خبر « سري للغاية ».. كيف سقط المصري محمد صابر جاسوس الموساد الذري؟

الساعة 11:41 ص|21 يونيو 2009

"سري للغاية".. كيف سقط المصري محمد صابر جاسوس الموساد الذري؟

فلسطين اليوم- قسم المتابعة

سقط جاسوس ثان للمخابرات للموساد في مصر قبل عامين، وأكدت التحقيقات أن الثاني، بعد محمد العطار الذي يحاكم الآن هو الأخطر، فالمعلومات التي قدمها للموساد شديدة الخطورة، وتدخل المستندات التي سلمها لهم تحت بند “سري للغاية”، لكنه، وهو مهندس في هيئة الطاقة الذرية، كان يحمل علامات استفهام وراءه، فالسبب الذي دفعه للاندفاع للموساد ضعيف، فهو لم يكن محتاجا للمال، يعيش حياة مستقرة، عنده درجة علمية كبيرة، وعلى الرغم من ذلك سلم نفسه لعميلي الموساد ، وعلى مدار عام سلمهما 9 رسائل إلكترونية شديدة الخطورة.

 

كانت المخابرات المصرية العامة تتابع المهندس محمد سيد صابر، وقبضت عليه قبل الخطوة الحاسمة التي خطط لها لاختراق نظام الحاسب الآلي في مفاعل أنشاص النووي، فماذا حدث ؟

 

قد يكون الجاسوس المذكور أخطر الجواسيس الذين ظهروا في الفترة الأخيرة، دربه عملاء الموساد في هونج كونج، وسافر إلى القاهرة مرات طوال العامين الماضيين، لكنه جاء هذه المرة وهو يستعد للخطوة الأشد خطورة!. كان تكليف الموساد له واضحا، وهو اختراق نظام هيئة الطاقة الذرية وتقديم معلومات تفصيلية عن كل شيء فيها وفي المفاعل، وكذلك بشأن العاملين في الهيئة، وفي مقدمتهم رئيسها، وطلبوا من الجاسوس توثيق الصلة بهذه القيادات.

 

وحسب موقع المجد الأمني، كشف في يوم القبض على الجاسوس أن أسرته، وبالتحديد زوجته، لا تعلم أي شيء عن نشاطه، فقد كان يخفي جهاز الحاسب الآلي المحمول الخاص به في غرفته، وهو يحتوي على أدق الأسرار، من دون أن تعلم الزوجة التي أسقط في يدها حينما شاهدت زوجها بصحبة رجال المخابرات العامة ورئيس نيابة الأموال العامة العليا.

 

كانت الزوجة تسأل زوجها عما يحدث، لكنه التزم الصمت، وبكلمات موجزة أخبرها أنه سيتحدث إليها فيما بعد، علمت الزوجة الخبر من الصحف بعد ذلك وبكل تفصيلاته، بكت وأخذت تردد : زوجي بريء ولم يكن مطلقا جاسوسا. وعلى الرغم من إيمان الزوجة وأسرة المتهم محمد سيد صابر ببراءته، إلا أن أحدا منهم لم يقدم أي طلب لنيابة أمن الدولة لزيارته طوال 60 يوما من التحقيقات، ولم تكلف الأسرة أي محام للدفاع عن صابر الذي توالت اعترافاته المثيرة بكل تفاصيل عملية التخابر الكبرى.

 

شعوره بالاضطهاد، وإحساسه بأنه عالم لا مكان له في هيئة الطاقة الذرية، من  الأسباب الحقيقية التي دفعت المهندس محمد سيد صابر للخروج من مصر، بل تقديم طلب للهجرة إلى دولة العدو الصهيوني. لم يكن في حاجة إلى أموال، فأسرته ميسورة الحال، ويسكن في شقة تمليك في حي فيصل في محافظة الجيزة، وله طفلتان الأولى (12 عاما) والثانية (6 أعوام)، وكان يتقاضى راتبا كبيرا من هيئة الطاقة الذرية، لكنه فكر في السفر.

 

هذه كانت المعطيات التي صنعت بذور الجاسوسية في عقل المهندس محمد صابر، وكشفت اعترافاته أنه قدم للموساد معلومات شديدة الخطورة، تسع رسائل شفرية أرسلها على البريد الإلكتروني مستخدما اسمه الحركي “ميني مي”، وكانت تحتوي على التفاصيل التي طلبها عميلا الموساد، الإيرلندي براين بيتر والياباني شيرو أيزو، عن عدد ساعات تشغيل مفاعل أنشاص النووي والمشكلات  التي تقابله، وسياسة الدولة في التعامل في مجال الطاقة الذرية.

