خبر القرضاوي: شذوذ الإمام في الفتوى ليس عيبا

الساعة 02:17 م|24 يونيو 2009

فلسطين اليوم: وكالات

العلامة "يوسف القرضاوي" شهدت الساحة الإسلامية في الفترة الماضية سيلا من الفتاوى التي اهتز لها المجتمع الإسلامي كله، وصارت مادة مثيرة للجدل بين جمهرة العلماء، بل بين العوام من الناس، وأطلق على هذه الفتاوى مسمى: "الفتاوى الشاذة"؛ لأنها خرجت عن المألوف بجرأة، وتعارضت مع النصوص القرآنية والسنة النبوية المشرفة في بعض المسائل.

ما هي الفتوى الشاذة؟ وكيف نتعامل معها ؟ وهل كل ما يخرج عن المألوف هو شذوذ؟.. كل هذه التساؤلات وغيرها أجاب عنها فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في الحلقة الماضية من برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة الفضائية.

ما هي الفتوى الشاذة؟

بدأ القرضاوي مداخلته بتعريف الفتوى؛ حيث قال: "هي جواب الفقيه على سؤال عن الحكم الشرعي في واقعة معينة، بشرط أن تكون الفتوى قائمة على الأصول الشرعية، وأن يبين الفقيه فيها موقف الاجتهاد الشرعي الذي يقام على الأدلة الشرعية (القرآن – السنة – القياس... إلخ)".

وفرق القرضاوي بين الفتوى الشاذة والفتوى الصحيحة قائلا: "إذا لم تكن الفتوى مبنية على أساس شرعي تكون شاذة، خاصة إذا خالفت الاتجاه العام".

وتابع القرضاوي قائلا: "المسلم لابد أن يأخذ الفتوى إذا اطمأن لها، وكذا إن صدرت عن عالم متفقه في الدين، والمسلمون لابد أن يكون عندهم قدر من التفقه في الدين حتى يستطيعوا أن يفرقوا بين الفتاوى والرد عليها".

ولفت القرضاوي إلى أنه "ليس كل ما يقال عنه شاذ فهو شاذ"، مفرقا بين ما هو شاذ عن مذهب بعينه -أي أنه لا يتوافق مع ما ورد فيه على وجه الخصوص- وبين ما هو شاذ عن الفقه كله؛ أي ما كان مخالفا لما جاء بالفقه أو مخالفا لأدلة القرآن.

ونبه القرضاوي إلى أهمية وجود دليل قطعي قبل اتهام الفتوى بالشذوذ، مدللا على خطورة ذلك المنحى بفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية حول "الطلاق البدعي"؛ حيث قال بعدم وقوعه، وهي الفتوى التي رفضها وقتها كثير من العلماء، ودخل ابن تيمية بسببها السجن، ثم عاد العلماء ليتبنوها في عصر آخر، وها هي الآن تنقذ كثيرا من الأسر بعد أن تبناها كثير من العلماء، وصدرت بها قوانين رسمية.

الضرورات تبيح المحظورات

ويرى القرضاوي أن مخالفة أحد العلماء للمذاهب الأربعة لا يعد شذوذا؛ لأنه قد ينفرد أحد المجتهدين برأي لا يتصل بأي من تلك المذاهب، ولكن له دليله الذي يؤكد صحته، مشيرا إلى أن زمن الصحابة لم يعرف المذاهب، ومع هذا كانوا يفتون بدونها.

وأكد القرضاوي أن الخطأ في صدور فتوى شاذة ليس عيبا، قائلا: "الإمام ليس معصوما من الخطأ، وليس عيبا أن يصدر عن الإمام فتوى شاذة؛ فالمعصوم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك من الأئمة فهم خطاءون، لافتا إلى أن ميزة الإمام الناجح هو الخطأ النادر".

وكل عالم -حسب القرضاوي- لابد أن تكون له فتاوى شاذة لا يرضى عنها العلماء، خاصة الفتاوى التي بها قدر من إعمال العقل؛ لأن كثيرا من الناس لا يقبل إلا بالأمر المشهود.

وأوضح الشيخ أن «الضرورات تبيح المحظورات»، وعليه فإن مخالفة النص لضرورة لا تعد مخالفة للنص، وإنما تعد تطبيقا لنص آخر.

