خبر انتصار الصحافة المحققة- يديعوت

الساعة 08:52 ص|25 يونيو 2009

بقلم: سيفر بلوتسكر

حصل هذا قبل ثلاث سنوات. في المؤتمر الاقتصادي السنوي للمعهد الاسرائيلي للديمقراطية (منتدى قيساريا) صعد الى منصة الخطابة وزير المالية الجديد، ابراهام هيرشيزون. اسرة الاعمال التجارية التي اجتمعت كي تنصت لاقواله حبست للحظة أنفاسها: فقد اوشك هيرشيزون على أن يكشف امامها مذهبه الاقتصادي وخططه للمستقبل. مسؤولو المالية، الذين يجلسون في الصفوف الامامية لهيرشيزون، كانوا يحملون صفحات الخطاب، الذي انكبوا على اعداده ليل نهار. ولكن الوزير ازاح الخطاب المطبوع جانبا وبدأ يرتجل ويقول امورا فرضت الصمت على القاعة. محافل ذات قوة، قال هيرشيزون بصوت متوتر ومرتعد، تهدده وتهدد عائلته. يحاولون المس بي وبعائلتي. وهم لن يخيفوني ولن يردعوني. سأواصل الاصلاحات التي خططت لها.

المدخل العاطفي المخيف الذي اعده هيرشيزون لخطابه وقع على الرأي العام كالبرق في يوم صاف. وتعاطى الكثيرون مع احتجاجه كأمر حقيقي. ولكن الحقيقة لم تكن هناك، فقط تظاهر بائس لمتفرغ سياسي هامشي، رفع الى منصب وزير المالية. صحافيو "يديعوت احرونوت" كانوا يديرون في حينه تحقيقا نشطا عن اعماله التجارية وحاول هيرشيزون اخافتهم في خطابه. ان يزيح التحقيق عن نفسه نحو المهددين المجهولين، الذين لم تكن لهم أي قائمة.

بعد نحو اسبوعين من ذلك حصل تبادل استثنائي للرسائل بين المستشار القانوني للحكومة وبين محامي هيرشيزون. في ختامه قرر مكتب المستشار القانوني بانه لا يوجد أي أساس لاقوال هيرشيزون وفجر بالون التهديدات الذي اطلقه. وقال مراسلو "يديعوت احرونوت" في ذاك اليوم انه "يطرح السؤال هل السيد هيرشيزون على الاطلاق جدير بان يتولى منصب وزير المالية لدولة اسرائيل، وان يمسك بمقود الاقتصاد، كما يفترض الجواب: صحيح حتى الان، لا، هيرشيزون ليس جديرا بذلك... بسلوكه العلني كشف عن مزايا غير مناسبة – على اقل تقدير – لمطالب منصب وزير المالية: فقدان الصواب، التهرب من المسؤولية الشخصية، عدم القدرة على الصمود في وجه تحقيق صحفي... من المقشعر للابدان التفكير كيف سيقود مثل هذا الشخص الاقتصاد الاسرائيلي وكيف سيتصرف في اوقات الازمة".

ابراهام هيرشيزون كأمر مسلم به، لم ينصت للدعوة ولم يستقيل. اعتقد ان بطانة الرفاق السميكة ستحميه. ولم يصدق بان تحقيقا صحفيا كفيل بان يصل الى كشف جرائمه ويؤدي الى سقوطه. استخف. اخطأ.

بعد بضعة اشهر دعيت الى حديث خلفية مع رئيس الوزراء اولمرت. في ختامه سمحت لنفسي أن الفت انتباهه الى هيرشيزون. قلت "سيدي رئيس الوزراء، حسب المعلومات التي جمعها صحافيو "يديعوت احرونوت" فان وزير ماليتك لن يقدم الى المحاكمة فقط بل وسيتبين مذنبا وسيذهب الى السجن، اوليس من الافضل ان تقيله منذ الان وتعين وزير مالية مناسب بدلا منه؟" فنظر اولمرت اليّ نظرة غاضبة ورفع يده برفض قائلا: "انتم الصحافيين، تقيمون فضيحة من كل شيء".

في تموز 2007 استقال هيرشيزون من المالية، في ذروة التحقيقات الشرطية ضده. قبل نحو سنة رفعت ضده لائحة اتهام الى المحكمة المركزية في تل أبيب وفي 8 حزيران من هذا العام ادين من القاضية براخا اوفير – توم بجرائم السرقة، تلقي اشياء بالخداع في ملابسات خطيرة، تبييض أموال وتسجيل كاذب في وثائق مؤسسة. وامس بعثت به القاضية الى السجن الفعلي لمدة خمس سنوات ونصف السنة.

ليس لدي شماتة ولكن يوجد عندي فرحة كبيرة لانجازات الصحافة بشكل عام والصحافة المحققة بشكل خاص. ودون الحماسة، دون ادارة حملات صليبية وفي ظل الاكتفاء بعرض الحقائق والاشارة الى الطابع الجنائي للنشاطات، قادت "يديعوت احرونوت" التحقيقات في اعمال هيرشيزون وقبله شلومو بينزري. تحقيقات الصحافيين اورون مئيري، ميخائيل غرايبسكي وشوش مولا حركت دواليب العدالة. والان الرجلان سيجلسان لسنوات خلف القضبان.

في النظرة العامة، قضية صعود وسقوط هيرشيزون تلخص وتجسد ضعف حكومة اولمرت. حكومة وزعت فيها الحقائب حسب مفتاح الصداقة والقرب وليس حسب المؤهلات. حكومة اصطدم بعض من وزرائها بالقانون وقدموا او سيقدموا الى المحاكمة. حكومة جزء هام من وقتها كرس للمناكفة العابثة مع وسائل الاعلام. حكومة فقدت صوابها عندما سدت آذاتها امام غضب المواطنين. حكومة سجلت في صالحها انجازات بارزة في الاقتصاد وفي السياسة، ولكن هذه ابتلعت تحت الظل الثقيل للشبهات بالفساد.

في يوم تعيين هيرشيزون وزيرا للمالية كتب اقول: "هذا التعيين مخجل ومحرج لنا كدولة". عندما يبكي ابراهام هيرشيزون الان في المحكمة فاني ابكي معه. انا ابكي من الخجل من أن يكون مثل هذا الشخص قد تبوأ منصب وزير المالية في بلادي.