خبر باراك يفهمنا جيداً.. ولبس لنا ثوب الواعظ ..سيد القمني

الساعة 09:41 ص|25 يونيو 2009

ـ المصري اليوم 25/6/2009

آثرت الانتظار حتى تهدأ توابع الهزة التى أحدثها خطاب أوباما وتزول الدهشة وردود الفعل الأولى وازدحام وجهات النظر أخذا وردا، موافقة وتنديداً. وقبل أى تحليل أو تفكيك لعناصر الخطاب الأوبامى، يجب ألا ننسى أن دور الرئيس الأمريكى فى المنظومة الإدارية الأمريكية هو أحد الأدوار وليس كلها وربما ليس أهمها، وأنه لا يستطيع أن يخرج على قواعد التكتيك والإستراتيجية التى تساهم فيها مؤسسات وهيئات هذه المنظومة، ولا يكفى تأثيره بمفرده لتغيير قاعدة واحدة من قواعد اللعبة السياسية والإدارية، أو حتى مجرد التفكير فى ذلك.

وأيضا لابد من الاعتراف بأن أوباما خطيب من نوع نادر، لاختياره الدقيق للغة هذا الخطاب التصالحية مع الظهور بتواضع جم، بما يلمس أوتارنا العاطفية ويدغدغ لنا وجداننا، باستخدام آيات قرآنية بما يعنى أن الرجل يفهمنا ويعرفنا حق المعرفة ويعرف طريقتنا فى التفكير ويعلم سلفا أننا أقوال دون أفعال، وعواطف يختفى معها العقل المنطقى وتضيع المصالح، رجل عرف لغانا وكيف يلغو لنا بكلام يوافق هوانا.

وكثيرا ما تمنى صاحب هذا القلم سد الفجوة فى الفهم بين المسلمين والعرب من جانب وبين الغرب من جانب آخر، خاصة بعد لقائى بعد سبتمبر ٢٠٠١ بأكثر من مسؤول غربى رفيع المستوى، وهى اللقاءات التى أشعرتنى بمدى خطورة هذه الفجوة فلا هم يفهموننا ولا نحن نفهمهم، كما لو كنا نوعين مختلفين من البشر سلاليا وعرقيا وعقليا. تمنيت أن يستطيع الغرب وخاصة الأمريكى أن يفهم أن لنا لغة خاصة فى فهم الدنيا، وردود فعل من نوع خاص، وأن دلالة اللفظ عندنا لا تحتوى نفس دلالة اللفظ عندهم، وأن ما يحمله التعبير اللفظى من تاريخ ومحتوى معان تعود بتحميل دلالاتها إلى مدى يزيد على أربعة عشر قرنا للوراء، وأن ذلك حى مازال فى فهمنا ولغتنا ومنطقنا البدوى البدائى العاطفى، ويختلف بالمرة عن تاريخية نفس اللفظ ودلالته عندهم، وشرحت هذا باستفاضة فى محاضرتى عام ٢٠٠٦ بمعهد هدسون بواشنطن «دى سى»، وهو واجهة لوزارة الخارجية الأمريكية لتقصى آراء المفكرين والعلماء والرؤساء والمتخصصين والخبراء وغيرهم فى مختلف القضايا التى تشغل الرأى العام العالمى.

وتمنيت أن يحدث ذلك أيضا من جانبنا، لذلك كانت سلسلة كتاباتى المتتالية لمحاولة شرح وتوضيح كيف نفكر وكيف ينبغى أن نفكر إذا أردنا لهذا الغرب أن يفهمنا ويتفاعل مع قضايانا بثقة. لنستطيع أن نخاطبه بلغة نتفق على دلالتها سلفا حتى يكون الحوار مفهوما. وتكون دلالة اللفظ عندى تحمل ذات المعانى عنده،

وأن مبادئ المنطق التى يحتكم إليها هى ذات مبادئ المنطق التى أحتكم إليها، لأن مسألة الفهم هذه وتلك تعانى خللا حاداً بين عالم العرب والمسلمين وبين الحضارة الغربية، وهو خلل تاريخى تحدث به الركبان حتى قيل مع اليأس من التفاهم «الغرب غرب والشرق شرق كحركة الشمس ليلا ونهارا لا يلتقيان».

لذلك أقول إن باراك يفهمنا جيدا لذلك لبس لنا ثوب الواعظ الشيخ باراك بن حسين آل أوباما حفظه الله ورعاه هو ومن يلوذ به، ليعلن كيف يعرف لغانا وكيف يلغو لغونا بما حمله لخطابه من دلالات نعرفها ولا نعرف غيرها، وجاءت أمنيتى بفهم الغرب لنا، بعكس الهدف المرتجى منها، فها قد جاء من يعرفنا ويفهمنا عاش وسطنا وجيناته من جيناتنا، ويعرف كيف نفكر وما هى ردود أفعالنا، ولكن ليس من أجل خلاص شعوبنا مما هى فيه من تخلف وجهل ومرض وفساد اجتماعى معمم وحكومى علنى واستبداد وقمع واستعباد، كلا الرجل ليس مشغولا بهذا بالمرة، إنه لم يآت ليخلصنا، لكنه جاء مخلصا لأمريكا من عثرتها فى بلادنا ولتحييد شرنا عنها، بتكاليف أقل من تكاليف طريقة الحزب الجمهورى الأمريكى بما لا يقارن، وفى وقت تستفحل فيه الأزمة الاقتصادية العالمية.

