خبر الإدانة اللفظية للاستيطان وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع../ هاني المصري

الساعة 08:10 ص|24 يونيو 2009

 

هل تراجع باراك أوباما عن مطالبه، كما روّج مايكل أورون السفير الإسرائيلي الجديد في الولايات الـمتحدة الأميركية، حين قال إن إسرائيل وأميركا على وشك إبرام اتفاق حول الـمستوطنات يقضي بالاستمرار في البناء في الـمشاريع التي بدأ العمل فيها، وتعليق مؤقت لأية عطاءات جديدة وغيرها من التفاصيل التي تشير فيما لو تأكدت إلى أن الولايات الـمتحدة الأميركية تراجعت عن مطلبها تجميد الاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي، واكتفت بالـموافقة التي أبداها نتنياهو على إقامة دولة فلسطينية بعد أن نزع عنها جميع مقومات الدولة، وبعد أن وضع شروطاً تعجيزيةً، على الفلسطينيين أن يقبلوها إذا أرادوا الحصول على هذه الدولة التي ليست دولة إلا بالاسم والعلـم والنشيد.

 

نفى جورج ميتشل وغيره من الـمسؤولين الأميركيين الادعاءات الإسرائيلية بقرب الاتفاق الأميركي الإسرائيلي حول الاستيطان، بما يسمح لإسرائيل باستثناءات بحيث تستمر في البناء في الـمستوطنات لتلبية احتياجات النمو الطبيعي في الكتل الاستيطانية التي تزمع إسرائيل ضمها في أي حل نهائي.

 

وتأكد النفي الأميركي خلال الـمؤتمر الصحافي الـمشترك بين هيلاري كلينتون وأفيغدور ليبرمان حيث أكدت كلينتون الـموقف الأميركي الـمطالب بتجميد الاستيطان، وكررت نفي وجود تفاهم شفوي أو كتابي إسرائيلي مع الرئيس السابق جورج بوش يسمح بالبناء في الـمستوطنات.

 

ورغم استمرار تمسك الإدارة الأميركية بموقفها من الاستيطان، إلا أنها رحبت بخطاب نتنياهو واعتبرته خطوة إلى الأمام، وانتقد أوباما الانتقادات التي وجهت للخطاب، فيما يدل على أن إدارة البيت الأبيض ليست في وارد الضغط الجدي على إسرائيل، ولا تفكر حالياً، على الأقل، في إحداث أزمة على خلفية الخلاف حول الاستيطان.

 

وإذا صح أو لـم يصح، نفي كلينتون وجود تفاهمات سابقة، فإن الفترة السابقة، خلال فترة رئاسة جورج بوش الابن، شهدت توسعاً استيطانياً كبيراً، سواء فيما يتعلق بتلبية احتياجات التكاثر الطبيعي، أو من خلال توسيع الـمستوطنات القائمة، وبناء مستوطنات جديدة أخذت شكل الـمستوطنات العشوائية، ثم ضم معظمها إلى الـمستوطنات القائمة عبر زيادة مساحتها. كما تراجع الـموقف الأميركي الرسمي من الـمستوطنات في فترة رئاسة بوش، حيث اكتفت الإدارة الأميركية باعتبار الـمستوطنات عقبة في طريق السلام أو لا تساعد الـمفاوضات، في حين أنها تنسف عملية السلام وتقطع الطريق على إمكانية نجاحها بعدم ترك شيء يمكن التفاوض حوله، فالـمستوطنات غير قانونية، وتفتقد الشرعية، وهي جريمة حرب يعاقب على ارتكابها القانون الدولي.

 

ولا يمكن التعامل مع الاستيطان، ضمن حدود التجميد فقط، إلا كخطوة أولى، لأن الاحتلال باطل يجب إزالته، وكل ما بني على الاحتلال، خصوصاً الاستيطان يجب إزالته.

 

في هذا السياق، فإن الإدانة اللفظية للاستيطان، والـمطالبة الأميركية بتجميد الاستيطان لا تكفي على الإطلاق، ولا تسمن ولا تغني من جوع، لأن الاستيطان مستمر، وهناك مخططات لبناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية على وشك الإقرار.

 

وما يدعو للقلق هو أن الإدارة الأميركية تعطي أهمية كبيرة، حتى أكبر من مسألة تجميد الاستيطان لوقف ما تسميه، العنف والتحريض الفلسطيني ضد إسرائيل، ولـمواصلة بناء الـمؤسسات الفلسطينية وقيامها بواجبها بمحاربة "الإرهاب" وتصفية بنيته التحتية، ولاتخاذ مبادرات عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مثل إعادة فتح الـمكاتب التجارية والـممثليات الإسرائيلية في بعض البلدان العربية التي لا ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل، وتشغيل خطوط الطيران، وتنظيم زيارات وندوات ومؤتمرات، دون مطالبة إسرائيل بالـموافقة على مبادرة السلام العربية، التي اعتبرها باراك أوباما في خطابه مجرد بداية، أي أن حبل التنازلات على الجرار.

