خبر الإصلاحيون لو نجحوا.. لكن المحافظين فازوا ..نهاد خشمان

الساعة 07:13 ص|24 يونيو 2009

طهران ليست كل إيران. من فاز فيها سقط في الأرياف. الصناديق المدينية ليست كافية لتحديد الفوز. ومع ذلك ثمة أسئلة كثيرة: ما أثر المعركة على النظام الإسلامي الجمهوري: هل سيعمد مرة أخرى، إزاء موجات الإصلاحيين من الداخل واندفاعات الرغبات الخارجية لتبديل السياسة الايرانية؟ فالنتائج المترتبة على معركة قسمت الإيرانيين بين جيلين وتيارين واتجاهين؟ هنا، قراءة في النتائج والأبعاد.

ما أشبه اليوم بالبارحة، قبل 30 عاماً انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، وقبل ثلاثين عاما جرى الاستفتاء على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، واختار الشعب الإيراني نظام الجمهورية الإسلامية بنسبة 98% من المشاركين في الاستفتاء، واليوم يشارك أكثر من 85% من الشعب الإيراني في انتحاب رئيس للجمهورية، وهذه إشارة جلية الى مبدأ تداول السلطة وإثبات على استمرارية النظام الإسلامي وديمومته.

اختلفت الانتخابات الأخيرة عن سابقاتها، في أنها جرت وسط تحشيد سياسي كبير، بأبعاد داخلية وخارجية، ووسط تجييش حاد في المجتمع الإيراني. أثرت في توجهات الناخب الإيراني، مع عوامل لعبت دوراً في زيادة حدة الاستقطاب، فأعطي للمعركة الانتخابية طابع الصراع المصيري على مستقبل إيران، ويمكن وصف الانتخابات عامة بأنها استفتاء، أكد على اختيار النظام السياسي برمته، أكثر من كونها انتخابات رئاسية عادية. فكان استفتاء على أن النظام الإسلامي في ثوب الجمهورية الإسلامية خيار نهائي لجميع المتنافسين، أي خيار الأمة الإيرانية.

تشكلت أطراف التنافس من الرئيس محمود أحمدي نجاد، بمواجهة جبهة معارضين سياسيين ضمت «المحافظين البراغماتيّين» أي «جبهة الأصوليّين الموسّعة» وجبهة الأحزاب الإصلاحية الطامحة للعودة إلى السلطة بعد غيابها 4 سنوات عن السلطة .. بمعنى أنها ليست معركة محض بين محافظين وإصلاحيين.

أما الشعارات التي أطلقت فعلى المستوى الداخلي ركزت من قبل الإصلاحيين على الوضع الاقتصادي، والبطالة، وعلى شخصية الرئيس نجاد، وقد استبطنت شعارات تغييرية لها علاقة بأسس النظام الإسلامي، وكيفية إدارة النظام ومشروعية مؤسسات السلطة الحاكمة، تلك الشعارات التي أسقطت خاتمي قبل أربع سنوات. فيما كانت حملة نجاد موجهة ضد الفساد والطبقة الانتهازية المحتكرة للثروة، ووقوفه الى جانب الفقراء والتمسك بمؤسسات الحكومة الإسلامية.

أما على المستوى الخارجي فالإصلاحيون اعتبروا أن نجاد والمحافظين أساؤوا الى وجه الجمهورية الإسلامية، ويسعون للصدام مع الغرب والعالم، وأن الإصلاحيين يسعون الى تطوير علاقات إيران الخارجية باتجاه الغرب أوروبا وأميركا، في حين أن المحافظين يتهمون الإصلاحيين بأنهم يريدون أخذ ايران الى غير موقعها الدولي المناهض لأميركا والاستكبار العالمي واسرائيل. هذا التراشق الحاد أدى الى اصطفافات وانقسامات حادة بين المتنافسين واتهامات متبادلة، فتحشدت الأطراف بكامل أسلحتها الشعبية والجماهيرية الإعلامية. وبالنهاية حسمت المواجهة بفوز أحمدي نجاد فوزا كاسحا موصوفا على منافسيه.

هذا الفوز وهذه النتيجة، لا بد لها من أن تفرز معادلات القوى على المستوى الداخلي الإيراني والإقليمي والدولي .

أضاع الإصلاحيون ثوابتهم التي أقاموا عليها رؤيتهم السياسية بعد فشلهم قبل أربع سنوات وطرحوا شعارات التنمية الاقتصادية، والبرغماتية، التي لم تشكل استقطابا يرمم إخفاقهم خلال حكمهم 8 سنوات في عهد خاتمي، فيما حافظ المحافظون على ثوابتهم التي خاضوا فيها معركتهم الانتخابية قبل 4 سنوات، مما أكسبهم مصداقية وثباتاً.

هذا الفوز للمحافظين سيكون له تداعيات وستترتب عليه أمور عدة، فعلى المستوى الداخلي سيؤدي الى مزيد من التسلح ومزيد من تعزيز القدرات العسكرية والأمنية الإيرانية، ومزيد من تنامي قوة المحافظين وإمساكهم بالمؤسسات في السلطة، ويتطلب منهم مزيداً من الجهد في البحث عن طرق لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية .

وعلى المستوى الإقليمي سيؤدي لمزيد من الفرز والتحشيد بين المحاور الإقليمية، حلفاء ايران ومعسكر الخصوم. سواء باتجاه دول غرب ايران أو دول شرق إيران، ومزيد من تعزيز العلاقات مع حلفاء إيران الإقليميين سوريا ـ حزب الله ـ حماس، ومحاولة لتعزيز الروابط مع تركيا، وإعادة ترطيب العلاقات مع المحيط العربي، مع مزيد من الجهد الإيراني لإضعاف الخصوم الإقليميين.

إن فوز المحافظين سوف يؤثر في مجمل السياسات التي جرى تبنيها حال فوز الإصلاحيين، حيث سيكون هناك سيناريوهات متعددة في التعامل مع الواقع الإيراني الحالي، ومنها التعاون مع إيران من منطلق الحاجة والضرورة لحل الورطة الدولية والأميركية في أفغانستان وباكستان والعراق، والتي قد تحددها معالم التفاوض المقبل والدبلوماسية المطروحة خياراً في المنطقة، مما يفرض التعايش الدولي والإقليمي مع المشروع النووي الإيراني من جهة، والتراجع عن إمكانية الدخول في مواجهة عسكرية مع ايران (وهو خيار أصبح ضعيفاً) من جهة اخرى.

إن خلاصات فوز المحافظين في الانتخابات الايرانية، مؤشر على استقرار نظام الجمهورية الإسلامية وقوتها وتقدمها في موقعها الإقليمي المؤثر، وثباتها على قيم الثورة الإسلامية ومؤسسها والمبنية على الإسلام وولاية الفقيه، وتحديد عدائها للاستكبار العالمي، وتأكيد ثوابتها في دعم الشعوب المستضعفة وقضية القدس وفلسطين والمقاومة.

[ باحث في شرق المتوسط للدراسات والإعلام (لبنان)