خبر على شاطئ غزة.. سباحة.. ومرح.. وقرآن

الساعة 05:51 م|21 يونيو 2009

فلسطين اليوم: غزة

بخطوات هادئة يقترب "أحمـد" وزوجته من الشاطئ.. تتشابك أناملهما، وهما يحركان ذراعيهما للأمام والخلف في مرح طفولي.. بينما عيونهما ترنو إلى ركنٍ رملي مرتفع.. يجلسان عليه ويترقرق الحديث ناعما في جو صيفي منعش.. ودون أن يلاحظا تخط أيديهما على الرمل الذهبي صورا وكلمات.. وما هي سوى لحظات حتى ينفضا حبات الرمل ويتسللا في هدوء لمعانقة الأمواج في ركن قصي من الشاطئ.

"هالة يوسف" بطلة هذا المشهد لم تكن سوى فتاة محجبة على شاطئ قطاع غزة ترتدي زيها الإسلامي الكامل, وهي ليست الوحيدة بهذا اللباس؛ فكل النساء والفتيات على شاطئ القطاع التزمن بارتداء الأزياء المحتشمة، بينما اختص الرجال والشباب بجزء من الشاطئ، وتركوا للنساء الجزء الآخر، في مظهر اعتبره البعض نموذجا لـ"الشاطئ النظيف من العري والانحلال الأخلاقي".

وقطرات الماء تبلل ملابسها تقول هالة لـ"إسلام أون لاين.نت": "اعتدت أنا وزوجي الذهاب للشاطئ كل خميس للاستجمام، وقضاء بعض الوقت الممتع بعد عناء أسبوع من العمل المرهق.. ولا يمنعني لباسي الإسلامي من التمتع بجو البحر، بل يجعلني في قمة حريتي".

ومع ارتفاع حرارة الصيف وبدء موسم الإجازات راح أهالي قطاع غزة في التوافد على شاطئ البحر, الذي يعتبر المتنفس الوحيد لسكان القطاع في ظل حصار إسرائيلي قاسٍ يخنق أنفاسهم منذ ما يقارب الأعوام الثلاث.

نشعر بالأمان

وبدا شاطئ غزة كمهرجانٍ للألوان؛ فالخيام مصطفة بألوانها المغرية بشوقٍ لمعانقة مصطافيها, والمظلات تتطاير لتُراقص نسمات الهواء المنعشة, والكراسي تُزين الشاطئ وتصافح مياهه الباردة.

"أبو خالد مراد" يصطحب بناته الخمس كل أسبوع للاستجمام على البحر، وللترويح بعد تعب عام دراسي شاق؛ ليمنحهن الحرية في السباحة, واللعب, والمشي على الشاطئ.

وهو متكئ على كومةٍ من الرمال يقول لـ"إسلام أون لاين.نت": "شواطئنا نظيفة جدا بالنسبة لشواطئ العالم؛ فنحن نرى ونسمع ما يشيب له الرأس من مظاهر العري والانحلال الأخلاقي، ولكن عندنا الوضع مختلف؛ فنحن مطمئنون على أولادنا وبناتنا، ونشعر بالأمان وهم على الشاطئ؛ فأهالي غزة محافظون بطبعهم".

وتلتقط زوجته -التي كانت منغمسة بإعداد القهوة- طرف الحديث قائلة: "ما دامت فتياتنا ملتزمات بلباس محتشم، فلماذا نمنعهن من النزول للبحر والترفيه عن أنفسهن؟!.. الشاطئ كله مكتظ بالعائلات، ولا أحد ينتهك خصوصية غيره, وكل يحترم الآخر".

متعة وفائدة

وفي جولةٍ سريعة لـ"إسلام أون لاين.نت" على امتداد شاطئ مدينة غزة, كان من اللافت انقسام الشاطئ تلقائيا إلى قسمين: أحدهما للشباب، والآخر للفتيات، ولكل منهما الحرية الكاملة بالتمتع في المياه المنعشة، والأجواء الصاخبة.

وبينما ينادي أبو رامي على صغاره للخروج من المياه لتناول طعام الغداء، يؤكد لـ"إسلام أون لاين.نت": " شاطئنا جميل ويُشعرنا بالأمان، ولم أصادف أي حالات تحرش بالفتيات أو مشاهد مخلة بالآداب.. ولولا ثقتي بذلك لما اصطحبت أطفالي وزوجتي للبحر.. كما أن كل المصطافين حريصون على خلو الشاطئ من تلك الصور".

في المساء استرعانا مشهد مجموعة من الشباب الملتفين حول هالة من النيران المشتعلة.. يصفقون ويهللون بمرح.. منشغلين في عقد المسابقات الثقافية وتوزيع الجوائز على الفائزين.. وبعد برهة من الزمن انهمكوا بتلاوة القرآن وتفسير بعض الآيات.

"سامر" قائد المجموعة يقول: "نحن عشرة شباب خرجنا منذ أربعة أيام للتخييم على الشاطئ للترويح عن أنفسنا قليلا.. اصطحبنا معنا ثلاث خيام والماء وبعض الطعام والمعلبات".

وعن كيفية قضاء يومهم يجيب: "نستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة ونقرأ القرآن ثم نذهب للمسجد القريب ونصلي، ثم نسبح حتى الصباح، ونزاول الرياضة.. وخلال النهار ننام قليلا، وننظم بعض المسابقات، ونلعب كرة القدم، ونحفظ القرآن".

وبابتسامة تملأ ثغره يضيف: "أجمل ما في الشاطئ أنه مريح للعين، ومسر للقلب, فلا نُشاهد ما يعكر صفونا أو يقلب مزاجنا.. وإن أغلب الرحلات تكون عائلية فلا تحدث مشاكل أو مضايقات من قبل أي شخص".

نظرة وابتسامة

"لينا وسارة ونور" ثلاث أخوات لم يتجاوزن الثامنة عشر من العمر.. يمشين على الشاطئ بخطواتٍ مرتبكة وضحكات طفولية.. يجرين تارة ويلعبن بالمياه ويتراشقن حبات الرمل تارة أخرى.. حثثنا الخطى تجاههن متسائلين: "مع من جئتن؟" فأشرن إلى مكانٍ بعيد؛ حيث والدهن وإخوتهن الصغار.

وبحروفٍ واثقة تؤكد لينا أن والدهن يسمح لهن بالنزول للمياه والمشي على طوال الشاطئ ما دام أنهن لن يبتعدن كثيرا، ولا يتعرضن للمضايقات من أحد, وتضيف: "أنتظر أنا وأخواتي هذا اليوم على أحر من الجمر, فهل هناك أجمل من رملٍ وبحر وصحبة الأهل؟!".

وعن سؤالنا لها إن كانت تعرضت هي وأخواتها لتحرش من الشباب، تجيب والاحمرار قد غزا وجنتيها: "لم نتعرض لأي تحرش يُذكر، ولكن هذا لا يمنع من نظرة من هنا وابتسامة من هناك.. ولكن ما دمنا ملتزمات بلباسنا ومحتشمات بسلوكنا، ونفرض احترامنا على الآخرين، فلن يتعرض لنا أحد.. بل على العكس سنزداد علوا في أعينهم".

وكانت بلدية غزة قد أجرت مسحا شاملا للشاطئ مؤخرا، وأزالت جميع التعديات من أكشاك وخيام غير مرخصة، وخصصت جزءا منه للمواطنين وآخر للاستراحات, كما حرصت البلدية على زيادة عدد المنقذين البحريين؛ من أجل توفير الأمن والسلامة للمصطافين.