خبر بعد المائة مليار دولار .. هل تؤدي علاقات أميركا بإسرائيل إلى تحقيق تسوية؟! ..د. مازن النجار

الساعة 01:04 م|19 يونيو 2009

بعد المائة مليار دولار .. هل تؤدي علاقات أميركا بإسرائيل إلى تحقيق تسوية؟!

د. مازن النجار

 

منذ بداية النكبة الفلسطينية وقيام الكيان الصهيوني، تعاقب على البيت الأبيض رؤساء جمهوريون وديمقراطيون، محافظون ومحافظون جدد، أباطرة ورئاسيون، وتصنيفات أخرى. في العقد الأخير، تربع على عرش البيت الأبيض جورج بوش الابن ومحافظوه الجدد لفترتين رئاسيتين لم يشهد التاريخ الأميركي لها مثيلاً. لا حاجة للتذكير بالحرب العالمية على الإرهاب، أو غزو أفغانستان ثم العراق، وما أعقب ذلك معروف ومشهود.

 

ما يعنينا هنا حضور هذه الإدارة بساحة الصراع العربي الإسرائيلي. أعلن بوش عن رؤيته لقيام دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع "دولة" إسرائيل "اليهودية" قبل نهاية 2008. مضت السنون وانتهت رئاستا بوش، ولم يتبق إلا دمار الشرق الأوسط وانقسام العرب والمسلمين فيما بينهم عنصرياً وقطرياً وطائفياً، وانقسام كل شعب على نفسه، ووعد بعدم انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عدوان 1967، وتعميد شارون "رجلاً للسلام"، واغتيال ياسر عرفات، والانقلاب على نتائج الانتخابات الفلسطينية، وفرض الحصار على قطاع غزة عقاباً للشعب على اختياراته الانتخابية، والالتزام بتسليح إضافي لإسرائيل يبلغ 30 مليار دولار حتى 2018، وخطة أبرامز ثم ديتون لحرب أهلية فلسطينية التي لا تزال قيد التنفيذ.

 

انتهت رئاستا بوش، وجاءت الأزمة المالية العالمية فأطاحت بأوهام ومؤسسات وإمبراطوريات مالية وصناعية، لكنها جاءت برئيس مثقف وسياسي دستوري التوجه وأستاذ قانون معاد للحرب، هو باراك حسين أوباما. بدوره، طرح أوباما رؤيته لحل الدولتين، واتخذ موقفاً واضحاً (وليس صلباً) من قضية توسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. وووجه حديثاً إلى العالم الإسلامي أكد فيه توجهه نحو السلام، خاصة في الأرض المقدسة.

 

قبل أن تمضي سنوات رئاسة أوباما الأولى، وربما تكون هناك رئاسة ثانية، ينبغي أن نحاول قراءة "جواب" أوباما من "عنوانه". وعنوانه هنا مشروع الميزانية الاتحادية الذي تقدم به لمجلسي الكونغرس لإقراره أو تعديله. سيساعدنا على قراءة الجزء الدال (شرق أوسطياً) في الميزانية الأميركية مثقف وناشط يهودي أميركي هو الأستاذ جوش روبنر، المدير القومي لمشروع "الحملة الأميركية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".

 

يُذّكر روبنر بتعهدات الرئيس أوباما، في ضوء الأزمة المالية، بحذف الإنفاقات غير الفاعلة من الميزانية، وقوله "لن تكون هناك بقرات مقدسة، ولا مشروعات مدللة. فبجميع أنحاء البلاد، تتخذ الأسر الأميركية خياراتها الصعبة في ضبط النفقات، وقد حان الوقت لحكومتها أن تحذو حذوهم".