 

وكانت زيارته الأخيرة الأهم، فقد هيأ عميلا الموساد عميلهما المصري للقيام بالمهمة الأصعب والأكثر خطورة، وهي اختراق أنظمة الكمبيوتر في هيئة الطاقة الذرية المصرية، وزوداه بجهاز كمبيوتر محمول “لاب توب”، وأسطوانات مدمجة فيها برامج الاختراق، وفيها شيفرة لا يمكن اكتشافها.

 

قضى المتهم أشهراً في “هونج كونج” وهو يتدرب على هذه البرامج، وسلم نفسه لعملاء الموساد ليعرضوه على جهاز كشف الكذب قبل تسليمه هذه الأدوات، ولم ينس أن يطلب منهم مبلغا كبيرا مقابل هذه الخطوة، وحصل بالفعل على 17 ألف دولار، ووعد بمبلغ آخر أكثر في حالة نجاحه في هذه الخطوة. وصل إلى القاهرة وهو شديد الحرص، لم يكن يحمل في حقيبته أي أوراق تخص الهيئة،  وكان يحفظ كل المعلومات الخاصة بعميلي الموساد في ذاكرته ولا يكتبها ولا حتى أرقام الهواتف.

 

كانت التعليمات واضحة أيضا، وهي أن جميع الاتصالات بين المهندس محمد صابر وعميل الموساد تتم عبر البريد الإلكتروني الذي قامت نيابة أمن الدول بتفريغه وطبع الرسائل التي أرسلها الجاسوس إلى الموساد بالإنجليزية وبالشيفرة التي دربه عليها براين بيتر.

 

لم يبدأ الجاسوس الاعترافات إلا في ثالث أيام القبض عليه، التزم في الأيام الأولى الصمت، حاول إظهار التماسك، أكد أنه بريء وهناك سوء فهم، فهو كان يتعامل مع شركة عالمية ولا يوجد دليل على أنها تابعة لجهاز الموساد، لكن تماسكه انهار أمام الأدلة الدامغة التي واجهته بها النيابة من خلال تحريات هيئة الأمن القومي (المخابرات المصرية)، ووقتها أدرك أن أجهزة الأمن ترصده منذ سنوات، وسبب تأخرهم في ضبطه هو انتظار وصوله إلى مصر لتنفيذ الخطوة الأكثر خطورة.

 

أمام سيل المعلومات، تراجع الجاسوس عن إنكاره، وأبدى استعداده للتعاون مع أجهزة التحقيق، اعترف لرئيس نيابة أمن الدولة العليا المستشار طاهر الخولي بكل أسرار الجريمة، لكنه أكد أنه “ضحية من لم يقدروا علمه وموهبته” فهو يستحق مكانة أكثر من التي وضعه فيها مسؤولو هيئة الطاقة الذرية، ولذلك فكر في الخروج من مصر والاتجاه إلى مكان آخر، حتى لو كان دولة العدو الصهيوني، وبالفعل قدم طلب هجرة إلى تل أبيب، لكن أجهزة الأمن نصحته بعدم تكرار هذه المحاولة لم يتعظ الجاسوس وسافر للسعودية، والتحق بالعمل في إحدى جامعات الرياض،  ووضع سيرته الذاتية على الإنترنت.

 

نصب له “الموساد” الشباك، فهو صيد ثمين، عالم ذرة لا يريد العمل في مصر، اتصلوا به بزعم تشغيله في شركة عالمية في هونج كونج، ودعوه للسفر إلى هناك، والتقى مع المتهمين الإيرلندي براين بيتر والياباني شيرو أيزو اللذين أخبراه أنهما مندوبا شركة عالمية. وبعد عدة لقاءات، قدم لهما فيها معلومات عن المفاعلات المصرية، أدرك محمد صابر أنه يتعامل مع الموساد، لكنه لم يتراجع وفرح بالدولارات التي حصل عليها، وسافر للقاهرة في عدة إجازات، وفي كل مرة كان يحصل على معلومات مهمة يتقاضى مقابلها آلاف الدولارات.

 

أعداه للمهمة الأخيرة، وكلفاه بتجنيد عدد من مسؤولي هيئة الطاقة الذرية للعمل معهم بأجر كبير، لكن المخابرات المصرية لم تمهله لهذه الفرصة، ثم تقررت إحالته إلى محكمة أمن الدولة لمحاكمته .