خبر خطاب الأفق الآخذ في التباعد .. يديعوت

الساعة 11:47 ص|19 يونيو 2009

بقلم: ناحوم برنيع

العميد أودي ديكل رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي قام بتنسيق عمل الطاقم في حكومة اولمرت في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين. هو وطاقمه أعدوا شاشة عرض ملونة من اجل حكومة اولمرت الجديدة، قدمت تقريرا عما حدث وعما لم يحدث بين اولمرت وابو مازن وبين لفني وابو العلاء وما الذي اتفق عليه بين الجانبين او لم يتفق حوله وما الذي قبل حول كل المستوطنات واية تفاهمات تم التوصل اليها مع الولايات المتحدة وما هي نقاط الخلاف. الكراس الذي يحمل التصنيف "سري وحساس" وضع على طاولة عوزي اراد مستشار نتنياهو السياسي ورئيس مجلس الامن القومي. هو كان اساس اعادة التقييم التي سبقت خطاب نتنياهو.

بعد انتهاء فترة تبادل الادوار اقترح اراد على ديكل مواصلة عمله في الحكومة الحالية الا ان ديكل رفض ذلك وقال انه متوجه لمؤسسة "يد واسم" لتخليد ضحايا النازية. نتنياهو واتباعه استنتجوا من المادة التي قدمها ديكل ان هناك مبدأ لعملة التفاوض مع الفلسطينيين: كلما تم الاقتراب من الافق اخذ هذا الافق في التباعد. بلغة اخرى كل محاولة اسرائيلية للوصول الى نقطة الحسم في المفاوضات تنتهي بالضرورة في غياب الشريك الفلسطيني. هذا ما حدث في كامب ديفيد 2000 وفي تشرين الاول 2008 عندما طرح اولمرت على ابو مازن خارطة التسوية.

من الناحية الاخرى يقلق هذا الاكتشاف نتنياهو. ومع ذلك هو سبب لاطمئنانه. هو مقلق لانه اقتنع ان الفلسطينيين يدخلون في جيوبهم في كل دولة تفاوضية حقوقا مستقبلية. وكل تنازل اسرائيلي يسجل ويتحول الى نقطة البداية في الجولة التالية. كما ان ذلك طمأنه لانه اقتنع بان الفلسطينيين غير قادرين على التوقيع على اتفاق لانهاء الصراع. لذلك يعفونه من الحاجة لمواجهة القرارات الصعبة والازمات الداخلية. بامكانه قول عبارة الدولة الفلسطينية والبقاء حيا يرزق: السماء لن تسقط والدولة الفلسطينية لن تقوم.

نتنياهو كان طوال اغلبية السنين الماضية عضوا في المجلس الوزاري وكان رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية ورئيسا للمعارضة وقد كان يقرأ الصحف بالعبرية والانجليزية ويقرأ الوثائق ويصغي للخبراء ولذلك لا يحتمل انه اكتشف الان فقط اسرار فلسطين.

لنفترض انه اكتشف الامر متأخرا، ونفترض ان ما نراه من هنا لا يراه من هناك. لماذا تطلب الامر منه شهرين ونصف في رئاسة الحكومة حتى يدرك ان بامكانه الوصول اليها بعد عشرة ايام.

الجواب هو براك اوباما. اوباما هو سبب التغيير. نتنياهو لم ير النور فجأة. كما ان انقلابا لم يحدث في ديوان رئيس الوزراء في القدس، ولا انقلاب استراتيجي. مجرد خطوة تكتيكية صحيحة وذكية الا انها جاءت لشدة الاسف متأخرة.

على المستوى التكتيكي كان الانجاز هاما. نتنياهو اصطاد ثلاثة عصافير بطلقة واحدة: حصل على ثناء البيت الابيض واجماع اسرائيلي نادر من تسيبي لفني حتى البيت اليهودي وكذلك اقنع اغلبية اعضاء كتلة الليكود بان شيئا لم يحدث وانما فقط غمزة خفيفة شقية للامريكيين وعبارة عن خدعة في مجال العلاقات العامة.

