خبر سقـط أوبامـا بضربـة نتنياهـو الأولى ..صلاح صلاح

الساعة 11:01 ص|20 يونيو 2009

ـ السفير 20/6/2009

في خطابه الشهير على أرض الكنانة، الذي هلّل وكبّر له معجبو الرئيس الأميركي باراك أوباما، استبشر خيراً كثيرون من المهتمين بالقضية الفلسطينية خاصة في نقطتين أساسيتين تناولهما خطابه: المستوطنات، الدولتان.

في الخطاب الذي ترقبته أوساط واسعة فلسطينية وعربية ودولية أعطى نتنياهو رد حكومته الواضح؛ في موضوع المستوطنات قال «أما موضوع الأراضي فيبحث في التسوية النهائية (؟!) وحتى ذلك الحين لا نية لدينا لبناء مستوطنات جديدة أو مصادرة أراض لتوسيع مستوطنات قائمة». ليست غريبة هذه الوقاحة في الكذب حول الأراضي التي من المفترض أن تبحث في المرحلة النهائية في حين أنّ إسرائيل، منذ أوسلو حتى الآن، صادرت ما يزيد عن 40% من مساحة الصفة كمناطق عسكرية، ولبناء المستوطنات، وإقامة أبراج المراقبة والحواجز، وشق الطرق، وبناء الجدار العنصري، هذا عدا عن اقتطاع القدس عن الضفة.

والنص واضح فهو لم يلتزم بإزالة أي مستوطنة، لكنّه أشار بأنّ لا نية لمصادرة أراض لتوسيع مستوطنات قائمة. هل يستطيع الرئيس أوباما أن يحدد مساحة كل مستوطنة والأراضي المصادرة في محيطها لأغراض «النمو الطبيعي»؟

وهنا مفيدة الإشارة إلى قصة التفاهمات بين بوش وشارون حول الاستيطان التي كتبها الأستاذ حلمي موسى في السفير (9 حزيران) ونفتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون. لكنّها توضح وتؤكد ما سبق ونشر عدة مرات وفي العديد من وسائل الإعلام حول التحايل بل قُل الرفض الإسرائيلي للموقف الأميركي، المطالب لفظاً بوقف الاستيطان منذ عام 1992. ثلاثة رؤساء للدولة العظمى، زعيمة العالم، لم ينجحوا بإقناع ولا فرض موقفهم على إسرائيل بوقف الاستيطان، الذي كان يجري تحت ذرائع تتجدد مع كل رئيس أميركي؛ بدءاً من استيعاب المهاجرين الروس، إلى التمييز بين المستوطنات الأمنية والأخرى السياسية، أو التمييز بين الكتل الاستيطانية والمستوطنات المنعزلة، والآن يجري الحديث عن مستوطنات شرعية وأخرى عشوائية. وفي كل الحالات فإنّ حيثية «النمو الطبيعي» للمستوطنات الغطاء الدائم للتحايل والاستمرار في البناء.

أمّا في موضوع الدولة فالخداع والتضليل في غاية الوضوح؛ نتنياهو لم يوافق صراحة على حق الفلسطينيين في دولة، بل وضع شروطاً تجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية. هو يرفضها على طريقته الصهيونية «ولا يمكن أن تنتظروا منّا سلفاً على مبدأ دولة فلسطينية من دون ضمان نزع سلاح هذه الدولة... بأن تكون المنطقة (لم يستعمل كلمة دولة) بأيدي الفلسطينيين منزوعة السلاح؛ أي من دون جيش، من دون سيطرة في الأجواء ومع ترتيبات أمنية ناجعة (من يحددها؟) تمنع دخول أسلحة إلى تلك المناطق... إذا حصلنا على هذه الضمانة (مِن مَن؟) لنزع السلاح وللترتيبات الأمنية لإسرائيل (ما هي؟ ومن يضعها؟)، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي (هنا بيت القصيد) نكون على استعداد لاتفاق سلام حقيقي للوصول إلى حل دولة فلسطينية. وقبل ذلك «على السلطة الفلسطينية أن تفرض النظام في قطاع غزة والتغلب على حماس» يعني اقتتالاً فلسطينياً.

لكن الأخطر هو ما يبطنه خطاب نتنياهو من مضمون يعتبر فلسطين بحدودها التاريخية هي أرض إسرائيل؛ في قوله «كل الحقيقة» يُشير بنص واضح لا لبس فيه إلى أن الفلسطينيين يعيشون في الوطن اليهودي «في أرجاء وطننا، في قلب الوطن اليهودي يعيش جمهور كبير من الفلسطينيين». ويُتابع «يعيش في أرضنا؟! الصغيرة شعبان حران جنباً إلى جنب»، ويزوِّر التاريخ بالإدعاء «أنّ صلة الشعب اليهودي (بأرض إسرائيل؟!) تستمر منذ 3500 عام. ويهودا والسامرة ليستا أرضاً غريبة فهي أرض آبائنا». بالاستناد على هذه الخلفية فإنّ المستوطنين يسترجعون أرضهم ولا يصادرونها، ولن يوافقوا على وجود دولة أخرى في إطار دولتهم التي تشمل كل أرض فلسطين.

