خبر ردود الفعل الفلسطينية تتواصل حول تحقيق صحيفة الأهرام وسقوط غزة

الساعة 06:41 ص|23 يونيو 2009

مصطفى الصواف يكتب : كانت ومازالت غزة عنوانا للصمود والتصدي

لا أدري إذا كان الصحفي المصري أشرف أبو الهول بالفعل التقى بمن شهد الحرب أو قاتل فيها، ولا أدري إذا كان هذا الصحفي يعرف أن قطاع غزة كان يقع تحت الإدارة المصرية، ولا أدري إذا كان أبو الهول يعلم أن القيادة العسكرية للجيش الفلسطيني هم ضباط مصريون، ولا أدري إن كان أبو الهول يدري أن سلاح الجنود في قطاع غزة لا يتعدى المدفعية قصيرة المدى، وعدداً قليلاً من المدفعية المضادة للطائرات، والتي أسقطت طائرتي ميراج  إسرائيليتين من صنع فرنسا، وكذلك الرشاشات، ولا أدري إن كان أبو الهول يدري أن قتالاً ضارياً وقع بين الجنود الفلسطينيين ممن كانوا على حدود قطاع غزة ، واستمروا في القتال حتى بعد سقوط سيناء وتدمير المطارات العسكرية المصرية، ولا أدري إن كان أبو الهول يدري أن قيادة الجيش المصري في حرب 67 كانت تلهو في كباريهات القاهرة في حفلة راقصة وكان على رأسها القائد العام ووزير الحربية المصري المشير عبد الحكيم عامر، وكبار الضباط المصريين، ولا أدري إن كان أبو الهول يدري بقصة الجيب العسكري الذي كان يقل عدداً من الضباط المصريين والذي دخل فلسطين المحتلة قبل الحرب بعدة أيام وهو يحمل أسراراً عسكرية وخرائط، وتبين فيما بعد أنهم كانوا عملاء للصهاينة.

 

نعم وقعت حرب عام 67 وقد عايشتها وكان عمري وقتها اثنا عشر عاما، وحاول الجنود الفلسطينيون التصدي بعد أن فر الضباط المصريون من الميدان، ومنهم من سقط شهيداً ورفض الفرار، واختلطت دماؤه بدم الفلسطيني على تراب فلسطين.

 

عايشت الحرب، وعايشت الدمار، وشاهدت الشهداء الذين سقطوا في مواقعهم وهم يصدون العدوان، وكنت أسمع دوي الاشتباكات المتبادلة بالمدفعية، وشاهدنا قذائف الهاون التي سقطت بجوار منزلي والشهداء والجرحى الذين سقطوا، كما شاهدنا الطائرات وهي تلقي قنابل النابالم الحارقة والمحرمة دولياً، وسقط عدد منها على شارع صلاح الدين في البيت المجاور لنا، وكيف اشتعلت النيران في البيت، وكيف خرج أخوتي إلى البيت لينقذوا من بداخله وأحضروهم إلى بيتنا.

 

لم يكن هناك نظام الفدائيين، وكان الجنود تحت مسمى جيش التحرير الفلسطيني الذي كان يتبع منظمة التحرير وتحت القيادة العسكرية المصرية، جنود غزة صمدوا ولم يهربوا كما يتحدث أبو الهول، ولكن بعد سقوط سيناء وضرب المطارات بات سماء غزة مكشوفا وهو كان في الأصل مكشوفاً لأن الطيران المصري لم يكن يغطي سماء غزة، ورغم ذلك صمدت قوات التحرير رغم انقطاع الاتصالات مع القيادة التي هربت، والتي قتل منها من قتل في سيناء، وبات التصرف ميدانياً، وبعد سقوط القطاع لم يكن أمام جيش التحرير إلا العودة كل إلى بيته، وإلا سيواجه الموت دون أن يملك مقومات المقاومة، وسقط القطاع، فكيف سيقاوم؟.

