خبر لماذا تصمت واشنطن .. معاريف

الساعة 11:53 ص|19 يونيو 2009

بقلم: شموئيل روزنر

يؤيدون ولكن من بعيد

المحققون الايرانيون مع رجل الـ سي اي ايه، اعتقدوا انه يغرر بهم. في صيف 1979 بعد اقل من عام من انتهاء اعداده للعمل في الـ سي اي ايه ارسل العميل وليام دوهيرتي الى الدولة التي سيطر عليها الثوار. التأهيل الذي حصل عليه للمهمة: دورة من ثلاثة اسابيع ومشاهدة الاخبار في التلفاز "هم قالوا انهم يعرفون انني اترأس شبكة تجسس منتشرة في كل ارجاء الشرق الاوسط. قال . بعد ذلك باسابيع "عندما ادركوا الحقيقة اخيرا" – اي ان دوهيرتي بالكاد يعرف ما الذي يقوم به – "شعروا بالاهانة".

منع حدوث اخفاقات للاستخبارات الامريكية في ايران يستوجب اكثر من اصابع اليدين. هم لم يتوقعوا ثورة الخميني في عام 1979 وهذا كان فشلا.  وكذلك انقلاب 1953 الذي اوصل الشاه الى الحكم بمبادرة وتشجيع منهم – الامر الذي بدا نجاحا الا انه انتهى بالفشل. رئيس الولايات المتحدة براك اوباما اعترف بذلك رسميا في خطاب القاهرة قبل اسابيع. كتاب تيم فاينر حول اخفاقات الـ سي اي ايه، "تركة غبار" التي يظهر فيها سجل حكاية العميل دوهيرتي تتحدث عن علاقة مباشرة بين نجاح – فشل 1953 في ايران وفشلا اكثر مرارة منه – فشل الاجتياح الفاشل لخليج الخنازير في كوبا. غرور جهاز الاستخبارات بعد النجاح في ايران هو الذي قاده الى الاستنتاج بانه قادر على اسقاط فيديل كاسترو ايضا.

اهانة خليج الخنازير كانت تركة دويت ايزنهاور لخليفته جون كيندي حيث كانت ايران قد انقلبت في عهده وجرت في ظل حكمه ايضا التحضيرات لاجتياح كوبا. سخرية القدر هي ان الرئيس اتبع نهجا نشطا في الحالتين اللتين سعت الولايات المتحدة من خلالهما لاسقاط زعيم غير مريح ولكنه مقبول على مواطني دولته. في المقابل وفي الحالة التي طالب فيها المواطنون التخلص من حاكم مستبد بتشجيع امريكي امتنعوا عن التدخل. محاولة الانقلاب الهنغارية في اواخر تشرين الاول وبداية تشرين الثاني لعام 1956 انتهت بصورة مأساوية.

الولايات المتحدة ووقفت جانبا بينما اجتاحت الدبابات السوفياتية هنغاريا لتسحق التمرد المجري وتقتل عشرات الالاف هناك. ايزنهاور ندد بالاجتياح الا انه رفض اقتراح الـ سي اي ايه لارسال السلاح والعتاد للمتمردين. هنغاريا المحاطة بالقوات السوفياتية "ليس من الممكن الوصول لها مثل التبت" قال لمساعديه.

بعد ايزنهاور بثلاثة عقود ونصف وقف رئيس امريكي وهو جورج بوش الاب ذو نهج مماثل في مواجهة احداث ذات مزايا مشابهة على مسافة غير بعيدة عن التبت عندما اجتاحت دبابات الجيش الصيني المظاهرة الضخمة في ساحة تايننمن. قبل ذلك بعدة أيام عبر الرئيس الامريكي عن تأييده الحذر جدا للمتظاهرين في ميدان تايننمن الا انه شجعهم ايضا على ابداء ضبط النفس.

الولايات المتحدة كما تشير الاحداث تؤيد المتظاهرين من اجل الديمقراطية الا انها تخشى من التورط. هكذا حدث في لبنان حيث لم يتردد الرئيس بوش الابن في تأييد ثورة الارز الموجهة ضد القوات السورية الاجنبية. الا ان بوش نفسه وجد صعوبة اكبر في تأييد الثورة البرتقالية في اوكرانيا واستغرقه ذلك عدة ايام الى ان ايد وزير خارجيته كولن باول ادعاءات المتظاهرين حول تزييف نتائج الانتخابات – بسبب حسابات تتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع الرئيس السوري حينئذ فلاديمير بوتين. صمت اوباما بصدد ايران الان دلل على تقدير الوضع الامريكي في ساعة كتابة هذه السطور: النظام الايراني اخطر من ان يتم التحرش به واقوى من ان يتم تحديه.