قبل ثلاثة اسابيع فقط عقدت عضوة الكنيست الجديدة تسيبي حوتوبلي اجتماعا لخيرة الادمغة من اجل ازالة المصطلحين عن جدول الاعمال، حل الدولتين والدولة الفلسطينية. ثلاثة وزراء القوا في هذا المؤتمر خطابات ملتهبة: بوغي يعلون ويولي ادلشتاين وايلي يشاي. في يوم الاحد ليلا بعد خطاب نتنياهو صرحت حوتوبلي بانها مصابة بالصدمة. يعلون بالمقابل عبر عن تأييده الحذر الهامس لخطاب نتنياهو. حوتوبلي توجهت آسفة الى بيني بيغن. نتنياهو اشرك بيغن في المحادثات التي سبقت الخطاب واقنعه بالاكتفاء بمعارضة خفيفة قليلة والسير الى الامام. بيغن في جولته الثالثة في السياسة يفضل التأثير من الداخل، وليس الاحتجاج من الخارج. بيغن وجه انتباه حوتوبلي الى المقالة التي كتبها جابوتنسكي في الثلاثينيات من القرن الماضي حول اهمية الكلمات.

تدنيس المقدسات

نتنياهو ومستشاروه اكتشفوا في المادة التي سلمها ديكل ان قضية نزع سلاح الدولة الفلسطينية قد مرت بعملية تآكل. في عام 1995 وافق عرفات على نزع سلاح كامل ولكن في المحادثات التفصيلية التي جرت في فترة اولمرت اتضح ان لديهم تفسيرا خاصا لصيغة نزع السلاح. هم وافقوا على عدم عقد معاهدات عسكرية مع دولة اجنبية وعدم تخزين السلاح وتقييد اجهزتهم الامنية، الا انهم رفضوا اعطاء اسرائيل سيطرة على الغلاف في الجو والبر والبحر. قضية نزع السلاح لم تبحث في خريطة الطريق الامريكية وانما فقط ذكرت في التحفظات التي ارسلتها اسرائيل.

ما الذي سيحدث، تساءلوا في ديوان نتنياهو ان وصلنا الى المرحلة ب من خريطة الطريق، هم سيشكلون دولة ضمن حدود مؤقتة ويعاملون كدولة من اعضاء الامم المتحدة، بينما تقول الامم المتحدة ان لفلسطين الحق في حماية نفسها  مثل اي دولة اخرى. وفي كل مرة سيدخل فيها جيب اسرائيلي خط الحدود سيندفعون نحو مجلس الامن وسيكون ذلك لغم ضخم.

قضية نزع السلاح حظيت بالتركيز في خطاب نتنياهو

كذلك الحال مع الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية. تسيبي لفني كانت  اول من رفع الراية. نقطة الانطلاق بالنسبة لها كانت المشكلة الديموغرافية. هل سعت لمنع تطبيق حق العودة. وضمان بقاء اسرائيل كدولة قومية يهودية ، ايضا عندما تكون هناك دولة فلسطينية.

العرب لم يفهموا هذا الادعاء في تلك الفترة وفهموه بدرجة اقل عندما سمعوه من نتنياهو. اليهودية هي ديانة مثل الاسلام في نظره ليست شعبا ولا قومية ولا تركة تاريخية. مطلب نتنياهو فهم من زاويتهم كتمهيد للقهر الديني اليهودي وفرضه على المسلمين في اسرائيل او اخطر من ذلك تغيير ديانة المسلمين. احاديث مشابهة سمعت من صحفيين عربا في القاهرة في اسبوع زيارة اوباما. لا غرابة ان الرئيس مبارك هاجم هذا الفصل من خطاب نتنياهو بشدة واعتبره تدنيسا للمقدسات.

وليس مبارك وحده: وزراء في حكومة اسرائيل ايضا يجدون صعوبة في فهم ذلك. اسرائيل ليست بحاجة لموافقة ابو مازن للحفاظ على طابعها اليهودي وان لم تكن في الدولة اغلبية يهودية فهي لن تكون دولة يهودية مع اعتراف او بدون اعتراف ولكن اليهود اعجبوا بهذا التركيز من قبل نتنياهو هو بدا لهم وطنيا قويا. عندما يفكر اليهود باليهود يكون المصطلح المناقض هو "العرب". في عام 1996 كان شعار الانتخابات الفائز "نتنياهو جيد لليهود". يتضح ان العكس صحيح ايضا: ذكر كلمة "اليهود" جيد لنتنياهو.