 

إن الرئيس الأميركي، ابن الـمؤسسة الأميركية، ومهما حاول التغيير لا يستطيع أن يغيّر من حقيقة التحالف الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي، وأن الولايات الـمتحدة الأميركية منحازة إلى إسرائيل، وليست طرفاً محايداً، لذلك مع أهمية الـمواقف الجديدة التي أعلن عنها، فإنه لـم يغير السياسة الأميركية جوهرياً، وهذا التغيير حتى يحدث بحاجة إلى واحدة أو إلى مسألتين هما:

 

أولاً: إلى إرادة أميركية جدية مستعدة للضغط على إسرائيل عبر استخدام أوراق الضغط التي تملكها الولايات الـمتحدة الأميركية، وهذا مشكوك بحدوثه في القريب العاجل، مع أهمية العمل باستمرار من أجل حدوثه.

 

ثانياً: إلى إرادة عربية تدرك أن السياسات التي تتخذها الدول لا تستند إلى الـمبادئ والأخلاق والقيم، أولاً وأساساً، وإنما إلى الـمصلحة. وإذا لـم تشعر الإدارة الأميركية بأن سياستها في الانحياز الـمطلق لإسرائيل، يمكن أن تسبب لها خسائر أكبر من الأرباح التي تعود عليها منها، فلن تتردد في تغييرها. لذا دون ضغط عربي يوازن الضغط الإسرائيلي سيبقى الـموقف الأميركي في حدود لا تكفي لإلزام إسرائيل بمتطلبات السلام.

 

إن الأجواء الآن أفضل داخل وخارج الولايات الـمتحدة الأميركية لإحداث هذا التغيير، فالرئيس أوباما يريد أن يخرج بلاده من الأزمة التي وصلت إليها، وهذه فرصة مناسبة للعرب لكي يضغطوا من أجل إحداث التغيير الجوهري الـمطلوب للسياسة الأميركية. إن مثل هذا التغيير لكي يحدث بحاجة إلى حشد العرب أوراق القوة والضغط التي لديهم واستخدامها، لكي تدعم سياسة عربية قوية تقول للولايات الـمتحدة الأميركية، إن العرب منفردين ومجتمعين يجمعون على أن الـمطلوب أولاً تبن أميركي لـمبادرة السلام العربية بوصفها تتضمن مساومة تاريخية كبرى، وتنسجم مع القانون الدولي والشرعية الدولية، وتقوم على معادلة من شقين، الأول انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية الـمحتلة العام 1967 بما فيها القدس، والشق الثاني تطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بها والتعامل معها كدولة من دول ال! ـمنطقة.

 

بعد التبني الأميركي، على الإدارة الأميركية أن تضغط على إسرائيل لكي توافق على مبادرة السلام العربية، التي دون الـموافقة عليها ــ بحيث يكون التفاوض لتطبيق الـمبادرة ــ سنكون أمام استمرار الوضع الراهن، أو استئناف الـمفاوضات والعودة إلى دوامة الـمفاوضات التي تدور حول الـمفاوضات، دون مرجعية واضحة وملزمة أساسها إنهاء الاحتلال عن الأراضي الـمحتلة العام 1967.

 

دون أن يتخذ العرب موقفاً على هذا الـمستوى، وبكل الجدية الـمطلوبة، سنجد أنهم سيواصلون تقديم التنازلات لإسرائيل لإحراجها ودفعها لتقديم "تنازلات" دون أن تحرج، الأمر الذي فتح في السابق وسيفتح في اللاحق شهيتها للـمطالبة بالـمزيد من التنازلات العربية، إلى أن نصل إلى وضع أنجزت إسرائيل ما تريده من مشاريع استيطانية وعدوانية وعنصرية تجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد الـمطروح والـممكن عملياً" لأنه أصبح حقائق قائمة على أرض الواقع.

 

إن رفض استئناف الـمفاوضات على كافة الـمسارات دون قبول إسرائيل بمبادرة السلام العربية، موقف مبدئي مطلوب اتخاذه عربياً فوراً ودون تأخير، وهو موقف مختلف عن سحب الـمبادرة كلياً، لأن سحبها كلياً دون أن يملك العرب خيار الحرب، سيفتح الباب على مصراعيه لكل بلد عربي لتقرير سياسة منفردة إزاء إسرائيل، يكون فيها ضعيفاً وخاضعاً لشروطها وإملاءاتها.

 

وحتى يكون الـموقف العربي مقنعاً يجب أن يترافق مع فتح كافة الخيارات والبدائل والاستعداد الجدي لاعتمادها إذا لزم الأمر، وعدم الاقتصار على اعتماد خيار وحيد هو خيار السلام.

 

فالخيار الوحيد، هو الـموت الـمؤكد، لأنه يشعر العدو بأنه ليس أمام العرب سوى السير في هذا الطريق، وبالتالي ما لـم يقدموه اليوم سيقدمونه في الـمستقبل!!.