خبر تقرير تحليلي يستبعد ضربة إسرائيلية خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية

الساعة 05:14 ص|22 يونيو 2009

فلسطين اليوم : بيروت

استبعد تقرير تحليلي جديد صادر عن "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات"، ومقره بيروت، أن تلجأ القيادة الإسرائيلية إلى توجيه ضربة عسكرية خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية في المرحلة الراهنة، رغم تلويح بعض أركان القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بذلك.

جاء ذلك في تقرير تحليلي أصدره المركز بعنوان "ضرب إسرائيل البرنامج النووي الإيراني: الاحتمالات والتداعيات".

ولفت التقرير الأنظار إلى أنه للمرة الأولى في تاريخ الجيش الإسرائيلي يتم الإعلان رسمياً أنّ إيران هي العدو الاستراتيجي الرقم واحد، وأنّ السلاح النووي الإيراني يشكل خطراً وجودياً على الدولة العبرية، وأنّ مشكلة القضاء على التهديد النووي الإيراني هي من أخطر القضايا الأمنية التي تواجه القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ قيام دولة الاحتلال. وقد جاء هذا الإعلان في المؤتمر السنوي للقيادة العسكرية الإسرائيلية الذي يضم كبار الضباط في 18 (فبراير) 2009.

ثلاثة مستويات من المواقف الإسرائيلية

وبشأن الموقف الإسرائيلي؛ يوضح التقرير التحليلي أنه قد ظهرت ثلاثة مستويات من المواقف الإسرائيلية تجاه كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

وقد عبّر عن المستوى الأول قادة سياسيون وعسكريون مثل إيهود باراك، وغابي أشكينازي، وإيهود أولمرت، وبنيامين نتنياهو، وأفيغدور ليبرمان. ومفاد هذا الخط أنّ على الدولة العبرية الاستعداد للخيار العسكري، وإعداد العدّة لشن هجوم في أي لحظة مناسبة على المنشآت النووية الإيرانية. مع تأكيدات لرئيس هيئة أركان الجيش غابي أشكينازي قال فيها إنّ المعلومات المتوافرة لدى الجانب الإسرائيلي هي أنّ إيران ستتمكن بحلول نهاية العام الحالي 2009 من إنتاج قنبلة نووية. وهذه هي استراتيجية نتنياهو التي يسميها "إيران أولاً"؛ أي مواجهة التهديد النووي الإيراني قبل أي ملف آخر فلسطيني أو سوري أو لبناني. ويعتبر ليبرمان إيران المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط.

أما المستوى الثاني فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي؛ فقد عبّر عنه رئيس شعبة الاستخبارات السابق واللواء الاحتياطي أهرون زئيفي فركش، الذي قال إنّ الدولة العبرية غير قادرة على مواجهة التهديد النووي بقواها الذاتية، وإنها في حاجة ماسة إلى مساعدة الولايات المتحدة. وأضاف أنه في حال وُجِّهت ضربة عسكرية إلى إيران "فعلى إسرائيل أن تكون مشاركة ليس أكثر"، داعياً الجانب الإسرائيلي إلى "القليل من التواضع".

ويمكن ملاحظة المستوى الثالث ضمن الموقف الإسرائيلي، في موقف رئيس الدولة شمعون بيريز، الذي قال للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، في 17 (أبريل) 2009، أنّ لا نية لجيشه بمهاجمة إيران، وأنّ من الواجب خلق تعاون دولي واسع في المسألة الإيرانية، وأنّ كل الأحاديث عن هجوم إسرائيلي محتمل على إيران ليست صحيحة، فالحل في إيران ليس عسكرياً.

بموازاة هذه الاتجاهات الثلاثة ضمن الموقف الإسرائيلي، استمر الجيش الإسرائيلي في القيام بالمناورات والتدريبات، واستقدام السلاح، وشراء المزيد من الطائرات الحربية والاستخبارية الأكثر تطوّراً في العالم، وإجراء تجارب على منظومة صواريخ "حيتس" الاعتراضية، وصولاً إلى "رضا" نتنياهو عن الاستعدادات الإسرائيلية للخيار العسكري ضد إيران.

