خبر جدول الأعمال الإسرائيلي للنصف الثاني من عام 2009 ..عدنان أبو عامر

الساعة 08:15 ص|17 يونيو 2009

جدول الأعمال الإسرائيلي للنصف الثاني من عام 2009 ..

عدنان أبو عامر

أما وقد انقضى النصف الأول من العام الحالي 2009، ولم يتبق منه سوى أشهر معدودة ربما تحصى على أصابع اليد الواحدة، لكن القراءات السياسية والتقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، تشير بما لا يدع مجالا للشك أنها ستكون فترة عصيبة على إسرائيل، وأشهرا شديدة التأثير على سنوات أخرى قادمة.

وقد دفع ذلك وزارة الخارجية الإسرائيلية, للمرة الأولى في تاريخها, للقيام بمشروع وزاري لتقدير الموقف السياسي الإستراتيجي للدولة، الهدف منه هو تقدير الموقف وتشخيص تطور الاتجاهات, المحلية والإقليمية والدولية, لتقدير مغازيها، وبلورة توصيات للسياسة الخارجية الإسرائيلية.

 

الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق أن جدول أعمال ذلك المشروع، الذي يشكل نموذجا للعمل بالمناسبة لدى وزارات خارجية العرب، تم توزيعه على القيادة السياسية والأمنية للدولة, بما فيها رئاسة الحكومة والوزارات ذات الصلة، والأذرع الأمنية, وشعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة, وجهاز الأمن العام الشاباك، وهيئة الأمن القومي.

 

تقديرات استخباراتية للمنطقة

 

بداية لابد لنا من عرض قدمه العميد "يوسي بيدتس"، رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان"، حول تقديراته الجديدة لتوجهات أطراف الصراع الإقليمي مع إسرائيل في المرحلة المقبلة الممتدة حتى نهاية العام الحالي.

 

وقد جاءت التقديرات على النحو التالي:

 

1- حركة حماس: أكد التقدير أن هدف حماس في غزة هو ترميم السلطة والبنية التحتية، وبالتالي فهي لم تنفذ أي عملية ضد إسرائيل، ومن يقوم بذلك حاليا في غزة هي تنظيمات أخرى.

 

وقد دخلت إلى قطاع غزة وسائل قتالية كثيرة، والحافزية لتهريب الوسائل القتالية ازدادت بعد عملية "الرصاص المصهور"، ليؤكد التقدير أن هناك تصميماً لدى السلطة الفلسطينية في رام الله على المضي في القضاء على حماس، ونشاط أجهزة السلطة يحظى بدعم عملاني من الجيش الإسرائيلي و"الشاباك".

 

2- حزب الله: ترى الاستخبارات الإسرائيلية أن هناك كمية كبيرة من الصواريخ، سواء شمالي نهر الليطاني أو جنوبه، ورغم أن الحزب كان يرى نفسه مكبوحا بصورة مؤقتة بالنسبة لشن عمليات ضد إسرائيل، سواء بسبب الانتخابات النيابية التي خسرها، أو بسبب العامل الإيراني، إلا أنه مُصر على الانتقام لاغتيال عماد مغنية.

 

3- سوريا: لا تزال دمشق تنقل إلى حزب الله كثيرا من الأمور، وثمة مصلحة سورية في التوصل إلى تسوية، والمهم بالنسبة لها المشاركة الأمريكية في مسيرة التسوية وإعادة الجولان، وللاتفاق مع سوريا آثار إستراتيجية على إسرائيل.

 

4- إيران: حتى نهاية العام سيكون لدى إيران ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج القنبلة النووية الأولى، مما دفعها لأن تكون مقلقة جداً بالنسبة لإسرائيل بسبب وتيرة تقدمها، ولديها صواريخ قادرة على الوصول لإسرائيل، و"الساعة الإيرانية" تتقدم على ساعة المحادثات الدولية.