■ ■ ■

لطفاء القوم من مشايخ الفضائيات التى تمطرنا مشايخ، تفاءل بعضهم بأصول أوباما الإسلامية وأنه ربما يقود شعبه الأمريكى إلى الإسلام لنعود نحن وهم بنعمة الله إخوانا، وتحل المشكلة بسيادة الإسلام للعالمين كشيخ القبيلة تتبعه قبيلته، أو بما يشبه عزة الإسلام بأحد العمرين.

هذا بينما كنت فى تفاؤلى أرتجى أن يشارك ذلك الغرب المتقدم الحر العلمانيين العرب البحث ووضع الخطط العلمية المدروسة على المستوى العلمى والثقافى والإعلامى والتعليمى وحده، لإحداث هذا التقارب مع ضغوط تقوم بها مؤسسات الحريات والمجتمع المدنى الدولية على الحكومات المحلية كلما وقعت مخالفات فى بلادنا للحقوق الإنسانية، وللنهوض التنموى بالمنطقة،

للانتقال الهادئ والسلمى ببلادنا إلى مجتمع كامل المدنية، فإذا بأوباما يستخدم معرفته بنا لتكريس الأوضاع القائمة، وإعطائها شرعية استمرارها كما هى، بموافقتنا ورضانا بعدد مرات التصفيق بالقاعة. هذا إذا تذكرنا أنه لم يخاطب المسلمين من دولة مسلمة خالصة الإسلام كالسعودية ولا من دولة مسلمة ديمقراطية مثل موطنه الثانى إندونيسيا أو جارتها ماليزيا، لكنه اختار القاهرة التى يحكمها نظام شبه مدنى جذوره وتوجهاته دينية دوما وقومية أحيانا.

لوحظ أيضا ولع الشباب العربى والمسلم بأوباما وبخطابه، وقد فطن أوباما لذلك وأعلن الشباب همَّاَ أول له، مع زيارته الشبابية المرحة المتواضعة للأهرامات، مما أدى للولع بالنموذج الأمريكى، وهذا فى حد ذاته أمر محمود أن يكون رجل ناجح مثل أوباما مثلا أعلى لشبابنا.

وهو ما سيؤدى لمحاولة التعرف على النموذج الغربى، ومن جانبه تمكن حسين أوباما من تأليف قلب الشارع المسلم مع بعض المثقفين دون بعضهم، فقد اختلفوا حول هذا الخطاب وظروفه اختلافا بائنا، ومن ثم فإن أهم مكسب حققته هذه الزيارة لنا وللأمريكان هو إعادة النظر فى كون أمريكا هى الطاغوت الأعظم الإمبريالى، وإعادة النظر فى فرض كاد يكون إسلاميا ووطنيا، وهو كراهية أمريكا كفرض واجب دونه الخيانة والكفران.

ونموذجا لاختلاف المثقفين رأى الدكتور (مصطفى الفقى) أن اختيار أمريكا القاهرة للخطاب، هو إقرار بمكانة وحجم مصر فى المنطقة للدور الحضارى والتاريخى ومكانة الأزهر بين غالبية المسلمين فى العالم، وكذلك السياسة المعتدلة التى تنتهجها القاهرة، وجعلت القاهرة تحظى بشرف هذه الزيارة وهو الرأى الذى رده كل من التيار الإسلامى والتيار القومى،

(فهمى هويدى) نموذجا للتيار الإسلامى رأى أن خطاب أوباما ما هو إلا محاولة من النظام الأمريكى الجديد لمساندة حلفائه من دول الاعتدال فى المنطقة ودعم أنظمتها، وأنه يريد الحصول على ماكياج من القاهرة للسياسة الأمريكية التى لا تتغير ثوابتها، بينما ترغب مصر فى الحصول على دعم معنوى من أكبر قوة فى العالم لكى تستطيع استعادة دورها وضمن ذلك الوريث القادم. ولك أن تعجب من مدى التوافق عندما نجد التيار القومى الناصرى يردد نفس المعانى،

فيقول (عبدالله السناوى) إن رأيا مثل رأى الدكتور الفقى يخلط الأوراق بين مصر التاريخية ومصر الرسمية، وأوباما اختار مصر التاريخية ليتحدث من منصتها، دون أن يخطر بباله أن الثانية سوف تحاول دبلوماسيتها وإعلامها تسويق الزيارة باعتبارها فتحا لا مثيل له فى التاريخ المصرى،

يؤكد شرعية النظام وسلامة اختياراته الداخلية، وأنه ليس هناك دولة تحترم نفسها تعتبر زيارة رئيس دولة أخرى أمر يضفى شرعية على نظام الحكم فيها، أو يؤكد أدوارها فى محيطها، فالشرعية مصدرها القبول العام والأدوار التى تصنعها السياسات وليس الادعاءات.

لاحظت أن المشترك الواضح فى كل ردود الفعل قيامها على خلفية من المثل الشعبى المصرى «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف عمايلك أستعجب!!» مع حضور هذا المثل وتكراره فى معظم ردود الفعل، فالمشترك توافق على سؤال لا جواب عليه على الأقل هذه الأيام وربما تجيب عنه الأيام القادمة، السؤال: هل يتحول هذا الكلام إلى فعل على أرض الواقع؟ وهو ما عبر عنه قول (مجدى الجلاد) بـ «المصرى اليوم» بعد لقائه أوباما: «الرجل لو صدق، فسوف يتغير وجه العالم من جامعة القاهرة».

الرجل يعرفنا جيدا ويعرف كيف نفكر، لذلك تابع رحلته من القاهرة إلى القارة الأوروبية ليعلى من رصيد الاهتمام بالدولة الفلسطينية المستقلة ووقف بناء المستوطنات، ليؤكد للمسلمين أنه صحب القول فورا ببدء الحشد من أجل الفعل بضغوط دولية على إسرائيل.