وفي الواقع؛ لا تعني هذه المستويات الثلاثة من المواقف والاتجاهات، التي قد تتداخل فيما بينها، أنّ هناك اختلافاً في توصيف "الخطر الإيراني" على الدولة العبرية، بل يقع الاختلاف والتباين حول أولويات التعامل مع هذا الخطر؛ بين من يريد تأجيل العمل العسكري، ومن يلوِّح به مبكراً، ومن يفضِّل مشاركة أو دفع آخرين مثل الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

ولكن هناك خشية لدى الجانب الإسرائيلي من "مرور الوقت"؛ أي أن يتيح التفاوض الأمريكي— الإيراني إذا طال أمده حصول إيران على القنبلة النووية. وبما أنّ القيادة الإسرائيلية لا تستطيع منع إدارة أوباما من خيار التفاوض والحوار؛ فإنّها قد تدعو هذه الإدارة إلى أن يكون حوارها مع إيران مشروطاً ومحدداً بسقف زمني، بحيث يتبيّن بعدها صدق أو حقيقة النوايا الإيرانية في الالتزام ببرنامج نووي سلمي، أو أن يتبيّن خلاف ذلك، وعندها سيكون لدى القادة الإسرائيليين ما يبرر العمل العسكري من دون أي معارضة أمريكية أو أوروبية.

السيناريوهات المحتملة

ويبقى السؤال متعلقاً بالخيارات المتاحة في ظل المعطيات السابقة أمام الدولة العبرية للتعامل مع ما يسمى "الخطر الوجودي الإيراني" وما هو انعكاس السيناريوهات المفترضة على الشرق الأوسط عموماً وعلى القضية الفلسطينية خصوصاً؟.

يتمثل السيناريو الأول، بحسب تحليل "الزيتونة"، بأن يلجأ الجانب الإسرائيلي إلى ضربة عسكرية خاطفة خلال ساعات، لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، فتطيح بمشروع الحوار الأمريكي— الإيراني المرتقب.

ويواجه هذا السيناريو أحد احتمالين؛ الأول هو أن تنجح الدولة العبرية في تدمير قسم من المنشآت النووية الإيرانية وتعجز إيران عن الرد في الوقت المناسب، أي تحقق "إسرائيل" انتصاراً خاطفاً. وفي مثل هذه الحالة من الطبيعي ألاّ تقدم الحكومة الإسرائيلية أي تنازل لا بشأن الدولتين ولا المستوطنات ولا المبادرة العربية للسلام، وستتحوّل الضغوط العربية والإسرائيلية والدولية إلى حركات المقاومة، "حماس" بالدرجة الأولى، لدفعها إلى القبول بكل ما كانت ترفضه في السابق من الاعتراف بإسرائيل إلى القرارات الدولية إلى ما وقعته السلطة مع دولة الاحتلال من اتفاقيات.

والاحتمال الثاني أن ترد إيران بقوة على العدوان الإسرائيلي حتى لو نجح هذا الأخير في تدمير بعض المنشآت النووية، مما سيشعل المنطقة كلها ويضعها أمام احتمالات واسعة من امتداد اللهيب. أي أنّ ميزاناً جديداً للقوى سينشأ بعد هذه الحرب قد يدفع الحكومة الإسرائيلية إذا خسرت المواجهة إلى التراجع والاعتراف بحل الدولتين. وستكون حركات المقاومة في فلسطين ولبنان هي المستفيد الأول من الوضع الجديد، لكن هذا الاحتمال قد يزيد المخاوف العربية من إيران، وسيرغم الولايات المتحدة على الوقوف مجدداً بقوة إلى الجانب الإسرائيلي حتى لا تضطر إلى تقديم أي تنازلات إضافية.