 

سلة المخاطر الأمنية

 

1- الخطر الإيراني: كما رأينا، فإن الحلبة الإقليمية, أي المحيط الشرق أوسطي لإسرائيل, وبصورة أكثر تركيزا في مجال المخاطر، "تنتصب" إيران كفاعل مركزي، فإستراتيجية الهيمنة الإقليمية التي تطورها وتنفذها هي المبلور الإستراتيجي البارز في المنطقة من وجهة النظر الإسرائيلية.

 

والخطر الإيراني بأبعاده الأربعة: المشروع النووي, ودعم المقاومة, وزعزعة الأنظمة العربية "المعتدلة", والخطر الأيديولوجي, كلها تواصل الوقوف في مركز جدول أعمال السياسة الخارجية الإسرائيلية لاسيما وأن تل أبيب ترى أن دعم طهران للمنظمات المسلحة في مختلف الجبهات: لبنان, وغزة, والعراق، وأماكن أخرى، مصدر إضافي للخطر, يستدعي إلى جانب الرد الأمني رداً سياسياً أيضاً، حيث تبذل إسرائيل ممثلة بوزارة الخارجية جهدا حثيثا لإدراج الموضوع على جدول الأعمال العالمي, عبر الاستعانة بقرار مجلس الأمن رقم 1747, الذي يحظر تصدير السلاح الإيراني.

 

وهنا تقترح بعض الأوساط النافذة في إسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني، البدء خلال الفترة القريبة القادمة بـ:

 

أ‌- "بلورة" معسكر عربي برجماتي ذي مصالح مشتركة مع إسرائيل،

ب‌- نجاح مساعي فرض الاستقرار الأمريكي في العراق,

ت‌- نافذة الفرص القائمة لاتفاقية سلام مع سوريا، ولتسوية مع المعسكر "البرجماتي" الفلسطيني.

 

2- معضلة حماس: يتلخص الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي في الحلبة الفلسطينية خلال العام الحالي بالتوصل إلى تسوية سياسية "مستقرة" مع السلطة الفلسطينية, بموازاة تقويض سلطة حماس في قطاع غزة, أو على الأقل, إضعافها.

 

وعلى خلفية الانشقاق القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة, فإن المساعي ركزت مقابل كل واحد منهما على انفراد، وانقسمت السياسة الإسرائيلية في الضفة إلى ذراعين:

 

أ‌- مسار أنابوليس: الذي لم يثمر حقاً عن اتفاق دائم, لكنه نجح في المحافظة على زخم سياسي معين في الحلبة الفلسطينية، ونال دعماً دولياً، وإسنادا من جانب الدول العربية البرجماتية.

 

ب‌- بموازاة ذلك تواصل الجهد, بمساعدة من الأسرة الدولية, للتقدم في بناء مؤسسات سياسية في الضفة، ولتحسين نسبي في حياة السكان الفلسطينيين، عبر الإصرار على تنفيذ الالتزامات الفلسطينية الأمنية، ومنع ما يعرف بـ"تمأسس" حماس في الضفة!

 

أما في غزة، فقد انصب الجهد الإسرائيلي، وسيبقى أيضا، على الهدف المركزي المتمثل بمنع انطلاق عمليات فدائية من هذا الشريط الساحلي، عبر صيانة موقف الأسرة الدولية بشأن شروط الرباعية الثلاث: كشرط لأي اعتراف أو "شرعنة لحماس".

 

وتستشرف الأوساط الإسرائيلية الفترة القريبة القادمة في قطاع غزة على أنها توظيف سياسي لعملية "الرصاص المسكوب"، من حيث استغلال نتائج القتال لتعزيز الردع الإسرائيلي, وتثبيت الهدوء الأمني المستقر والمتواصل، عبر الامتناع عن التسوية مع حماس، وتسريع الجهود لمنع تعاظم قوتها العسكرية.

 

وفي هذا السياق, جرت التوصية بتعزيز الدور المصري والدولي بشأن منع التهريبات, ومساعدة الجهد الدولي لمنع حدوث أزمة إنسانية في القطاع، والتخفيف على حياة السكان، وكل ذلك, بشكل لا يترجم في تعزيز قوة حماس، وعبر التعاون مع مؤسسات السلطة الفلسطينية.