 

لم تكن الإدارة المصرية تسمح لأحد أن يحمل سلاحاً داخل قطاع غزة، فقط ما كان يسمى جيش التحرير الذي تشرف عليه الإدارة المصرية، والتي قبضت على قطاع غزة قبضة حديدية ولم تكن تسمح بالعمل الفدائي ضد الاحتلال أو مناوشة الصهاينة على الحدود.

 

وهنا نريد أن نؤكد للسيد أبو الهول أن قرار دخول الحرب لم يكن قراراً فلسطينياً أو قرار قطاع غزة، بل كان قراراً مصرياً 100%، ونحن دفعنا ثمن حرب لم يكن القطاع مهيأ لها ولم تكن مصر جاهزة لها مع الأسف، فكانت النكسة وسقوط ليس قطاع غزة فقط، بل سيناء والجولان والضفة الغربية، في ست ساعات وليس في ستة أيام، حتى القاهرة ودمشق ضربت بالطائرات الإسرائيلية.

 

قطاع غزة وفلسطين عموماً كان يدفع ثمن العنجهية العربية والاستعراضات البهلوانية، وربما كنت يا أبو الهول لم تخرج إلى الحياة بعد عندما وقع العدوان، وكان وقتها الإعلام المصري إعلام تهريجي وترويجي وطبل أجوف ، وكم سمعنا عن القاهر والظافر، أم كلثوم معكم في المعركة وعبد الحليم وفايدة أحمد وعدد من رجال ونساء الطرب المصري، وكانت المعارك تقاد بالفجور والطرب.

 

قطاع غزة في كل عدوان كان يدفع ثمناً كبيراً، ففي عدوان 56 الثلاثي على مصر دفعت غزة ثمنه إلى جانب مصر، ولم تكن غزة طرفا فيه، ولم يكن قتالاً من أجل فلسطين، إنما كان عدواناً ثلاثياً بريطانياً فرنسياً إسرائيلياً والهدف منه مصر والقيادة المصرية، قد يكون كلامك صحيحاً في عدوان 56 سقطت غزة دون أن تطلق طلقة لأن الطلقات كانت محرمة على أهل غزة بقرار مصري.

 

ورغم ذلك نحن لا ننكر دور مصر وشعب مصر في الدفاع عن أمنها القومي المرتبط بالأمن الفلسطيني ومحاولاتها للتصدي للصهاينة، ولا ننسى تلك الدماء التي سالت في فلسطين من الجنود المصرين كما سالت دماء الفلسطينيين في السويس أيام العدوان الثلاثي عندما قدم متطوعون فلسطينيون للمشاركة مع الجيش المصري.

 

ربما الحقيقة التي لا ننكرها في ما تحدث به أبو الهول هي الخدعة التي تعرض لها الفلسطينيون عندما تقدمت الدبابات الصهيونية صوب الجنوب وهي تحمل الأعلام العراقية والمصرية والسعودية، وظن أهل فلسطين بعد أن خدعهم الإعلام المصري أن هذا القادم هم جيوش عربية، ولكن مع الأسف كانت دبابات صهيونية ارتكبت مجازر في خانيونس، وفي دير البلح، وشرق مدينة غزة، فماذا تنتظر من شعب أعزل أن يفعل عندما يعتقد بعد أن خدع من الإعلام المصري الوحيد الذي كان يستمع إليه، أن يستقبل الجيوش العربية المزيفة وهو لا يعلم، وأعتقد أنها عربية مع الأسف.

 

لا تحمّلوا وزر أخطاء القيادة المصرية وهزيمتها إلى الفلسطينيين وقطاع غزة تحديداً، فسكان غزة لا ذنب لهم، وأتمنى أن لا تُستخَدم يا سيد أشرف أبو الهول من قبل أحد لترويج حديث مغلوط، فغزة المحاصرة صمدت أمام الصهاينة في العدوان الأخير 23 يوماً رغم قلة الإمكانيات والعتاد، وتصدت للعدو في عدوانه وأوقفت تحقيق أهدافه، هذه هي غزة وستبقى كذلك حتى يأذن الله بالنصر والتحرير.