 

لكن في الشهر الماضي، عندما طلبت إدارة أوباما من الكونغرس رصد نحو ثلاثة مليارات دولاراً، كمساعدة عسكرية لإسرائيل بميزانية السنة المالية 2010، بدت التزامات أوباما حول هذه المسألة الهامة للسياسة العامة كلاماً بدون محتوى. ووفقاً لخدمات أبحاث الكونغرس، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل منذ 1949 أكثر من مائة مليار دولاراً من المساعدات العسكرية والاقتصادية. وفي 2007، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية بمساعدات عسكرية إضافية قدرها 30 ملياراً حتى السنة المالية 2018.

 

بيد أن تقديم الأسلحة الأميركية لإسرائيل، على نفقة دافع الضرائب الأميركي، لم تقرّب الإسرائيليين والفلسطينيين من تحقيق السلام العادل والدائم. بل فعلت هذه الأسلحة العكس تماماً. بحسب ما وثقته منظمة العفو الدولية مؤخراً، أشارت المنظمة إلى الأسلحة الأميركية باعتبارها العامل الأول لتأجيج النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

ووفقاً لجمعية بيتسيليم الإسرائيلية والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قتلت إسرائيل خلال عهد بوش أكثر من ثلاثة آلاف مدنياً فلسطينياً بريئاً، بينهم أكثر من 1000 طفلاً. وفي ديسمبر2008-يناير 2009 خلال حربها على قطاع غزة المحتل، قتلت إسرائيل حوالي 1200 شخصاً من غير المقاتلين. في المتوسط اليومي، قتلت إسرائيل مدنياً فلسطينياً واحداً عن كل يوم لجورج بوش في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وبأسلحة أميركية غالباً.

 

يقول روبنر أنه ينبغي للكونغرس قبل تخصيص أي مساعدة إضافية لإسرائيل أن يقدم الرئيس أوباما مراجعة شاملة وشفافة حول الأضرار التي تلحق بالمدنيين الفلسطينيين من جرّاء تزويد إسرائيل بالأسلحة الأميركية. فهناك "قانون مراقبة تصدير الأسلحة" يحدد استخدام الأسلحة الأميركية الممنوحة لبلد أجنبي بمجالي: "الأمن الداخلي" و"الدفاع المشروع عن النفس".

 

بعد مراجعة أثر إساءة استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية، إذا لم يجد الرئيس والكونغرس إرادة سياسية لفرض عقوبات على إسرائيل لانتهاكاتها "قانون مراقبة تصدير الأسلحة"، وحظر نقل الأسلحة إليها في المستقبل كما يوجب القانون، فإنه لا تزال هناك خطوات ينبغي لحكومة الولايات المتحدة اتخاذها لضمان عدم استخدام أي أسلحة أميركية مستقبلاً لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بل ينبغي استخدامها لتعزيز أهداف السياسة الأميركية.

 

فمثلاً، ضمانات القروض الأميركية السابقة لإسرائيل اشترطت عدم استخدام هذه القروض لدعم الأنشطة الإسرائيلية (الاستيطانية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لذلك، سيؤدي ربط المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل بنفس الاشتراطات إلى منع استخدام هذه الأسلحة في قتل الأبرياء.

 

يورد روبنر للرئيس أوباما قوله: "لا يمكن استدامة نظام موازنة يستنزف مليارات من دولارات دافعي الضرائب لصالح برامج لم تعد مفيدة أو أنها موجودة فقط بسبب نفوذ السياسيين ومجموعات الضغط وأصحاب المصالح الخاصة. ببساطة لا نستطيع تحملها."

 

يرى روبنرأن هذا المعيار ينطبق على المساعدات الأميركية لإسرائيل، من ناحية الميزانية والناحية الأخلاقية.

 

في ضوء ما رشح عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتن حول عدم وجود نية لإدارة أوباما في توقيع عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في العناد الاستيطاني، باستثناء بعض لفتات "رمزية"، نقول لكل الغارقين في أوهام التفاوض على أساس حل الدولتين، أو أوهام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، نقول لهم "العوض بسلامتكم"، و"إنك لا تجني من الشوك العنب"!