أما السيناريو الثاني؛ فيقضي بأن تنتظر القيادة الإسرائيلية رغماً عنها، نتائج الحوار الأمريكي مع إيران، فلا تقدم على أي عمل عسكري يغضب إدارة أوباما ويربك حساباتها الإقليمية مع حلفائها العرب الذين يرغبون، بعد سنوات طويلة من التفاوض، في تحقيق أي اختراق على المسار الفلسطيني، مثل الموافقة على حل الدولتين. وفي مثل هذه الحالة لن تعمد إدارة نتنياهو إلى تقديم أي تنازلات فعلية، لا للطرف الفلسطيني ولا للطرف السوري، حتى لو استؤنفت المفاوضات؛ لأنّ الإستراتيجية الإسرائيلية في هذه الحالة ستكون إستراتيجية "الانتظار والتأجيل". ومن المحتمل أن تعمد في هذه الفترة إلى: الاغتيالات، ورفض مشاركة "حماس" في أي حكومة، ورفض التفاوض مع حكومة فيها "حماس"، ومزيد من التعاون والتطبيع مع الدول العربية "المعتدلة"، والتحريض على إيران والتخويف من برنامجها النووي، مع استمرار الاستعداد لضربة عسكرية ضد إيران. ولن تتوقف حكومة نتنياهو عن بناء المزيد من المستوطنات، مع تركيزها على توسيع شقة الخلافات الفلسطينية— الفلسطينية، التي يبدو أنها ستستمر مع تشكيل حكومة جديدة لم تحظ بالتوافق الوطني بين الفصائل كافة. لكن القيادة الإسرائيلية لن تتراجع في أثناء "الانتظار" عن تكرار التأكيد على الخطر الإيراني عربياً وعالمياً، وعن الدعوة إلى مزيد من العقوبات ضد طهران.

استبعاد سيناريو الضربة العسكرية الخاطفة

ويرجح مركز "الزيتونة" في تحليله، إلى استبعاد أن تجرؤ حكومة نتنياهو— ليبرمان على المجازفة باختيار السيناريو الأول، الذي يتمثل في توجيه ضربة خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية. ويقف وراء ذلك عدد من الأسباب، مثل "حزم الرئيس الأمريكي الصارم والواضح في رفض هذا الخيار، الذي سيربك كل إستراتيجيته في الشرق الأوسط، وعدم الإجماع الإسرائيلي الداخلي حول هذا السيناريو، والخشية من رد الفعل الإيراني الواسع في ظل استعداد طهران الجدي على المستوى العسكري لهذا النوع من الرد".

ويعني ذلك أنّ الحكومة الإسرائيلية ستكون مرغمة على التراجع عن التهديد المتواصل بضرب إيران، خاصة أنّ الرئيس الأمريكي ألمح إلى فترة زمنية للتأكد من رغبة إيران في الحوار هي نهاية العام الحالي، تتضح خلالها قدرته على معالجة الوضع في باكستان وأفغانستان، أي أنّ على الجانب الإسرائيلي الانتظار حتى تلك الفترة قبل أن يفكر بأي عمل عسكري. ولعل الرئيس أوباما سيحاول في هذه الفترة "انتزاع" بعض التنازلات من نتنياهو، ترضي حلفاءه العرب، وتعزز وضع السلطة الفلسطينية، وتضعف "حماس" والقوى الأخرى المعارضة؛ مثل وقف بناء المستوطنات، أو إطلاق أسرى فلسطينيين، أو فتح المعابر والعودة إلى الحوار مع السلطة الفلسطينية، حتى لو لم يعلن نتنياهو التزامه بدولة فلسطينية، أو بحل الدولتين. وبهذا ستكون المنطقة أمام أشهر إضافية من المراوحة دون أي تقدم فعلي ودون أية التزامات جدية أساسية من الجانب الإسرائيلي، ولكن الحكومة الإسرائيلية ستعمد خلال هذه الفترة على الأرجح إلى توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، على قاعدة تطويق "التطرّف الفلسطيني المتحالف مع إيران التي تعرقل عملية السلام".

ويخلص مركز "الزيتونة" إلى التنبيه إلى أنّ "هذا يستدعي الانتباه إلى عدم الانزلاق إلى ما يريده الإسرائيليون والأمريكيون من تصاعد الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني، واليقظة من عمليات اغتيال لقادة المقاومة، أو من عمليات عسكرية محدودة في داخل غزة تحديداً، وعدم التهاون إعلامياً وسياسياً مع محاولات تشكيل جبهة عربية— إسرائيلية تحت عنوان مواجهة "الخطر الإيراني" في المنطقة"، حسب تحليله.