ينتقدون ولكن من المعارضة

احد ابرز منتقدي بوش في تلك الايام يمكن ايجاده في هذا الوقت على مسافة غير بعيدة من هنا، جورج ميتشيل مبعوث اوباما للشرق الاوسط اليوم الذي يتنقل بين القدس ورام الله ودمشق والذي سيلتقي نتنياهو في اوروبا الاسبوع القادم، كان حينئذ قائد الاغلبية في مجلس الشيوخ. ان كان ينصح اوباما بالصمت وعدم التورط وترك القيادة الايرانية والمتظاهرين ليتعاملوا مع بعضهم البعض بانفسهم فانه يكون مجرد من حسابات الحذر في هذا السياق.

"تصريحات الرئيس كانت حذرة جدا ومحايدة" قال ميتشيل بسخرية، "حيث بدا ان الامر الوحيد الذي يقلقه هو عدم اهانة القيادة الصينية". حينئذ كانت هناك معارضة ديمقراطية ضد رئيس جمهوري يمتنع عن التأييد الواضح لانصار الحرية، اما اليوم فقد انقلبت الصورة حيث اصبحت المعارضة جمهورية بينما يقف على رأس الدولة رئيس ديمقراطي. مرشح الرئاسة الذي خسر امام اوباما السيناتور جون ماكين قال بان على الولايات المتحدة ان تؤيد الكفاح ضد النظام القمعي في ايران. هم وجهوا ضرباتهم لاوباما بينما واصل صمته.

ما هي اسباب هذا الصمت. السبب الاول ان اوباما لا يريد الوقوف الى جانب الخاسر وانه قد اقتنع مثل دغان ان امام متظاهري طهران فرصة صغيرة للانتصار. السبب الثاني ان اوباما ليس متأكدا من وجود فرق كبير بين المرشحين للرئاسة وان موسوي افضل من احمدي نجاد. والسبب الثالث ان كانت امام الانقلابيين فرصة فان التدخل الامريكي قد يكون ضارا فقط وقد يجردهم من الشرعية. والسبب الرابع ان اوباما لا يريد اضعاف احتمالات نجاح الحوار مع النظام الايراني المفترض ان يبدأ حسب خطته قريبا. اعمال الشغب في ايران تشوش جدوله الزمني وتؤخر الدخول في الحوار الا ان قادت المظاهرات الى تغيير دراماتيكي في الهيكلية السياسية الايرانية – واوباما كما اسلفنا لا يؤمن بذلك – ولذلك من الافضل له حسب رأيه ان تهدأ الخواطر بسرعة.

في هذه الاثناء يقضي أيامه باطلاق تصريحات ضعيفة تذكر بأيام تياننمن. هو قلق من العنف "ويصر على المبدأ الشمولي بوجوب سماع صوت الناس" وهو مثل بوش في عام 1989 يأمل بأن تتمكن ايران من ارسال وفدها للتباحث مع امريكا فور انتهاء المظاهرات. عندما تعلق الامر بالصين كان الامر اسهل في ظل علاقات الماضي. مبعوث بوش الخاص برينت سكوكروفت توجه الى بكين من دون اعلام الجمهور لان ذلك كان سيتسبب باحتجاجات وجلبة. سكوكروفت ذاته يؤيد اليوم من الخارج مبادرة اوباما للحوار مع ايران.

يؤثرون ولكن من أين

دينس روس حصل على منصب المسؤول عن ملف ايران في ادارة اوباما بصورة سرية تقريبا. هذا لا يبشر بالخير. في هذا الاسبوع تحدثوا كثيرا عن روس الا انه صمت. الاشاعات حول تحويل روس من المنصب لم تكن مبكرة الا انها مفرطة على ما يبدو. هو لم يقال من الملف بسبب يهوديته ولا بسبب الكتاب الذي نشره مع صديقه ديفيد ماكوبسكي من "معهد واشنطن". هو سينتقل على ما يبدو من وزارة الخارجية الى البيت الابيض قريبا من الرئيس. ايران هي مشروع اوباما حيث ستكون هيلاري كلينتون في دور المشجع فقط. ربما سيحل احد ما مكان روس في وزارة الخارجية ولكن الرئيس هو الذي سيحدد الاستراتيجية حيث سيكون روس بجانب أذنه.

هو سيضطر لمساعدة اوباما في السير في الحقل الذي تعرض فيه لعدة تناقضات. بين بيانه الاول الغريب في تموز 2007 الذي قال فيه انه سيلتقي من دون شروط مسبقة مع حكام ايران وسوريا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية مرورا بتوضيح مستشاره الابرز ديفيد اكسلرود الذي قال فيه ان ما قصده الرئيس هو ان الادارة متحمسة لمبادرات من هذا النوع، ولكنها لا تلتزم بقمة شخصية رئاسية مع كل زعيم. اعمال الشغب في ايران تعقد المصيدة السياسية التي يواجهها اوباما اكثر فاكثر. اوباما هو قائد حذر جدا خصوصا في سياسته الخارجية. ضيف امريكي زار اسرائيل قبل مدة وجيزة، سئل من قبل البروفيسور يوسي شاين من جامعة تل ابيب عن اساس سياسة اوباما الخارجية فرد قائلا: "الامر يشبه القول للاولاد الذين يخرجون من البيت لا ترتكبوا الحماقات". هذه سياسة اوباما في هذا الاسبوع بالضبط.