خبر الحجر الأول .. معاريف

الساعة 11:45 ص|19 يونيو 2009

بقلم: بن كاسبيت

الى اين تسير ايران؟ لا نعرف. ولا أحد يعرف ايضا. لا الـ سي اي ايه ولا أم 15 ولا الموساد ولا الاستخبارات الفرنسية ولا المخابرات المصرية ولا الـ كي جي بي الروسية ولا الاستخبارات الروسية ولا الصينية او السعودية او اي جهاز استخباري في العالم.

سقوط نظام آيات الله المحتمل هو حدث لم يتوقعه اي طرف هام معروف. يبدو ان الايرانيين انفسهم لا يعرفون الى اين تسير الامور. عشرات مليارات الدولارات تصرف في اجهزة العالم الاستخبارية في كل عام حتى تكون أمام المفاجأة في كل مرة من جديد. أجل لم يتوقع أحد سقوط الشاه الفارسي وصعود الخميني ولن يصدق أي احد ان الاتحاد السوفياتي سيسقط دفعة واحدة ولم يتوقع احد انهيار سور برلين وسقوط تشاوشيسكو الذي فاجىء الجميع، وتوبة القذافي التي اسقطت الناس عن كراسيهم من المفاجأة وحتى هزيمة نصرالله في انتخابات لبنان التي لم تكن متوقعة بالمرة. ولم يبتدع أحد بعد طريقة لتوقع التفاعلات السياسية والاجتماعية مسبقا. في بعض الاحيان يفضل عدم معرفة أمور كثيرة زيادة عن اللزوم حتى يتم التخمين بصورة صحيحة. المشاعر الداخلية قد تكون أكثر دقة من ألف صورة قمر اصطناعي وعدد لا يحصى من التقارير الاستخبارية وعمليات التصنت حول العالم.

من اجل النزاهة يتوجب ان نذكر في هذا السياق ان افرايم هاليفي رئيس الموساد سابقا قد توقع منذ سنوات امكانية سقوط النظام في ايران. واليوم أصبح واضحا ان آيات الله ليسوا محصنين. مختص آخر يتحدث عن اسقاط النظام في ايران منذ زمن وهو افرايم سنيه ينظّر لضرورة "الاستثمار في الشعب الايراني" ذو القدرة الكامنة الثورية والذي كتب قبل ثلاثة اسابيع فقط مقالة في "بورفارد" حيث توقع فيها ان زيادة شدة العقوبات على ايران سيتيح المجال لمناخ ثوري هناك. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا اللواء احتياط اهارون فركش تحدث في هذا الاسبوع في الاذاعة مرتين. في يوم الاحد قدر ان الاضطرابات في ايران مؤقتة ولن تؤدي الى استبدال النظام حسب تقديره. في اليوم التالي قال ان المارد خرج من القمقم وان الاحداث هناك قد تؤدي الى استبدال النظام في اخر المطاف. ربما عرف فركش بين اللقاءين شيئا ما وربما غير رأيه هكذا من دون سبب. هذا شرعي ويجسد الارباك الذي يمر فيه الجميع من خبراء ومختصين.