عهد الغمازات

"استراتيجيا" يقول احد مقربي نتنياهو، "وهي الذكاء في اتخاذ قرارا هو ما ستفعله". في هذا السياق يعتبر خطاب بار ايلان ناجحا وقد اثار الانطباع بامكانية القيام بكل شيء ولكنه لم يفعل اي شيء، وعد ولكن لم يعد بالتنفيذ.

القارىء الشكاك مدعو لاخذ سورية كمثل على ذلك. نتنياهو قال في خطابه انه مستعد للسفر الى دمشق في صبيحة الغد، للتفاوض مع الاسد. ان سئل نتنياهو ان كان مستعدا للسفر الى انقرة لنفس الغرض سيرد بكلمات مشابهة: بالتاكيد غدا صباحا.

نتنياهو فضل عدم ذكر الشروط التي طرحها للمفاوضات في خطابه ولكن الشروط قائمة وموجودة. هو ليس مستعدا للتعهد باعادة هضبة الجولان ولا يعتقد بان الاتفاق مع السوريين سيخرجهم من دائرة النفوذ الايراني وهو لا يعتقد بان الجولان هام الى هذا الحد للسوريين. هو هام لهم اكثر من بناء علاقات مع الولايات المتحدة.

الرد العربي على الخطاب كان سلبيا. رد الغرب – اوروبا كان عدائيا، اما الرد الامريكي فقد كان على مرحلتين. البيت الابيض رحب ولكنه استأنف فورا مطلبه بتجميد الاعمال الاستيطانية تماما. لو قال نتنياهو انه يقبل حل الدولتين خلال زيارته لواشنطن لكان من المحتمل ان يتجنب المجابهة ولكنه شغف بخطأه وفي هذه الاثناء خرج المارد من القمقم ورفض العودة اليه.

الجدل حول ما اتفق او لم يتفق عليه في فترة بوش يشغل اليهود بالاساس. ايلود ابرامز الذي كان نائب رئيس مجلس الامن القومي، دافع بحذر عن البنود التي اتفق عليها بينه وبين دوف فايسغلاس رئيس ديوان شارون. دان كيرتسير الذي كان سفيرا في تل ابيب كتب العكس: التفاهمات لم تكن ملزمة واسرائيل كررت خرقها لها. لكل واحد منهم تصوره الخاص ورواسبه العاطفية.. هذه طبيعة المستوطنات: ليس هناك احد لا مبال ازاءها.

في ديوان نتنياهو يفهمون عظم المصيبة. الامر الذي يجدون صعوبة في فهمه هناك هو ان عهد الغمازات قد انتهى. اسرائيل خدعت الامريكيين طوال 41 عاما. ايغال ايلون خدعهم وشارون تحايل عليهم وبيرس كان داهية، هؤلاء يستحقون حق الاولوية وكل الاخرين من بعدهم.

شمعون بيرس الجديد هو ايهود باراك. المنصب الذي يشغله الان في السياسة الاسرائيلية هو قضية بحد ذاتها. في قضية المستوطنات حاول بيع الامريكيين رزمة متنوعة مليئة بالغمازات وتشمل الاخلاء بالاتفاق ومواجهة رمزية وبناء محدودا. هم لم يشتروا الرزمة وكذلك المستوطنين لم يفعلوا. تواصل الازمة قد يعكر صفو العلاقات الامنية بين الدولتين في هذه الفترة الحساسة.

جورج ميتشيل مبعوث اوباما الخاص منح الضوء الاخضر لنشر ما قاله للمراسلين في مقر وزارة الخارجية. المسألة الاساسية كانت تجميد المستوطنات.

مراسلة اي بي نقلت نبأ نشر في اسرائيل ومفاده ان ميتشيل وافق على السماح للبناء وفقا للنمو الطبيعي.

"هذا الخبر غير دقيق بالمرة" قال ميتشيل.

فهل توشك على التوصل الى اتفاق في هذه القضية مع نتنياهو عندما ستقابله في باريس الاسبوع القادم؟ سئل ميتشيل.

"لا"، رد ميتشيل. "موقفنا واضح. في عام 2003 وافقت اسرائيل على خريطة الطريق. هي دعت لايقاف المستوطنات. ونحن نعتقد ان من الواجب ايقاف المستوطنات".