خبر أوباما، الذبابة والثورة.. هآرتس

الساعة 09:11 ص|23 يونيو 2009

بقلم: يوئيل ماركوس

حملة براك اوباما الانتخابية كانت المسرحية الافضل في امريكا. اوباما نصف الراقص ونصف المطرب صاحب الخطابات الساحرة. نزل من طائرته مسرعا ليتزحلق نحو كرسي الرئاسة بنفس السهولة التي ظهر فيها عاليا في عروضه الانتخابية. امريكا التي شهدت رؤساء عابسين ذوي لسان ثقيل متلعثم تأثرت من الرئيس الجديد الذي يتوجه مباشرة للانغماس في المشاكل الداخلية ويحدث انقلابا في التأمين الصحي ومعالجة قضية البطالة والازمة الاقتصادية. هو نجح في اجتياز المائة يوم الاولى له كما قال متندرا حول نفسه خلال 72 يوما وفي اليوم الـ 73 خرج للاستراحة.

من الناحية الفعلية هو قد قضى 5 أشهر في منصبه وعيون العالم تنتظر بترقب لترى كيف سيقوم بحل المشاكل العالمية محافظا على مكانة امريكا كزعيمة للعالم. أوباما يحافظ على روح دعابته بين المداولات في البيت الابيض ويبرز شعبيته. الصحفيون التقطوا له صورة وهو يقوم بقتل ذبابة مزعجة بيده خلال مقابلة مع مراسل الـ سي ان بي سي ودعى الكاميرا لالتقاط صورة جثة الذبابة عندما سأله المراسل ان كان قد نجح في قتلها فعلا. هو يلعب كرة اليد في الغرفة البيضاوية ويتحدث في الهاتف بينما يضع قدميه على الطاولة ويسمح بالتقاط صور له وهو يرتدي لباس الطباخين بينما يقوم بشوي اللحم في المنقل الرئاسي وما الى ذلك.

وبين هذا وذاك ينتصب أوباما في جامعة القاهرة ويلقي خطابا من 55 دقيقة للعالم الاسلامي في منطقتنا مكرسا 7 دقائق منه للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. ليس واضحا لماذا اختار هذه الطريقة المسرحية وهذا الموقع لقول كلماته اذا. والاقل من ذلك، ليس واضحا ما الذي أمل بتحقيقه. هل أمل بأن تسقط اسوار اريحا وان يبدأ الخراف والذئاب في العيش معا؟ وهل اعتقد ان المستوطنات هي بالفعل لب الصراع بيننا وبين الفلسطينيين وليس معارضتهم لمجرد وجود اسرائيل ذاته؟ وان كان الامر كذلك فلماذا لم يذكر في خطابه انهم رفضوا قبول الثلثين المأهولين من البلاد اللذين خصصتهما لهم الامم المتحدة في الـ 29 من تشرين الثاني 1947، وبدلا من ذلك الحقوا بنا وبأنفسهم عشرات السنين من اراقة الدماء؟

المفكر فون كلاوزفيتس قال ذات مرة ان الواقع يفعل فعله في الحرب. نفس الشيء يقال عن البيان السياسي وتنفيذ هذا البيان. اوباما وضع رؤيته على الطاولة واوضح انه بانتظار الرد. مرت ثلاثة اسابيع منذ خطابه الشهير في القاهرة ولم يرمش الجانب العربي بعد، لانهم فهموا خطاب اوباما على انه خطاب موجه لاسرائيل وحدها.

نتنياهو عكف على اعداد رده وكأنه يعاني من اوجاع البطن ولكنه خلع القفاز في اخر المطاف. من خلال خطاب مدروس جيدا لمس قلب المشكلة: هو مستعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية ولكن المنزوعة السلاح مقابل الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية. رده كان في الواقع اعترافا بمبدأ الدولتين لشعبين. نزع السلاح في مثل هذه المرحلة المبكرة ليس شرطا مبدئيا وانما جزءا من الترتيبات الامنية. خلال المفاوضات السلمية مع مصر تم نزع سلاح جزء كبير من سيناء ولم يمت احد من ذلك. كما أنه كان بامكان الفلسطينيين ان يطرحوا شرطا مقابلا كالقول: سنعترف بالدولة اليهودية شريطة ان تقوم باغلاق ديمونا. ليست هناك تسوية حقيقية من دون ترتيبات امنية متبادلة. ولكن الرد الفلسطيني المغيظ كعادته جاء على لسان صائب عريقات: "لن نعترف بالدولة اليهودية حتى بعد الف عام" البغل يبقى بغلا.

خطاب اوباما كان وفق محك النتيجة عقيما – الا ان تم اثره اعداد خطة امريكية شاملة لانهاء الصراع سرا. ولكن الرئيس الراقص صاحب روح الدعابة المتطورة والثقة الذاتية لم ينجح بعد في التركيز على الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وها قد نزلت على رأسه ضربتان: التهديد الكوري الشمالي، والامر الذي لا يقل خطورة هو اندلاع المظاهرات الدموية في ايران بين الجيل الثاني من الثورة وبين حكم آيات الله بعد خطاب المصالحة الذي القاه في القاهرة. ما يحدث في ايران قد يشعل الشرق الاوسط كله. الجمار تشتعل في مصر والسعودية والاردن وهناك يتابعون بقلق نتائج الانتفاضة في ايران ويخشون من الاصابة بهذا الوباء. وصوت أوباما لم يسمع.

اوباما هو اصلاحي كبير ولكن اختباره لن يكون بالخطابات وانما بالافعال: باستطاعته كبح التفشي الاسلامي المتطرف في منطقتنا وعلى المستوى الاقل حجما بمقدوره اجبار الجانب الفلسطيني على الموافقة على خطة الدولتين لشعبين.