رئيس الموساد يائير دغان جاء في هذا الاسبوع الى لجنة الخارجية والامن في الكنيست وقال بان آيات الله سيتغلبون على الاضطرابات بسهولة وسرعة . لم يجف حبر كلماته بعد حتى انتشرت الاضطرابات كالنار في الهشيم. منتخب فريق كرة القدم الايراني يدخل لعبة رسمية وهو يرتدي رموز موسوي الخضراء ويسود ارباك كبير. دغان قال في المداولات بان التزييف في الانتخابات الايرانية لا يختلف عنه في أية دولة ديمقراطية اخرى. ربما كان يعرف شيئا ما عن التزييفات في انتخابات حزب العمل التمهيدية ونحن لا نعرفه؟ فهل وصل مقاولو الاصوات الخاصين بفؤاد اليعازر في الوسط العربي الى اصفهان؟ . دغان نفسه بعد فترة قصيرة من دخوله الى منصبه (في ظل اريئيل شارون) تطلع لاقامة قسم خاص لتوقع التغيرات في النظام. هدف هذا القسم الجديد كان منع مثل هذه المفاجآت وتمكين قادة اسرائيل من معرفة ما سيحدث، على سبيل المثال بعد مبارك يتوقع ان تحدث في مصر هزة وربما ثورة سياسية لصالح الاخوان المسلمين او ان يبقى الاستقرار على حاله. ذلك القسم لم يتشكل في اخر المطاف وهذا امر جيد. وحتى ان تمكن نظام آيات الله من المحافظة على بقائه واجتاز الازمة الحالية فمن الواضح لكل انسان منطقي ان ايران تتغير أمام أعيننا ما كان لن يتكرر بعد. الخوف زال. الحجر الاول قذف والجماهير التي تعيش تحت سطوة حرس الثورة بدأت تدرك قوتها. وحتى ان انقضت قوات حرس الثورة عليهم غدا وقتلت المئات وقمعت التململ بيد من حديد فان الامر لن يعود كما كان. من الان فصاعدا يعيش آيات الله على الزمن المستقطع. كم هي مدة هذا الزمن لا احد يعرف. ما سيحدث هناك ولمن هو جيد وفي اي اتجاه يسير، هذه مسائل لا يعرفها أحد. هل يمكن القول ان مير حسين موسوي الذي كان رئيس وزراء متصلب ومتطرف قبل عقدين هو الاصلاحي الذي تعتقد الناس انه ما يريدونه؟ الحقيقة ان هذا ليس هاما. ما يحدث في ايران أكبر من موسوي بكثير. لم يصدق احد بان اريئيل شارون هو الذي سيقتلع المستوطنات في اسرائيل وقد اقتلعها لماذا؟ لان الاحداث جرفته الى هناك. وهذه ايضا مسألة كان من الصعب جدا توقعها بالمناسبة.

ايران تمر بأيام مصيرية والتاريخ يتفاعل امام أعيننا والارض تهتز وكل شيء مفتوح. من المبكر بعد بث الاوهام والامال ومن المحظور النسيان ان المشروع النووي الايراني يتمتع باجماع شعبي واسع. هناك عندنا عدد غير قليل من الاطراف الامنية التي تعتقد ان مشكلة اسرائيل مع ايران ليست القنبلة النووية وانما الحكم. ان تبدل الحكم يتوجب اعادة النظر في كل شيء. وهل تبدل؟ من المبكر معرفة ذلك. من الناحية الاخرى يسمح لنا ان نعيش الامال ولكن ما الذي يتوجب فعله بعد هذه الامال؟ الابتهال والحذر.

2014 ؟ عفوا؟

الامريكيون الذين يقومون بارتكاب الحماقة المدوية في الوقت الاقل ملائمة يتلعثمون. عندما تأرجح الشاه الفارسي اتصل مستشار الامن القومي لجيمي كارتر زبيغنيف جيجينسكي مع نظيره الايراني وحذر نظام الشاه من اطلاق نار حية على المتظاهرين. النتيجة كانت سقوط الشاه. الان يحذرون في واشنطن ويسيرون على البيض. كل كلمة قد تلحق الضرر. من المحظور ان تبدو المظاهرات في ايران وكأنها بتحريك من الخارج. الشعب الفارسي يعتز بنفسه وبقوميته ويمقت التدخل الاجنبي. من الناحية الاخرى ليس من السهل الوقوف متفرجين بمثل هذه الاحوال وترك الامور تحدث من تلقاء نفسها. ليس سهلا ولكنه ممكن كان لمئير دغان في هذا الاسبوع تقدير مذهل اخر: ان لم تحدث اخلالات فان الايرانيين سيمتلكون القنبلة الجاهزة للاطلاق في عام 2014 تقريبا، عفوا؟ اين اختفت التقديرات التي تحدثت عن عدة اشهر والتي جرى الحديث عنه قبل عدة اسابيع؟ اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية كانت موحدة حتى الان في تقديرها ان القنبلة ستكون جاهزة حتى نهاية 2009. وهذه هي المسألة التي ثار الخلاف حولها مع الامريكيين وهنا نذكر بتقرير الاستخبارات القومي الامريكي الذي نشر في اواخر عهد بوش والذي عارضته اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والان ها هو دغان يأتينا ويتحدث عن 2014  وهذا ان لم تحدث عندهم اخلالات. دغان يفهم شيئا ما في الاخلالات ويعرف ما الذي يلمح له.

