الفريق الفلسطيني المفاوض، صائب عريقات، اكد اقوال اولمرت لـ "نيوزويك".

بلغة أقل سياسية، اولمرت اقترح تدويل البلدة القديمة ومحيطها، بمعنى، التخلي عن سيادة اسرائيل في الحائط الغربي (حائط المبكى)، الحرم، كنيسة القيامة، جبل الزيتون وربما ايضا في مدينة داود – وتسليمها الى لجنة تكون فيها اغلبية للدول العربية.

لم يؤيد أي زعيم اسرائيلي قبل اولمرت تدويل القدس او قسم منها. وحتى في اتفاق جنيف ليوسي بيلين، جرى الحديث عن تقسيم السيادة في البلدة القديمة بين اسرائيل وفلسطين وليس عن تسليمها الى لجنة دولية. ولكن رغم الكشف الصاخب، تجاهلت وسائل الاعلام الاسرائيلية تماما تقريبا المقابلة الاولى التي يعطيها رئيس الوزراء السابق بعد استقالته. وأغلب الظن يجد اولمرت صعوبة في اثارة الاهتمام، حتى عندما يوفر عناوين رئيسة.

بقدر ما هو معروف، اولمرت قرر بنفسه اقتراح التدويل، الذي لم يبحث في الحكومة او في المجلس الوزاري، وسلمه الى عباس ثنائيا. الاقتراح لم يطرح في المفاوضات الموازية التي ادارتها وزير الخارجية السابقة، تسيبي لفني، مع المسؤول الفلسطيني احمد قريع (ابو علاء). مدير عام وزارة الخارجية السابق اهرون ابرموفتش الذي شارك في محادثات لفني قال في مقابلة استقالته مع "هآرتس" انه لم تجري مفاوضات على القدس.

اولمرت خرق وعده لشاس في الا تطرح القدس على البحث مع الفلسطينيين، ولكن في المرحلة التي طرح فيها اقتراحه على عباس لم يكن لديه ما يدعوه الى الخوف. فقد استقال في نهاية تموز 2008، وواصل محادثاته كرئيس حكومة انتقالية. ما كان لشاس ان تمارس ضده أي ابتزاز ائتلافي. كما أن الاقتراح لم ينشر ولم يثر أي جدال جماهيري او سياسي. ونشرت "هآرتس" في نهاية الصيف الماضي اجزاء منه، وحتى في حينه مر النشر دون رد فعل.

مشوق مقايسة سلوك اولمرت مع سلوك ايهود باراك، الذي بحث في تقسيم القدس مع ياسر عرفات وبل كلينتون في قمة كامب ديفيد قبل تسع سنوات. اقتراح باراك التخلي عن قسم من البلدة كان مفاجئا، ولكن مع عرضه على الفلسطينيين انكشف ايضا للجمهور الاسرائيلي واثار خلافا سياسيا وجماهيريا شديدا. عرفات رفضه، وتفرق المؤتمر دون نتائج واجمله باراك بقوله ان "لا شريك" في الجانب الفلسطيني وان اقتراحاته "كشفت الوجه الحقيقي" لعرفات.

ومثل باراك، اولمرت ايضا اصطدم بـ "لا" فلسطينية قاطعة على اقتراحه السلمي الذي نقله الى عباس، ولكنه امتنع عن انتقاد محادثه. وفي المقابلة مع "نيوزويك" ايضا لم يتهم اولمرت الفلسطينيين بافشال المسيرة السياسية بعد رد اقتراحه. عريقات تحدث بكلمات حميمة عن رئيس الوزراء السابق: "هذا محزن، فقد كان جديا"، ولكن على حد قوله، زمنه السياسي نفد قبل أن يكمل عباس بلورة اقتراح مضاد. عباس قال في مقابلة مع "واشنطن بوست" في الشهر الماضي انه رد اقتراحات اولمرت لان "الفوارق كانت كبيرة"، ولكنه لم ينتقد اولمرت او اقتراحاته.

فكرة ولدت في 1947

تدويل القدس ادرج في مشروع التقسيم للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947. في حينه طرح بان تكون كل المنطقة البلدية للقدس بحدودها في حينه وابوديس، وعين كارم، وبيت لحم في مكانة منفصلة (باللاتينية، كوربوس سيبراتوم). والا تسلم الى سيادة الدولة اليهودية او الدولة العربية، بل الى نظام دولي خاص تديره الامم المتحدة. وفصل الاقتراح صلاحيات حاكم القدس ومناطق المدينة. النظام الخاص كان سيبقى لعشر سنوات مع خيار التمديد.