 

3- اللغز السوري: ثمة فرصة هامة متوفرة في الموضوع السوري، فالنظام هناك، كما تؤكد المحافل الإسرائيلية, أفلح في المناورة بين المعسكرين الراديكالي والبرجماتي, مع ما يشيره ذلك إلى رغبته منذ زمن في التقارب مع الولايات المتحدة، والتفاوض من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل.

 

وقد لاحظت حكومة إسرائيل السابقة هذه الفرصة, وشرعت بـ"محادثات عن قرب" مع سوريا بوساطة تركيا، وهو ما دفع بالتقدير الاستخباري الذي اعتمدته تل أبيب على ما يبدو لأن يعلن أن التغيير المتوقع في السياسة الأمريكية تجاه سوريا, غير المرتبط بعملية الخروج الأمريكي من العراق، يمكن أن يخلق فرصة لتغيير سياسي من جانب سوريا، بشكل يسمح باستنفاد المفاوضات السلمية مع إسرائيل.

 

أما بخصوص مصلحة إسرائيل في عملية تفاوض من هذا النوع, فمن الجلي أنه خلافاً لجولات سابقة, ليس بالوسع الاكتفاء بمحادثات ثنائية, وسيتطلب الأمر استيضاحاً معمقاً وحاسماً للإستراتيجية السورية في السياق الإقليمي الشامل, خصوصاً لمستقبل علاقاتها مع إيران, وحزب الله، وحماس.

 

خيوط السياسة القادمة

 

بعد تشخيص المخاطر الماثلة أمام إسرائيل خلال ما تبقى من هذا العام الذي انقضى نصفه الأول، بات يتطلب الأمر إستراتيجية سياسية إسرائيلية تتضمن رداً مثالياً على تلك المخاطر، واستغلالاً واعياً للفرص, عبر تطوير الموارد ذات الصلة المتوفرة: كالميزانيات والقوى البشرية, والإصغاء للزعماء في الأسرة الدولية, والقدرة على بلورة مشروعية ودعم إقليمي ودولي لخطوات إسرائيل المتوقعة لاحقا.

 

د.عيران عتسيون، الرئيس السابق لشعبة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قدم ما يشبه "خارطة طريق" إسرائيلية للتعامل مع تلك التحديات خلال هذا العام ترتكز أساسا على ساقين: ساق الردع وساق التسوية، ففي مواجهة إيران وسوريا وحلفائهما كحزب الله, حماس والجهاد الإسلامي وأشباههم, يتطلب الأمر سياسة ردع موثوقة ودائمة. علما بأن ردع إيران يعبر أساسا عن تجسيد إستراتيجية الهيمنة الإقليمية بكل مكوناتها, خصوصاً بشأن مشروعها النووي العسكري, والتحدّي المركزي لمجموعة الدول التي تترأسها الولايات المتحدة وبينها إسرائيل.

 

ويشير عتسيون إلى أن الردع يحتاج إلى إستراتيجية تسوية, متجهة لخلق تغيير أساسي وطويل المدى في سياسة الطرف المقابل، كما يلزمه بلورة إطار سياسي مقبول على إسرائيل, الولايات المتحدة, القوى العظمى الإضافية ذات الصلة, وكذلك على الأقل قسماً من الدول العربية البرجماتية؛ فالأطر السياسية القائمة، ومنها تفاهمات مدريد, واتفاقات أوسلو, وخريطة الطريق, ورسائل بوش, والمفاوضات التي أديرت في نطاق أنابوليس, والمبادرة العربية... كلها توفر قاعدة محتملة لبلورة إستراتيجية تسوية إسرائيلية محدثة ومكيفة, سواء إزاء دول مثل سوريا ولبنان, أو إزاء الجهات البرجماتية في الحلبة الفلسطينية.