2014 سيكون بعد انتهاء ولاية نتنياهو كرئيس للوزراء (ولكن شمعون بيرس سيبقى رئيس الدولة) وفي حالة عدم حدوث اخلالات عند بيبي، فانه قد يعيش اكثر من 4 سنوات في هذا المنصب الا ان سقط قبل ذلك. وهدفه خلال ولايته هذه كما قال مرات كثيرة هو ايران ثم ايران ثم ايران، الا ان دغان يأتينا الان ويهدد بانتزاع هذه الاجندة منه. هل تتخيلون بينكم وبين انفسكم ما الذي سيحدث هنا ان اختفت الذرة الايرانية من الكينونة الشعبية ومن ترسانة الترهيب الرهيبة المستخدمة عندنا؟ ما الذي سنخاف منه حينئذ؟ وما الذي سيوحدنا معا؟.

في هذا الاسبوع استكمل نتنياهو تشكيل طواقم عمل خاصة ومن ضمنها ايضا خبراء خارجيين في المسألة الايرانية. السؤال الذي يطرح في هذا السياق يشبه السؤال الذي يطرح منذ سنوات طويلة بصدد السلام. ما الذي سيحدث عندما يحدث السلام؟ وما الذي سيفعله كل الخبراء والجمعيات والوسطاء واصحاب المؤتمرات وجامعي الاموال؟ ما الذي سيحل بمصير عاطلي صناعة السلام؟ نفس الشيء يقال عن الموضوع الايراني، هناك صناعة كاملة تعيش على القنبلة الايرانية والتخويف منها؟

في هذه الاثناء يمكن القول ان الاحتفال مبكر. ايران ما زالت هناك واجهزة الطرد المركزية كذلك. الايرانيون لا ينوون التنازل عن ذلك وحتى ان تبدل النظام ليس من المؤكد ان سباق الذرة الايراني سيتوقف. بنيامين نتنياهو، ايهود باراك رجعا من زيارتهما للولايات المتحدة مسرورين في كل ما يتعلق بالموضوع الايراني. اجل الامريكيون سيخوضون الحوار مع الايرانيين ولكنهم يعرفون ان احتمالات نجاحه ضئيلة (الا ان تغير النظام).

وماذا بعد؟ هناك مصطلح جديد يتغلغل في الغرف الداخلية بصدد مرحلة فيما بعد هذه: "اغلاق" او بالانجليزية Blockade. لا حرب ولا قصف. عقوبات دولية آخذة في التصاعد يفرض في ذروتها حصار على ايران ويجبرها على الاستسلام. هذه عبارة عن خطة بعيدة جدا وفرصها غير ناجحة بينما يلف الضباب مستقبلها ولكنها ذات سحر جذاب: لا مزيد من الاحتلالات والقتل والقصف. حاملات الطائرات الامريكية ستعزل ايران عن العالم والحدود ستغلق لتتحول هذه الدولة الى كوريا الشمالية الجديدة. ان لم تسقط المظاهرات الحالية النظام فالامر سيحدث في هذه الحالة. من الناحية الاخرى لماذا نخلق كوريا شمالية جديدة بينما ما زالت القديمة حية ترزق وتمتلك الذرة مع حصار دولي ومن دون حصار؟.