قرار التقسيم لم ينفذ، وفكرة التدويل سحبت، ولسنوات عديدة اعتبرت غنيمة دبلوماسية لم تتجسد. وقسمت المدينة في حرب الاستقلال بين اسرائيل والاردن، وفي 1949 قرر رئيس الوزراء دافيد بن غوريون الاعلان عن غربي القدس عاصمة اسرائيل، رغم معارضة الاسرة الدولية. في 1967 احتل الجيش الاسرائيلي شرقي القدس وطبقت اسرائيل سيادتها على المدينة الموحدة بحدودها التي وسعت جدا. ادارة الاماكن المقدسة في الحرم بقيت في يد الاوقاف الاسلامية.

في 1980 اتخذت الكنيست بمبادرة حكومة بيغن "قانون اساس: القدس عاصمة اسرائيل"، قضى بان "القدس الكاملة والموحدة" هي عاصمة اسرائيل مما أثار انتقادا حادا في العالم. في 2001، في اعقاب قمة كامب ديفيد اتخذت الكنيست قانون الضمانة، الذي يستوجب اغلبية 61 نائبا لاقرار أي تنازل عن ارض في النطاق البلدي للقدس.

مسألة القدس اثارت صعوبة كبيرة في المفاوضات مع الفلسطينيين، بسبب الخلاف على السيطرة في الاماكن المقدسة. بعد قمة كامب ديفيد حاول المفاوضون عن باراك وعرفات (جلعاد شير وعريقات، شلومو بن عامي وقريع) حله وضمن امور اخرى بحثوا عن صيغ لتقسيم السيادة في الحرم – الفلسطينيون من فوق واسرائيل تحت الارض، لحماية بقايا الهيكل التي يفترض ان يعثر عليها هناك – او تسليم المنطقة الى "سيادة الله".

العمل الاشمل على الحلول السياسية للقدس نشره "معهد القدس للبحوث الاسرائيلية" في 2006. فريق برئاسة باحثة القانون الدولي، البروفيسورة روت لبيدوت، عرض في هذا البحث خمسة بدائل للسيادة على "الحوض المقدس" – سيادة اسرائيلية مع حكم ذاتي للفلسطينيين؛ سيادة فلسطينية مع حكم ذاتي للاسرائيليين؛ تقاسم اقليمي باشراف دولي؛ ادارة اسرائيلية – فلسطينية مشتركة باشراف واسناد دوليين؛ والبديل الخامس، ادارة "الحوض" كوحدة واحدة من هيئة دولية. كما فحص الفريق بدائل مختلفة لتركيبة الهيئة الدولية. ومن اقوال اولمرت في "نيوزويك" يتبين أنه تبنى البديل الخامس، بديل التدويل، مع بعض التعديلات.

كل ابناء ابراهيم

تنتج بضعة دروس من هذه القصة. اولا، ان لرئيس الوزراء في اسرائيل تفويضا بعيد الاثر لادارة السياسة الخارجية بشكل مستقل ودون اشراك حكومته، حتى في الموضوع الاكثر مدارا للخلاف. ثانيا، ان الفلسطينيين يصرون على سيادة كاملة في الحرم وغير مستعدين للتنازل حتى عن نقل الموقع الى ادارة هيئة مع اغلبية عربية. ثالثا، ان الافكار السياسية لا تموت ابدا وحتى "تدويل القدس" التي بدت ذات مرة فكرة هاذية وغير عملية، انبعثت بعد اكثر من ستين سنة وعادت الى طاولة المباحثات.

ذهاب اولمرت لم يبشر باعادة دفن التدويل: في "خطاب القاهرة" تحدث الرئيس الامريكي براك اوباما عن القدس كـ "بيت دائم آمن لليهود والمسيحيين والمسلمين، ومكانا كل ابناء ابراهيم يختلطون فيه معا بسلام". في اقواله اكثر من تلميح بان الحل الممكن للمدينة المقدسة هو "الاختلاط"، أو التدويل. ولعل هذا ما قصده اولمرت حين قال لـ "نيوزويك": "انا لست في الحكم، ولكن افكاري فيه، وافكاري ستنتصر في نهاية المطاف".