ولم يخرج نتنياهو عن سياق من سبقه من حكام الكيان الصهيوني بأن «تجد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً لها خارج حدود دولة إسرائيل»، وأنّ «القدس عاصمة دولة إسرائيل تبقى موحدة».

إن كنتُ لا أرى جديداً في خطاب نتنياهو، ولا أرى فيه موقفاً شخصياً ولا حزبياً بل هو يعكس الموقف الصريح الواضح لكل قادة الكيان الصهيوني وأحزابه بيمينهم ويسارهم، (العلمانيون منهم والمتدينون)، لكن السؤال الكبير هو: لماذا هذا الترحيب الأميركي الفوري بالخطاب، فاعتبرته إدارة أوباما «مهماً وخطوة متقدمة وإيجابياً»؟ لا أعتقد أنّ علينا تقديم جواب عام من نوع متسرع أو لتشجيع نتنياهو على الاستمرار في طريق السلام أو لدعمه في مواجهة معارضة داخل حكومته إلخ... أرى في التجاوب الأميركي السريع مع خطاب نتنياهو تواطؤاً من إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو، يحمل المخاطر التالية:

1ـ أن يتحول الضغط الأميركي الذي توهمه البعض على إسرائيل إلى الأنظمة العربية لمطالبتها التطبيع وإقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل، بحجة أنّ نتنياهو استجاب للضغط الأميركي وخضعت حكومته لمطلب أوباما بحل الدولتين.

2ـ أن تنتهي جولات المبعوث الأميركي ميتشل بطرح مبادرة «أوبامية» جديدة، تحدث عن مضمونها أثناء زيارته إلى فرنسا نهاية الأسبوع الماضي «إنّها تعني إسرائيل وفلسطين يعيشان جنباً إلى جنب، وسلاماً بين إسرائيل وسوريا، وإسرائيل ولبنان، أي أنّها تعني تطبيعاً كاملاً بين إسرائيل وجيرانها». وقد يكون لهذا السبب تجاهل نتنياهو في خطابه التطرق لأي من الاتفاقات والتفاهمات والمبادرات المتداولة.

وقد مهّد أوباما لذلك عندما أعلن في خطاب القاهرة أنّ المبادرة العربية غير كافية وطالب باستكمالها في اتجاهين: التطبيع مع إسرائيل والضغط على الفلسطينيين.

3ـ استمرار اللعبة الأميركية الإسرائيلية التي تدفع الفلسطينيين والعرب إلى التراجع التدريجي عن برامجهم وحقوقهم الثابتة غير القابلة للتصرف؛ من تحرير كامل التراب الوطني (فلسطين)، إلى قرارات الشرعية الدولية، إلى التخلي عن أهم قرارين 194/حق العودة و181/ دولة فلسطينية على مساحة 46% من أرض فلسطين التاريخية، إلى أوسلو الذي ينسف كل القرارات، لينحصر التفاوض الآن حول المستوطنات. وهل تقبل إسرائيل بحل الدولتين أم لا؟ ونتجاهل بل نتغابى عما يجري على الأرض؟ من مصادرة أراض وبناء مستوطنات لا تترك مكاناً لإقامة دولة فلسطينية. حتى لو وافق نتنياهو صراحة بقبوله دولة فلسطينية، كما أعلنت حكومات إسرائيلية سابقة، فأين ستقوم هذه الدولة؟

أنهي بتسجيل الملاحظات التالية:

1ـ للمرة الألف أُشارك الملايين من أبناء الشعب العربي والفلسطيني دعوة القيادات والفصائل إلى حوار ينهي الرهان على تسوية من خلال ما يُسمى «الحل السياسي» أو «مفاوضات السلام» والإقرار بأنّ الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية يعيش تحت الاحتلال بل الاغتصاب لأرضه ووطنه. وأنّ لا خيار إلاّ في المقاومة. أمّا ما هو شكل المقاومة وأسلوب التصدي للدفاع عن الوطن، فهذا ما يجب التوافق عليه بين الجميع.

2ـ على الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، أن يخرجوا من اعتبار 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية. الأوراق بيدنا نحن عندما نحسم أمرنا. الولايات المتحدة الأميركية سند دائم وشريك إستراتيجي لإسرائيل، لم ولن تمارس عليها أي ضغط، لم ولن تفرض عليها أي موقف أو قرار حتى لو كان دولياً لا تقبله. فلنتوقف عن التعلق بالحبل الأميركي لأنّه لن ينقذنا. علينا أن ننقذ نفسنا.

3ـ آن الأوان، وقد تأخرنا كثيراً، لإعادة الاعتبار للرؤيا الإستراتيجية للصراع مع المشروع الصهيوني، مقابل الطرح العنصري بإقامة دولة إسرائيل اليهودية، نحن نناضل لإقامة دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية. دولة يتمتع مواطنوها بحقوق متساوية بدون تمييز باللون أو الجنس أو الدين أو العرق. ولنا في قرار المجلس الوطني الفلسطيني عام 1970 أرضية للإجماع الفلسطيني حول هذه الرؤيا.

ـــــــــــ

عضو المجلس الوطني الفلسطيني/رئيس لجنة اللاجئين