الداعية ليس مفتيا

وشدد القرضاوي على بعض المعايير التي يجب توافرها في المفتي، موضحا أن شذوذ الفتوى قد يأتي بسبب صدورها عن غير أهلها، أو تعرض المفتي لمسائل لا تقبل الاجتهاد.

ونبه على ضرورة أن تراعي الفتوى تغير الزمان والمكان والعرف، وألا تخالف نصا قطعي الدلالة قطعي الثبوت، وألا تخالف الإجماع في الرأي، وألا تخطئ في تصوير الواقعة.

وأرجع القرضاوي كثرة الفتاوى الشاذة إلى تراجع قيمة التخصص على الفضائيات، مشيرا إلى أن عوام الناس لا تفرق بين الداعية والفقيه.

واستطرد قائلا: "المفتي هو رجل يهتم بالفقه، ربما لا يستطيع الخطابة، لكن في الفتوى هو بحر يتدفق، أما الداعية فهو من يعظ الناس ويلقي عليهم الخطب، ولكن لا يصلح ليصدر عنه فتاوى".

وتابع القرضاوي قائلا: "الجامعات الإسلامية لا تخرج عالما، بل هي تعطي مفاتيح العلم، أما العلم ففي المكتبة، وعلى المتخرج أن يستزيد من العلم حتى يصبح فقيها بحق".

فتاوى مغلوطة

وفي تحليل لبعض الفتاوى الشاذة التي صدرت في الآونة الأخيرة نوه القرضاوي إلى الفتاوى التي تطالب بمساواة الرجل بالمرأة في الميراث، ووصفها بأنها مضادة ومخالفة لشرع الله عز وجل وما ورد بالقرآن الكريم؛ فالميراث فريضة ولا يجوز الخروج عليه، لافتا إلى أن الله تبارك وتعالى أنزل الحكم في ذلك بناء على تكاليف وأعباء كلف بها الرجل.

أما عن جواز أخذ فوائد البنوك فيرى القرضاوي أن هذه المسألة قطعت فيها المجامع الفقهية، وأولهم مجمع البحوث الإسلامية، مضيفا أن "فوائد البنوك هي الربا الحرام؛ لأنها زيادة مشروطة على رأس المال، وكل مال مشروط فهو ربا".

 

وعن وجوب هجرة الفلسطينيين إلى بلاد أخرى على اعتبار أن فلسطين دار حرب، أكد القرضاوي أن موطن الشذوذ هو أن يصور المفتي الواقع على غير حقيقته، فالمسلمون في بداية الإسلام كانوا مضطهدين في "دار الكفر"، وكان عليهم أن يهاجروا للمدينة (دار الإسلام)؛ لتقوية الجماعة المسلمة، أما بعد فتح مكة فلا هجرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح".

وتابع القرضاوي: كل دار إسلام لا يهاجر منها الإسلام حتى ولو دخلها الكفار، مطالبا المسلمين أن يدافعوا عن بلادهم، وأن يحولوها لمقبرة يدفن فيها أعداؤهم قائلا: "ويجب ألا يترك الفلسطينيون بلادهم للأعداء ويهاجروا منها، ولو قلنا للفلسطينيين هاجروا من بلادكم واتركوها للصهاينة، فهذا ضد الدين والعقل والسياسة".

وعن الفتوى التي ظهرت في أثناء الحرب والتي تقضي بتحريم التظاهر قال إنها "مبنية على تصور خاطئ عن التظاهر، وقد بدأت التظاهرات في عهد الصحابة، حين أسلم سيدنا عمر بن الخطاب، وأراد أن يظهر قوة المسلمين بإسلامه فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج المسلمين في صفين حتى يراهم المشركون فيغتاظوا"، مشيرا إلى أن التظاهر هو لغة العالم للتعبير عن الاحتجاج، ولكن لا يجوز أن تكون المسيرات تخريبية.

أما عن بعض الفتاوى التي أفتى بها القرضاوي نفسه، واتهمت من قبل البعض بأنها فتاوى شاذة، فقد علق الشيخ قائلا: "هناك بعض الأشياء أفتيت فيها، وأفتى فيها المجلس الأوروبي الإسلامي خاصة بالأقليات، وهي أن من يأخذ من البنك قرضا ليشتري به بيتا للسكنى له ولأولاده وهو لا يملك المال فهذا جائز جدا"، وأرجع ذلك إلى أن (الحاجات تنزل منزلة الضرورات)، فهذا أمر قد نفع الله به الآلاف والملايين من المسلمين في بلاد الغرب.