 

علما بأن الساحة الفلسطينية المنقسمة، جغرافياً وسياسياً، تشكل نوعاً من التصغير الشامل للمخاطر والفرص, وسيواصل إلزام إسرائيل بإستراتيجية مزدوجة تجمع بين: ردع حماس, والسعي الدائم للتسوية مع منظمة التحرير، في إشارة واضحة إلى النتائج الفورية لعملية "الرصاص المسكوب" من ناحية، وما تصفه إسرائيل بـ"النجاحات الأولية" التي سجّلتها قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية من ناحية أخرى, في ملاحقة حماس، واستنزاف قوتها هناك.

 

وعلى صعيد الوضع في غزة، تقترح العديد من التقديرات السياسية الإسرائيلية وضع إستراتيجيتين منفصلتين للتعاطي مع حماس هناك، وهما:

 

أ‌- الخيار العسكري: من خلال عمل حاسم لإسقاط حماس بالطرق العسكرية، والسيطرة على غزة، مع هدف نهائي هو نقل السلطة إلى كيان آخر على الأرجح أن يكون السلطة الفلسطينية عندما تصبح الظروف مناسبة، واستناداً إلى هذا المنطق، ينبغي لإسرائيل السعي إلى الدخول في أعنف مواجهة مع حماس للقضاء على حكومتها وعلى بنيتها التحتية.

 

ب‌- الخيار السياسي: وهو ما تسميه تل أبيب "ممر القرارات الصعبة"، حيث تستند هذه المقاربة إلى الاعتراف بحقيقة سيطرة حماس على غزة، وانتهاج إستراتيجية سياسية لعزل الحركة وإضعافها، إلى أن تنهار بفعل الديناميات السياسية والاجتماعية الداخلية. واستناداً إلى هذه السياسة، ينبغي لإسرائيل والولايات المتحدة إيجاد سلسلة من التحديات أمام حماس تزيد من حدة مآزقها الداخلية والخارجية.

 

أما على صعيد الضفة الغربية، فهناك اقتراحات إسرائيلية متزايدة في الآونة الأخيرة تتمثل برفع مستوى السلطة الفلسطينية هناك إلى مصاف الاعتراف بها كدولة، وبناءً على هذه المقاربة، سيتحقق التقدم أساساً من خلال جهد منهجي لبناء طاقات السلطة الفلسطينية وقدراتها ومسئولياتها بالضفة الغربية، إلى أن تصل إلى مستوى يمكن عنده الاعتراف بها "كدولة".

 

وقد تم فعلا القيام بخطوات هامة في هذا الاتجاه السنة الماضية في ميادين: الشرطة، التخطيط والبناء، الصرف الصحي، التعليم، النقل، النظام القضائي والصحة، لكن تحويل هذه النشاطات إلى "رفع لمستوى" السلطة الفلسطينية يقتضي القيام بعمل حاسم من جانب إسرائيل والولايات المتحدة لأنه يفترض تخطي منطق الاتفاقية المؤقتة وصياغتها.

 

وعلى سبيل المثال، يمكن أن تُسقط إسرائيل اعتراضاتها على صك عملة فلسطينية، وإقامة نظام مستقل للجمارك الفلسطينية، وفتح سفارات أجنبية برام الله وبالمكاتب التمثيلية التابعة للسلطة الفلسطينية بالخارج، وعلى عضوية السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية.

 

أخيرا، ترى مراكز البحث الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها أنه يتعين في أية إستراتيجية جديدة ستنتهجها إسرائيل الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجوهرية التي حدثت في السنين الأخيرة، منها الأزمة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية، الهوة العميقة بين غزة والضفة الغربية، إحكام حماس سيطرتها على غزة، والاعتراف الدولي التدريجي بحكمها، في ضوء ما ورد في خطاب أوباما الأخير، على الرغم من الجهود الإسرائيلية الرافضة، والقدرة المتنامية للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية على ممارسة ضبط الأمن بفاعلية من خلال ملاحقة خلايا حماس والمقاومة، والانتقاد الدولي الشديد أثناء عملية "الرصاص المصبوب" التي أدت إلى الإضعاف الشديد لموقف إسرائيل على الساحة الدولية.

------------------------

 

كاتب وصحفي فلسطيني.